الثورة الإسلامية بين التجربة الإيرانية و دولة "داعش"

الأحد 16/نوفمبر/2014 - 11:27 م
طباعة الثورة الإسلامية
 
الثورة الإسلامية
تزامنا ً مع الضربات الإرهابية لجماعة بيت المقدس ونشرها فيديو يوضح هجماتها الإرهابية في قلب سيناء  ضد قوات الجيش المصري، دعت الجبهة السلفية، عضو التحالف الوطني لدعم الشرعية، إلى ما أسمته "انتفاضة الشباب المسلم" في 28 الحالي، و أكدت الدعوة أن هذه الانتفاضة  ستكون إعلانا للثورة الإسلامية وإسقاط ما أسمته حكم العسكر، ووزعوا منشورات تدعو المواطنين للمشاركة فيها.
 و قد نشرت الجبهة بيانًا تقول فيه: «سنرفع المصاحف في جميع الشوارع، ولدينا القدرة على الدفاع عن أنفسنا أثناء المواجهة مع قوات الأمن، متوقعين في الوقت نفسه التفاف آلاف الشباب حول مطالب ما يسمى الثورة الإسلامية، وأشار البيان  إلى أن الشباب السلفي سيتحرك في جميع الميادين، وأنهم يمتلكون خطة لمواجهة الأمن. 
جاءت هذه الدعوات مصاحبة لأخرى على مواقع التواصل الاجتماعي " فيس بوك و تويتر " من خلال صفحات تحت عناوين مثل "الثورة الإسلامية قريبا في مصر"، و " ثوريون "، "أشبال ضد الانقلاب".
في المقابل وصف حزب النور السلفي هذه الدعوات بأنها «ثورة صبيانية»، الغرض منها محاولة نشر الفوضى، مطالباً بضرورة تكاتف الأحزاب والتيارات السياسية مع الدولة، لمواجهة التيارات المتطرفة، أمثال تنظيم داعش.
اتفق موقف حزب النور مع موقف د. ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية الذي قال في تصريحات صحفية له  إن الجماعات الإرهابية يتم تدريبها من بعض المنظمات والدول الخارجية المعادية للإسلام والمسلمين، التي تعمل على هدم أركان الأمة بما يسمونه «سياسة الفوضى الخلاقة»، مشددا على أنهم لن يقبلوا بانضمام أبنائهم لهذه الجماعات المشبوهة، وسيحاربونها حتى يتم تجفيف منابع الإرهاب وأفكاره التكفيرية.
أثارت هذه الدعوات أسئلة حول مفهوم الثورة الإسلامية في الأدبيات السياسية، و مفهوم الدولة في أدبيات فكر الإسلام السياسي.

مفهوم الثورة

مفهوم الثورة
لم‮ ‬يكن هناك تحديد علمي‮ ‬واضح لمفهوم‮  ‬الثورة، وقد أطلق مفهوم ‮ الثورة  على عدد كبير من الظواهر المختلفة في‮ ‬شدتها،‮ ‬والتي‮ ‬تمتد من أي‮ ‬تحرك مسلح ــ أو حتى‮ ‬غير مسلح ــ ضد نظام ما،‮ ‬إلى التحركات التي‮ ‬تطرح إسقاط النظام واستبداله.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وقد استخدم مفهوم الثورة في ‬علم الاجتماع السياسي‮ ‬للإشارة إلى التأثيرات المتبادلة للتغييرات الجذرية والمفاجئة للظروف والأوضاع الاجتماعية والسياسية‮.‬‬‬‬‬‬‬
وفي‮ ‬إطار التطرق إلى موسوعة علم الاجتماع‮ ‬نجد أنها تشير إلى مصطلح الثورة على أنه‮ "‬التغييرات الجذرية في‮ ‬البنى المؤسسية للمجتمع،‮ ‬والتي‮ ‬تعمل على تبديل المجتمع ظاهرياً‮ ‬وجوهرياً‮ ‬من نمط سائد إلى نمط جديد‮ ‬يتوافق مع مبادئ وقيم وأيديولوجية وأهداف الثورة،‮ ‬وقد تكون الثورة عنيفة دموية،‮ ‬وقد تكون سلمية،‮ ‬وتكون فجائية سريعة أو بطيئة تدريجية‮".‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وقد استخدم مفهوم ثورة ‬في‮ ‬وصف التمردات الشعبية تأثرا  ‬بالأيديولوجيات الثورية في‮ ‬القرن العشرين وخاصة ً الماركسية،‮ وتحول المفهوم بالتدريج إلى مفهوم أساسي في أدبيات اليسار العالمي بعد انتفاضات ‬ أمريكا اللاتينية ضد هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية.‬‬‬‬‬‬‬‬‬
أما الأدبيات العربية فلم تستخدم كلمة‮ "‬ثورة‮"‬،‮ ‬بل استخدمت كلمات مثل‮ "‬خروج‮" ‬و"فتنة‮". ‬والفتنة في‮ ‬الواقع هي‮ ‬الصراع الأهلي‮ ‬الذي‮ ‬يمس التوازن السياسي‮ ‬الاجتماعي‮ ‬القائم بين جماعات أهلية من خلال استخدام العنف.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
لذلك استخدم مفهوم الخروج لذم الخارجين على السلطان الغاشم باعتبارهم خارجين على الجماعة وساعين لإفقادها توازنها لذلك سموا بالخوارج.

الثورة الإسلامية

الثورة الإسلامية
في المقابل لم يشهد التاريخ الحديث ما يطلق عليه لفظ "ثورة إسلامية" أو ثورة لها طابع إسلامي سوى الثورة الإيرانية التي قامت في نهاية سبعينيات القرن الماضي(1979)، والتي انتهت بإنشاء دولة ذات طابع ديني أو مُا يطلق عليه في أدبيات العلوم السياسية بالدولة "الثيوقراطية " 
حيث ُ إن حكومة إيران تقوم على  فكرة الخليفة في الأرض المتمثلة في الخميني والمستمدة من نظرية الحق الإلهي غيرِ المباشرِ التي تقول أن الحاكم من البشر، لكن في هذه النظرية يقوم الله باختيار الحاكم بطريقة غيرِ مباشرة من خلال النصوص، وتكون الأمة مسيرة لا مخيرة في اختيار الحاكم، و هي  مسيرة من خلال النصوص. 
و تستخدم الدولة الدينية النص الديني في صناعة القوانين، كما انها تستخدم القوانين لتقنين النص الديني، و هذا ما فعلته ايران في دستورها حيث ُ تنص المادة الخامسة من الدستور الإيراني على أن ولاية الأمر وإمامة الأمة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في زمن غيبة الإمام المهدي (الإمام الثاني عشر عند الشيعة الإمامية): تكون بيد الفقيه العادل المتقي العالم بأمور زمانه، الشجاع الكفؤ في الإدارة والتدبير الذي يتولّى هذا المنصب وفقًأ للمادة 107، كما تنص المادة نفسها على تساوي القائد مع عامة الشعب أمام القانون
فيما تنص المادة 110 من الدستور على مهام القائد وصلاحياته بما نصه:
- تعيين السياسات العامة لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام.
- الإشراف على حسن إجراء السياسات العامة للنظام.
- إصدار الأمر بالاستفتاء العام.
- القيادة العامة للقوات المسلحة.
- إعلان الحرب والسلام والنفير العام.
- نصب وعزل وقبول استقالة كل من: فقهاء مجلس صيانة الدستور، أعلى مسؤول في السلطة القضائية، رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، رئيس أركان الجيش، القائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية، والقيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي.
- حل الاختلافات وتنظيم العلائق بين السلطات الثلاث.
- حل مشاكل النظام - التي لا يمكن حلها بالطرق المتعارفة - من خلال مجمع تشخيص مصلحة النظام.
- إمضاء حكم تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب، أما بالنسبة لصلاحية المرشحين لرئاسة الجمهورية من حيث توفّر الشروط المدرجة في هذا الدستور فيهم، فيجب أن تنال موافقة مجلس صيانة الدستور قبل انتخابات، وموافقة القيادة في الدورة الأولى.
- عزل رئيس الجمهورية مع ملاحظة مصالح البلاد، وذلك بعد صدور حكم المحكمة العليا بتخلفه عن مهامّه القانونية أو بعد رأي مجلس الشورى الإسلامي بعدم كفاءته على أساس المادة التاسعة والثمانين.
العفو عن المحكوم عليهم أو التخفيف من عقوباتهم في إطار الموازين الإسلامية بعد اقتراح من رئيس السلطة القضائية.
وهنا تصبح سلطة الإمام هي السلطة العليا في الدولة التي تدير الدولة على أساس من النص الديني وتفسيره وفقا لرؤية الامام مباشرة ً .

الدولة الدينية في مصر

الدولة الدينية في
في أعقاب ثورة 2011، كان شبح الثورة الإيرانية عام 1979 يحوم في الأفق بالنسبة للعديد من الدول الغربية و بالنسبة أيضا ً للتيارات الليبرالية التي شاركت في الثورة، بينما كانت تيارات الاسلام السياسي و على رأسها جماعة الاخوان المسلمين تطمح بشكل كبير في منافسة بينها وبين المملكة العربية السعودية لتصبح الدولة الدينية السنية الأكبر في المنطقة.
و قد حاولت الجماعة استخدام التدريج في فرض الأسلمة على المجتمع المصري و التي بدأت بدستور 2012، حيث ُيعد تأسيس دولة إسلامية وفقا للشريعة هو جوهر آيديولوجيا الإخوان المسلمين سواء في مصر أو لدى الجماعات التابعة لها بالخارج. 
و قد حاولت الجماعة كتابة دستور يضمن مساحات واسعة لها لتطبيق برنامجها وتطبيق مفهومها الضيق للشريعة، بدأت خطواتها بإعلان دستوري يحصن اللجنة التأسيسية التي يتكون أغلبية أعضائها من الاسلاميين ، ففي يوم 22 نوفمبر 2012 أصدر الرئيس المعزول محمد مرسي إعلانا دستوريا مكملا وتضمن حزمة من القرارات منها: 
إعادة التحقيقات والمحاكمات للمتهمين في القضايا المتعلقة بقتل وإصابة وإرهاب المتظاهرين أثناء الثورة.
جعل القرارات الرئاسية نهائية غير قابلة للطعن من أي جهة أخرى (مثلا المحكمة الدستورية) منذ توليه الرئاسة حتى إقرار دستور جديد وانتخاب مجلس شعب جديد.
يعين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بقرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ شغل المنصب، مما ترتب عليه إقالة النائب العام المستشار/ عبد المجيد محمود واستبدال المستشار/ طلعت إبراهيم به.
تمديد فترة اللجنة التأسيسية بفترة سماح شهرين لإنهاء كتابة دستور جديد للبلاد.
تحصين مجلس الشورى واللجنة التأسيسية بحيث لا يحل أي منهما (كما حدث لمجلس الشعب).
جاء هذا الاعلان لتحصين اللجنة التي صاغت دستورا ً يميل الى كفة الاسلاميين بشكل فج وصريح يؤسس لدولة دينية بمفهومها المتطرف.
و يكفي أن تضمن هذا الدستور المادة 219 التي تنص على  : "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، في مذاهب أهل السنة والجماعة".
كما جاء نص المادة الثانية كالتالى: "الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع".
 وهذا ما يعطي مساحة كبيرة لتطبيق الشريعة وإقامة دولة خلافة كما يراها تيار الإسلام السياسي. 
لكن يبدو أن التيارات الإسلامية بما فيها جماعة الإخوان لم تكتفِ بهذه المكاسب في الدستور، و الذي رأوه لم يطبق مفهوم الدولة الدينية بشكل مباشر . 
فانطلقت دعوات تطبيق الشريعة بشكل كبير جدا من الأحزاب الدينية و تبلورت في الدعوة الى ما أطلق عليه "مليونية الشرعية والشريعة" في الأول من ديسمبر 2012 في ميدان النهضة بالقاهرة، هذه المظاهرات التي تم الحشد لها من قبل الجماعة والأحزاب الموالية لها، ورفع فيها شعارات واضحة وصريحة بتطبيق الشريعة وإقامة دولة الخلافة على غرار الدولة الإيرانية. 

بعد 30 يونيه ودولة الخلافة

بعد 30 يونيه ودولة
جاءت 30 يونيو و عزل جماعة الاخوان المسلمين عن حكم مصر، متزامنا في نفس الوقت بصعود نجم تنظيم دولة الخلافة المعروف اعلاميا ً بـ "داعش"، التنظيم الارهابي الذي يحاول اقامة دولة الخلافة في طول و عرض دول المنطقة و التي بدأت في سوريا و العراق، و الهدف الأكبر بالطبع هو مصر حيثُ أن السيطرة عليها يعني السيطرة على المنطقة هذا الى جانب الثأر لجماعة الاخوان النموذج الاسلامي، في هذا الاطار يسعى داعش للتنسيق مع التنظيمات الارهابية الموجودة في سيناء على رأسها بيت المقدس في محاولة للسطو على الجيش المصري و محاولة كسره نفسيا ً و ماديا ً من خلال العمليات الارهابية التي تتم في سيناء ثم نشر فيديوهات تبين هذه العمليات و التباهي بها .
و قد نشرت داعش جدول توضح فيه مفهومها للخلافة و هو لا يختلف كثيرا عن مفهوم الدولة الإيرانية أو مفهومها في أدبيات جماعة الاخوان المسلمين، حيث يعرف داعش الخلافة بأنها : هي سياسة الإمام لما له من قدرة وامكانيات " أي الملك الدنيوي " و الإذن و الحق الشرعي بشرع الله لتحقيق مصالحهم الدنيوية و الأخروية و هي تكون على كل المسلمين وعلى جمهورهم و سوادهم الأعظم كما هو حال الخلفاء الراشدين و يكون اختياره برضا جمهور أهل الحل والعقد . 
و يتضح من تحركات و دعوات التيارات الإسلامية على الأرض في مصر أنها تؤيد داعش في غزو مصر، خاصة ً بعد انضمام الكثير من شباب هذه التيارات للتنظيم باعتباره الحل الثوري لتشكيل دولتهم، وهو ما يتم الدعوة له الآن بالنزول يوم 28 نوفمبر مصاحبا ً لمبايعة بيت المقدس لداعش وتسمية بـ"ولاية سيناء" .

شارك