الحشاشون.. إضاءة في زاوية مُعتمة

الثلاثاء 02/أبريل/2024 - 05:17 ص
طباعة
 
"الحشاشون" ظلت لمئات السنوات مجهولة لايعلم أحد عنها شيئًا سوى المهتمين بدراسة الفرق والجماعات أو المهتمين بقراءة التاريخ أو عدد غير كبير من المثقفين، وذلك على الرغم من الدور الكبير الذي لعبته هذه الفرقة في وقت من الأوقات، ورغم الكتابات التي تناولت هذه الفرقة إلا أنها ظلت محاطة بالكثير من الغموض وأثيرت حولها الكثير من القصص والأساطير.
جاء مسلسل "الحشاشون" الذي أنتجته الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، ليلقى الضوء على هذا الجانب المظلم وتلك الزاوية المعتمة، ويزيح الستار عن جذور فكرية لازالت لها امتداداتها حتى وقتنا الحالي، وربما كانت مرجعا فكريا لجماعات متطرفة، وساهمت في التأسيس لجماعات الدم التي تبرر لعملياتها بمثل هذه المرجعيات الشاذه والمتطرفة.
أثار المسلسل منذ بدء عرضه وحلقاته الأولى حالة كبيرة من الجدل، وهو أمر طبيعي ومحمود، لأن يكون الجدل والانشغال بأعمال قيمية تلقى الضوء على جوانب تاريخية، وهذه الحالة من الجدل من إيجابيتها التأسيس للنقاس حول قضايا تستحق الجدل والنقاش، وطرح قضايا تستحق أن تأخذ حيزا مهما من اهتمامات الجمهور، وصناعة حالة من الوعي حول جذور ظواهر سلبية لازال موجودة ونعاني من أثرها.
ومعظم الانتقادات التي وجهت للمسلسل، أعتقد أنها لاتنقص من قيمته ولا تقلل من تأثيره بل على العكس، أهمية العمل تبدو من خلال هذه الحالة التي صنعها، سواء بالإشادة أو بالنقد، وإن كانت الانتقادات التي تبقى محل تقدير دارت حول أمور يمكن تفنيدها والرد عليها، ومن الطبيعي أن تكون هناك وجهات نظرة متباينة ومختلفة، خاصة إذا كانت القضية محل الجدل لاتزال في جوانب منها غامضة ولايمكن لأحد أن يجزم بحقيقة حاسمه.
الخطوط العريضة للعمل تكمن في طبيعة الفرقة وأهدافها وسلوكها، وهو الأمر الذي تم طرحه بشكل يتوافق مع أهم الكتابات التي تناولت هذه الفرقة، وكان من أهم هذه الكتابات، هو كتاب "الحشاشون – فرقة ثورية في تاريخ الإسلام"، تأليف "برنارد لويس" وترجمة "محمد العزب موسى"، وهو الكتاب الذي وصف هذه الفرقة على لسان قس ألماني يدعى "بروكاردوس".
وفق وصف "بروكاردوس"، فإن الحشاشين "يجب أن يلعنهم الإنسان ويتفاداهم، إنهم يبيعون أنفسهم، ويتعطشون للدماء البشرية، ويقتلون الأبرياء مقابل الأجر، ولايلقون اعتبارا للحياة أو النجاة، وهم يغيرون مظهرهم كالشياطين التي تتحول إلى ملائكة من نور وذلك أنهم يحاكون الحركات والثياب واللغات والعادات والتصرفات التي تأتيها الامم والأقوام المختلفة، وهكذا يتخفون في ثياب الشاة لتنفيذ أغراضهم، ويتعرضون للموت بمجرد أن يكتشفهم الناس".
وفق الكتاب سالف الذكر، فإن الرحالة الشهير ماركو بولو الذي مر عبر إيران في عام 1273 فقد وصف قلعة  "ألموت" التي ظلت طويلا مقرا للفرقة، حيث يقول :"إنهم يسمون شيخ الجبل في لغتهم "ألو دين" "علاء الدين"، وقد قام بإغلاق وادي بين جبلين، وحوله إلى حديقة فيحاء، أكبر وأجمل حديقة يمكن أن تقع عليها عين، وملأها بكل أنواع الفاكهة، واقام فيها قصورا أو مقصورات من أروع مايمكن تخيله وجميعها مغطاة برسوم فاتنة ومموهة بالذهب.. الخ"
هذا الوصف هو جوهر القضية، هذه هي طبيعة الجماعة، ومهما كان من خلاف حول الاهداف أو الأدوات، فإن طبيعة الجماعة وسلوكها هي الأساس الذي يمس مصداقية العمل، فلم يقدم العمل فرقة "الحشاشين" بصورة مغايرة عن ما أوردته أهم الكتب التي تناولت تاريخ الفرقة ومراحل نشأتها، أما الخلاف حول أمور أخرى فهو أمر طبيعي ووارد، خاصة عندما يكون الحديث عن تنظيم سري لايزال سبب تسميته مثيرا للجدل، ولاتزال أمور كثيرة عنه مجهولة، وذلك لطبيعة الجماعة التي لم تكن تعلن عن أهدافها وتحركاتها بشكل يتيح تقديم حقائق لاتقبل الشك،
دار الجدل أيضًا حول لغة العمل، ولماذا لم يتم تقديمه باللغة العربية الفصحى، وهو نقد مقبول، خاصة إذا كان الاعتياد على أن المسلسلات التاريخية يتم تقديمها باللغة العربية الفصحى، لكن أصول الفرقة لم تكن عربية بالأساس، وبالتالي فإن تقديمها بالعامية المصرية لايقلل من قيمة العمل، غذا كانت بيئة العمل غير عربية، حتى الأماكن التي كان ينتقل إليها أفراد الفرقة كان يتحدثون بلغتهم أو لهجاتهم.
الأمر الآخر، تكمن أهمته في استعادة القوى الناعمة المصرية، في ظل صراع اللهجات الذي يتعرض لها المشاهد العربي، من خلال مسلسلات مدبلجة بلهجات أخرى، خاصة إذا كانت العامية المصرية لها شأنها في الشارع العربي ككل، وتبقى أكثر اللهجات العربية المفهومة بين الشعوب العربية، والتي كانت سببا في انتشار الأعمال الفنية المصرية على مدار عقود.
الأهم من كل ذلك هي حدود التأثير التي حققها العمل، وكيف كان سببا في التفاف المشاهدين في الدول العربية حول عمل مصري مجددا بدلا من الالتفاف حول الأعمال الهندية والتركية "المدبلجة"، فالمتتبع لمواقع التواصل الاجتماعي يلمس مدى الحضور الذي حققه العمل خارج الحدود المصرية والعربية أيضًا، خاصة وأن العمل نال اهتمام وسائل إعلام غير عربية تناولته بالتحليل.
تبقى  الانتقادات الغيورة على الفن المصري محل اعتبار وتقدير، ويبقى الاتجاه إلى مثل هذه الأعمال خطوة أولى في طريق طويل يجب أن نسعى إلى استكماله وتشجيعه وتقويمه، لتعود القوى الناعمة المصرية إلى مكانتها التي احتلت الصدارة على مدار سنوات طويلة عن جدارة واستحقاق.

شارك