من بلوشستان إلى باجور.. خريطة الإرهاب تتمدد في باكستان

الأربعاء 02/يوليو/2025 - 06:57 م
طباعة من بلوشستان إلى باجور.. محمد شعت
 

في حلقة جديدة من مسلسل العنف الدموي، شهدت منطقة باجور بإقليم خيبر بختونخوا هجومًا إرهابيًا استهدف مركبة حكومية، وأدى إلى مقتل خمسة أشخاص، بينهم كبار المسؤولين الأمنيين. الحادث، الذي وقع يوم الأربعاء، ليس معزولًا، بل يأتي ضمن سلسلة متصاعدة من الهجمات التي تعصف بالمناطق الحدودية في باكستان، وسط تساؤلات متجددة حول جاهزية الدولة في مواجهة خطر الإرهاب المتجدد.

 

الانفجار، الذي نفذته جهات لم تعلن عن نفسها بعد، استُخدم فيه جهاز تفجير عن بُعد، واستهدف مركبة تقل مساعد مفوض نواغاي فيصل إسماعيل، ما أدى إلى مقتله إلى جانب تحصيدار عبد الوكيل، واثنين من رجال الشرطة، وأحد المدنيين المارة. كما أسفر الهجوم عن إصابة 11 آخرين، بينهم خمسة من عناصر الأمن. وقد سارعت قوات الشرطة إلى تطويق المنطقة، وبدأت تحقيقات موسعة، وسط ترجيحات أمنية بضلوع "جماعة الخوارج المحظورة" في الهجوم.

 

ورغم أن حادث باجور يثير الصدمة، إلا أنه لا يُعد استثناءً في مشهد أمني بات مألوفًا في المناطق الحدودية. ففي أبريل الماضي، قُتل ما لا يقل عن سبعة جنود في هجوم انتحاري استهدف قافلة عسكرية في وزيرستان الشمالية، في هجوم تبنته جماعة "تحريك طالبان باكستان". وفي يونيو الماضي، فقد 13 جنديًا حياتهمعندما استُهدفت مركبتهم بعبوة ناسفة في نفس الإقليم، في حادثة وصفتها قيادة الجيش بأنها من بين أكثر الهجمات دموية في الأشهر الأخيرة.

 

وتشير هذه العمليات إلى تحول نوعي في تكتيكات الجماعات المسلحة، إذ باتت تركز على استهداف المسؤولين الأمنيين والمؤسسات الرسمية، مما يكشف عن مستوى عالٍ من التخطيط الاستخباراتي والقدرة على الرصد والتنفيذ. وهذا يعيد للأذهان ما حدث في يوليو 2023، عندما أسفر تفجير خلال مؤتمر انتخابي لحزب "جمعية علماء الإسلام" في باجور نفسها عن مقتل أكثر من 60 شخصًا، في واحد من أكثر الهجمات دموية خلال العقد الأخير.

 

ورغم التصريحات الرسمية المتكررة عن "عدم التساهل مع الإرهاب"، إلا أن تكرار هذه الهجمات وامتدادها الجغرافي – من خيبر بختونخوا إلى بلوشستان – يثير القلق بشأن الثغرات الأمنية القائمة، وخاصة على مستوى التنسيق بين أجهزة الاستخبارات وتنفيذ العمليات الاستباقية. تصريحات وزير الداخلية محسن نقفي عقب تفجير باجور، والتي اتهم فيها "فتنة الهندوستان" بدعم الجماعات الإرهابية، تكشف عن توجه باكستاني متزايد لربط التصعيد الأمني بالدور الهندي، وهو اتهام يتكرر بعد كل حادث دموي، دون أن يقترن بخطوات دبلوماسية واضحة لعرض الأدلة أو تصعيد الملف دوليًا.

 

سياسيًا، كانت الإدانات واسعة، من الرئيس آصف زرداري إلى رئيس الوزراء شهباز شريف، الذين جددا التزام الدولة بمحاربة الإرهاب، لكن الخطاب الرسمي لم يعد كافيًا في نظر كثير من المواطنين، الذين يتساءلون عن نتائج التحقيقات السابقة، ومستوى المحاسبة داخل الأجهزة الأمنية بعد كل خرق كارثي من هذا النوع.

 

ورأى مراقبون الموجة الجديدة من الهجمات تعكس انتعاش نشاط الجماعات المسلحة في المناطق القبلية، بدفع من ضعف السيطرة الحكومية وتراجع مستوى التنسيق بين الوحدات الاستخباراتية". ويضيف: "هناك حاجة ملحة لتحديث آليات العمل الاستخباراتي، وتوسيع شبكة المراقبة، خاصة في المناطق المتاخمة لأفغانستان، التي عادت لتشكل بيئة آمنة للمتشددين منذ عودة طالبان إلى الحكم".

 

ورغم الجهود المتواصلة لتحسين القدرات التكنولوجية في مكافحة الإرهاب، مثل إدخال تقنيات مضادة للطائرات المسيّرة واستخدام كاميرات المراقبة المتقدمة، إلا أن الهجمات الإرهابية في باكستان ما زالت تُنفذ بكفاءة، ما يؤشر إلى وجود شبكات دعم داخلية لم يتم تفكيكها بعد، سواء لوجستيًا أو فكريًا.

 

 

شارك