طرابلس... هل تنجح خطة نزع السلاح أم تنزلق العاصمة إلى جحيم الإرهاب من جديد؟

الخميس 03/يوليو/2025 - 01:24 م
طباعة طرابلس... هل تنجح أميرة الشريف
 
تشهد العاصمة الليبية طرابلس مرحلة جديدة من محاولات إعادة ترتيب المشهد الأمني، في ظل واقع معقد تسيطر عليه الفوضى والسلاح، حيث أعلنت لجنة أمنية وعسكرية تابعة للمجلس الرئاسي الليبي عن بدء تنفيذ خطة وُصفت بالشاملة والطموحة، تهدف إلى إخلاء العاصمة من المظاهر المسلحة، وإعادة فرض سلطة الدولة، وسط تساؤلات واسعة عن فرص نجاح هذه المبادرة في ظل التشابكات السياسية والأمنية التي تحيط بالعاصمة، وتاريخ طويل من الصراع بين المجموعات المسلحة.
اللجنة المؤقتة للترتيبات الأمنية والعسكرية، التي يرأسها محمد المنفي، بدأت خطواتها الفعلية بعد أشهر من المشاورات والاجتماعات، وأعلنت أنها باشرت تنفيذ المرحلة الأولى من خطتها، والتي تهدف إلى إعادة ضبط الأمن في طرابلس عبر سحب المسلحين والآليات العسكرية من الشوارع، وإنهاء حالة الفوضى التي خلفتها الاشتباكات المسلحة الأخيرة، والتي تسببت في مقتل وإصابة العشرات، فضلاً عن إحداث دمار واسع في الممتلكات العامة والخاصة. 
وأكدت اللجنة أنها شرعت في إعادة المقرات الحكومية والعسكرية التي تم اقتحامها أو السيطرة عليها من قبل التشكيلات المسلحة، وبدأت في إطلاق سراح عدد من المحتجزين خلال المواجهات، على أن يتواصل العمل للإفراج عن باقي المحتجزين في الأيام المقبلة.
 كما تتضمن الخطة نشر نقاط أمنية جديدة عند مداخل المدينة الرئيسية، وعلى تقاطعات الطرق الهامة، بالتنسيق بين وزارتي الداخلية والدفاع، من خلال تشكيل غرفة عمليات موحدة تجمع بين مديرية أمن طرابلس والشرطة العسكرية، لضمان السيطرة على الوضع الأمني في المدينة.
 لم تكتف الخطة بهذه الإجراءات، بل أقرت تشكيل قوة دعم خاصة أُطلق عليها اسم "قوة إسناد مديرية أمن طرابلس"، تتكون من عناصر مختارة من عدة أجهزة عسكرية وأمنية، من بينها "لواء 52 مشاة"، و"لواء 444 قتال"، وجهازي الردع والأمن العام، بالإضافة إلى جهاز دعم المديريات.
 ويضم كل مكون من هذه التشكيلات نحو 80 عنصراً معززين بخمس آليات مجهزة، على أن تباشر هذه القوة مهامها لمدة ثلاثة أشهر من مقرها في منطقة عين زارة جنوب شرق العاصمة، مع إمكانية تقييم عملها وتمديد مهمتها عند الحاجة، حيث تتولى هذه القوة مهام التدخل السريع ودعم الأجهزة الأمنية النظامية عند الحاجة، في محاولة لضبط الأوضاع ومنع تجدد الاشتباكات.
غير أن هذه الخطة، وعلى الرغم من تفاصيلها الدقيقة، تواجه عقبات جمة، إذ يُدرك المراقبون أن سحب السلاح من طرابلس لا يتعلق بقرار رسمي أو إجراء أمني فحسب، بل يرتبط بعمق معقد للمشهد الليبي، حيث المجموعات المسلحة ليست مجرد تشكيلات عسكرية طارئة، بل هي كيانات متغلغلة داخل بنية الدولة، ومتصلة مباشرة بمراكز القوى السياسية والاقتصادية. 
و تسيطر هذه المجموعات على مفاصل الأمن والاقتصاد وحتى القرار السياسي، ولها امتدادات داخل مؤسسات الدولة نفسها، وهو ما يعقد أي مسار حقيقي نحو إخلاء العاصمة من السلاح.
وما يضاعف من صعوبة تنفيذ الخطة هو تزامنها مع أحداث أمنية متصاعدة، إذ شهدت مدينة صرمان، الواقعة غرب طرابلس، هجوماً مسلحاً استهدف مقار أمنية، أسفر عن مقتل أحد عناصر الشرطة، إضافة إلى حرق سيارات تابعة للمخابرات، في مؤشر خطير على اتساع رقعة الفوضى، وامتدادها إلى مدن الغرب الليبي. 
كما شهدت مدينة الزاوية احتجاجات عنيفة، شملت إغلاق الطرق الرئيسية، للمطالبة بالإفراج عن معتقلين سياسيين، وإسقاط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في ظل اتهامات للحكومة بالفشل في ضبط الأوضاع الأمنية، والتغاضي عن تجاوزات المجموعات المسلحة الموالية لها.
وفي موازاة هذه التحركات، تحاول البعثة الأممية إلى ليبيا الدفع باتجاه تهدئة الأوضاع، حيث ناقش ممثلوها مع مسؤولين في حكومة الدبيبة ووزارة الدفاع سبل ترسيخ وقف إطلاق النار، وإعادة دمج المقاتلين السابقين ضمن برامج إصلاح القطاع الأمني، في إطار خطط أممية معلنة منذ سنوات، لكنها لم تحرز تقدماً ملموساً حتى الآن. غير أن التحركات الأممية تبدو بطيئة مقارنة بحجم التعقيدات في المشهد الليبي، خاصة مع استمرار الانقسام السياسي بين حكومتين متنافستين، وانعدام الثقة بين الأطراف المسلحة.
على الصعيد الدولي، تتابع أوروبا بقلق التطورات في طرابلس، إذ أعلن سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، نيكولا أورلاندو، أن قائد عملية "إيريني" الأوروبية، المكلفة بمراقبة حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، قدم إحاطة لسفراء الاتحاد الأوروبي حول التحديات التي تواجه العملية، مشدداً على أهمية دورها في منع تهريب السلاح والنفط، ودعم خفر السواحل الليبي.
 لكن رغم هذه الجهود، يبدو أن المجتمع الدولي عاجز عن التأثير الفعلي في معادلة القوة داخل العاصمة، حيث يتركز النفوذ الحقيقي في أيدي قادة المجموعات المسلحة.
ويري مراقبون أنه في ظل هذا المشهد، تبدو الخطة الأمنية الجديدة للمجلس الرئاسي أقرب إلى محاولة ترحيل الأزمة بدلاً من حلها، فالمشكلة لا تتعلق فقط بوجود السلاح، بل بحقيقة أن المجموعات المسلحة باتت جزءاً من معادلة الحكم، ومن الصعب تفكيكها دون عملية سياسية شاملة تتضمن توافقاً على آليات إعادة بناء الدولة الليبية بالكامل. ويبقى نجاح الخطة رهناً بمدى جدية الأطراف المتصارعة في إنهاء النفوذ المسلح، وهو أمر يبدو بعيد المنال في الوقت الراهن، ما يعني أن طرابلس مرشحة لمزيد من جولات الفوضى، وربما اشتباكات أكثر دموية خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة.
ويشير مراقبون ألي أن بينما تتحدث الخطة عن إعادة هيبة الدولة، فإن واقع الحال يشير إلى أن الدولة الليبية نفسها بحاجة أولاً إلى إعادة هيكلة شاملة، قبل أن تتمكن من فرض سيادتها على العاصمة، أو سحب السلاح من شوارعها. وكل المؤشرات حتى الآن تقول إن الأزمة الليبية لا تزال تراوح مكانها، مع بقاء طرابلس عالقة في حلقة مفرغة من العنف والتسويات المؤقتة، التي لا تلبث أن تنهار مع أول شرارة نزاع جديد.

شارك