150 سنة على الوجود الكلداني في لبنان ...مطالبون بالصلاة والعمل معاً
الثلاثاء 28/أكتوبر/2025 - 01:28 م
طباعة
روبير الفارس
بمناسبة اختتام العام اليوبيلي الذي يسجل مرور 150 سنة على الوجود الكلداني في لبنان، وعيد شفيع الرعية رئيس الملائكة رافائيل.ترأس رئيس الطائفة الكلدانية في لبنان المطران ميشال قصارجي، قداسا احتفاليا برعاية رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، في كاتدرائية الملاك رافائيل في بعبدا - برازيليا - شارع بيار الحلو، بدعوة من ابرشية بيروت الكلدانية،
حضر القداس وزير الدفاع ميشال منسى ممثلا رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء نواف سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري، كما حضر السفير البابوي في لبنان بابلو بورجيا، نواب ووزراء حاليون وسابقون.
بعد الانحيل المقدس، القى المطران قصارجي عظة قال فيها:
"اليوم، نجتمع في رحاب هذا المقام المبارك، قلبِ الكنيسة الكلدانية في لبنان، لنرفع أكفَّ الضراعة شاكرين الله على مئةٍ وخمسين سنة من الحضور الكلداني في لبنان. هو حضورٌ ملؤه الإيمانُ، والصبرُ، والمحبةُ، والوفاءُ للعهد الإلهيِ.
لقد جاء آباؤنا، من بلاد ما بين النهرين، حاملين معهم لغة المسيح، وعَبْقَ الروحانية المشرقية، وعراقة الإيمان الذي توارثوه من أجدادهم في أور ونينوى وبلاد ما بين النهرين. لقد وطئِت أقدامُهم هذه الأرض الطيبة، ليزرعوا جذور المحبة والرحمة وسط جبال لبنان وأنهاره وسهوله. وما أجمل أن نذكر اليوم أنَّ هذا اليوبيلَ ليس مجردَ احتفالٍ تاريخيٍ، بل هو مرآةٌ للرحمة الإلهية، ونبراسٌ للرجاء، ومناسبةٌ للتأمُّل في الرسالة التي نحملها ككلدان في هذا الوطن العريق".
اضاف: "في هذا اليوم المجيد، تتجلى أمامنا صورةُ رئيس الملائكة رافائيل، الذي أرسله الله ليكون مرشدًا للطرق، وشفاءً للأرواح والقلوب، وحاميًا للشعب المؤمن. على ما ورد في كتاب طوبيا، فقد سار رافائيلُ مع الشاب طوبيا في رحلةٍ مليئةٍ بالمخاطر، فحماهُ وأرشده وشفى والده الأعمى (طوبيا 3:17 / 6:11). هذه القصّة، احبّتي، ليست مجرَّد سردٍ قديمٍ، بل هي درسٌ حيٌّ لنا في كيفية السَّير مع الله في رحلتنا اليومية، وفي كيفية أن تكون يدُ الله الشافيةُ مرئيّةً من خلال أولئك الذين نرسلهم للخير. رافائيلُ، بهذا الدور الإلهي، يعلّمنا أن الله حاضرٌ في كل محنةٍ، وأنه يدعونا لنكون شركاءَ في شفاء العالم من خلال عمل الرحمة والمحبة".
وتابع: "إن حضور الكلدان التاريخي في لبنان كان أكثرَ من مجردِ إقامةٍ على أرضٍ، إنما هو رسالةٌ حيّةٌ للحياة والرجاء. لقد واجه آباؤنا مصاعبَ الجوع والحروب والنزوح، لكنَّهم لم يتركوا إيمانهم، بل جعلوه نورًا يضيء في الظلمات. هذا ما يشيرُ اليه افرام السرياني القائل: "حيثما يختلط الألم بالصلاة، ينزل نورُ السماء ليشفي النفوس ويقودَ الأرواحَ".من خلال مدارسنا، وكنائسنا، ومؤسساتنا الصحيّة والاجتماعيّة الخيريّة، تمكّنا من غرس بذور النور والشفاء في المجتمع اللبناني وبين الإخوة العراقيين والسوريين الكلدان اللاجئين، لنكون بذلك مثالاً حيّاً على أن الكنيسةَ ليست مجرّد مكان للعبادة، بل هي قوّة تبني القلوب وتُغذّي الأرواح".
واشار الى أنَّ "المجتمع الكلداني في لبنان قد ساهم أيَّ مساهمةٍ في رفع مداميك الحضارة والتطوّر والنموّ في المجتمع اللبناني الحبيب، وقدّم للوطن عبر التاريخ، كوكبةً وضّاءةً لامعةً من رجال العلم والعمل، من مهندسين ومحامين وأطباء وأساتذةِ جامعات ورجال اعمالٍ شاركوا جميعاً في نهضة هذه البلاد التي احببناها وتُحبّنا".
وقال: "لن ننسى أن نذكر في هذا السياق، سحابةً نيّرةً من الشهداء الذين استشهدوا في ساحاتِ الوغى، دفاعاً عن كرامةِ لبنانَ واستقلاله وذوداً عن حدوده وصيانةً لسيادته".
وتوجه الى المصلين قائلا: " لبنانُ هو الأرضُ التي اجتمعت فيها الشعوبُ والدياناتُ، وهو يحتاج إلى أُناسٍ يكونون مصابيحَ للسلام، والعدل، والمحبة. ونحن ممتنّون لوجود ممثل فخامة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بيننا اليوم معالي وزير الدفاع اللبناني اللواء الركن ميشال منسى ليكون شاهدًا على التعاون الوثيق القائم في وطننا بين الكنيسة والدولة، ولحمايةِ لبنان كأرضٍ للسلام والوحدة. لبنان بحاجة إلى حضور الكلدان، كأداة نورانية، ترفع القلوب المرهقة، وتغرس الأمل في النفوس المتعبة، كما يزرع الله الأمل في الافئدة المطمَئنّة إليه. لقد غرس آباؤنا في لبنان قيم المواطنة والعِلم والعَمل والإيمان، فكانت مؤسساتنا ونشاطاتُنا معاقلَ للمعرفة والروحانية.
على ما يرى مار نرساي القائل: "الذي يمشي في نور المسيح يصبح نورًا للآخرين".إنها دعوةٌ لكل فرد وكل عائلة وكل مؤسسة كنسية: لنكن نورًا يضيء في العتمة، شفاءً للجرحى، رجاءً للمحتاجين، ومثالًا حياً على محبة الله الفاعلة في العالم. في عالم مليءٍ بالقلوب الجريحة، والفقر، والنزاعات، نحن مدعوون لنكون رُسُل الشفاء، مثل رافائيل الملاك".
والى الرئيس عون قال: "عهدُك الميمونُ حاملٌ للأمل والرجاء وواعدٌ بنهضةٍ طال انتظارها طويلاً، تطالُ الحجرَ والبشر. إنَّ أسس السلام التي تضعون أركانها وتَصُفُّون حجارتها وترصِفون مداميكها بجرأةٍ وبلا وَجَلِ، لهي بشائرُ الفرح والازدهار واستشرافٌ لقيام دولة المؤسسات والعدالة والمساواةِ والمحاسبة الحقّة... وذلك في كافة القطاعات وعلى مختلف المستويات وفي غير مكانٍ. لأجل ذلك، فإنَّ أبناء كنيستنا يندفعون بقلبٍ واثقٍ للانخراط في مؤسسات الدولة والالتحاق بصفوف الجيش، إذ يرَون في شخصكم الكريم انبلاجَ فجرٍ جديدٍ واعدٍ يُنبىء بغدٍ مشرقٍ زاهرٍ".
اضاف: "وفي هذا المحور، لا بُدَّ لنا ان نطالب امامكم، ونحن مدركون لمدى اهتمامكم بكافة شرائح المجتمع اللبناني ذي النسيج المتعدّد الألوان، بإنصاف الطوائف المسماةِ "أقليّات" إن في التمثيل النيابي أم في المناصب الوزارية ووظائف الدرجة الأولى".
وتابع: "نحن مطالبون بالصلاة والعمل معاً، كي تبقى الكنيسةُ الكلدانيةُ وتحت مظلّة الدولة اللبنانية، قوةً للسلام، وسراجاً يضيء الظلمات، وحاميةً للكرامة الإنسانية. إن التزامنا بواجبنا الوطني وبالإيمان، وبعملنا الخيري، يعكس الإيمان الذي لا يضعف أمام الصعاب، والمحبةَ التي تتجاوز الحدود، والرجاء الذي لا يموت أبدًا. فلنرفع اليوم صلواتنا شاكرين، متوسلين لشفاعات سيدة الوردية ورئيس الملائكةِ القديسِ رافائيل وجميع القديسين، لكي يرافقوا أبرشيتنا، ويباركوا لبنان، ويغمروا قلوبنا بالسلام، والشفاء، والرجاء الذي لا ينقطع. كما يقول المزمور: "باركي يا نفسي الربَّ، ولا تنسَي كل مُعجزاته. هو يغفرُ جميع آثامك، يشفي جميع أمراضك، ويكللك بمحبة ورحمة» (مزمور 102:2-4). نهنىء في هذه المناسبة حاملي اسم الملاك رافائيل من الإكليريكيين والعلمانيين ولا سيّما صاحب الغبطة والنيافة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو الكليّ الطوبى والمونسنيور رافائيل طرابلسي والشماس رافائيل كوبلي ونترحّم على روح المثلث الرحمة البطريرك مار روفائيل بيداويد ونسأل الله ن يُجزل علينا بركاته بشفاعته.!
يا ربَّ السماوات والأرض، يا شافي النفوس والأجساد، نسألك أن تبارك أبرشيّتنا الكلدانيّة في لبنان، أن تحمي هذا الوطن وتغمُره بالسلام، وأن تجعلنا رُسلاً لنورك، وأدواتٍ للشفاء، ومصادرَ رجاءٍ لكُل مَن حولنا. آمين" .
وختم المطران قصارجي شاكرا للوزير منسى تمثيله رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، محييا جميع الشخصيات الروحيّة والنيابية والوزارية والعسكرية والدبلوماسية والأدارية والحزبيّة والاعلاميّة والعاملة في ميدان الخدمة العامّة.
تذكر الاحصائيات ان عدد الكلدان في لبنان حوالي 20,000 (يشمل ذلك المواطنين ذوي الأصل الكلداني والوافدين واللاجئين جزء من العدد يضم عائلات عراقية نازحة ولاجئة (بعثات وبيانات أممية وأمريكية تشير إلى وجود آلاف العراقيين المسجّلين لدى هيئات الحماية في لبنان خلال السنوات الأخيرة؛ لكن ليس كل العراقيين كلدان، ولا تظهر بيانات اللاجئين تمييزًا دائمًا بحسب الطائفة الكلدانية). لذلك تُشير تقديرات الجمعيات الكلدانية إلى أن أعداد الكلدان قد تتقلب بفعل موجات هجرة وطلب لجوء أو إعادة توطين
والمكوّن الكلداني يتركز تاريخيًا في بيروت ومحيطها (يوجد كاتدرائية/رعية رئيسية تُعرَف باسم كاتدرائية القديس رافائيل وأبرشية كالدانية في بيروت). توجد أيضًا تجمعات وأسر في مناطق مثل جدّيدة، زحلة وبعض أحياء بيروت
