واشنطن تكثف ضرباتها في شمال شرق الصومال لتقويض "داعش" وتعزيز الشراكة الأمنية مع مقديشو
الخميس 30/أكتوبر/2025 - 03:27 م
طباعة
ضربات أمريكية
محمود البتاكوشي
تشهد الساحة الصومالية تصعيدًا لافتًا في وتيرة الضربات الجوية الأمريكية ضد تنظيم "داعش" في شمال شرق البلاد، في خطوة تعكس تحولًا استراتيجيًا في أولويات واشنطن الأمنية في القرن الأفريقي، فقد نفذت قيادة القوات الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم" غارتين دقيقتين يومي 24 و26 أكتوبر 2025، استهدفتا مواقع للتنظيم في جبال علمِسكاد بولاية بونتلاند، على بعد نحو 85 كيلومترًا جنوب شرق مدينة بوصاصو الساحلية، التي تعد المعقل الأبرز لفرع "داعش الصومال".
تأتي هذه العمليات في إطار تنسيق متزايد بين واشنطن والحكومة الصومالية، ضمن مقاربة جديدة تركز على استهداف مراكز الثقل الجغرافي للتنظيم في المناطق الجبلية النائية.
ويبدو أن هذا التحرك يعكس إدراكًا أمريكيا بأن خطر "داعش الصومال" لا يكمن في حجمه الحالي، بل في قدرته على البقاء وإعادة التموضع داخل تضاريس وعرة تمنحه ميزة تكتيكية أمام القوات المحلية.
تقويض تنظيم داعش
ووفق بيان "أفريكوم"، نفذت الغارتان بعد جمع معلومات استخباراتية دقيقة بالتعاون مع شركاء دوليين وصوماليين، بهدف منع التنظيم من توسيع نفوذه وتهديد المصالح الأمريكية والإقليمية.
وتعد هذه الضربات الثانية خلال أسبوع واحد، ما يشير إلى تصاعد التنسيق العملياتي مع سلطات بونتلاند التي تطالب منذ أشهر بتوسيع نطاق الدعم العسكري الدولي لمواجهة تنظيمي "داعش" و"الشباب" المرتبط بـ"القاعدة".
منذ ظهوره عام 2015 إثر انشقاق فصيل من حركة الشباب، احتفظ "داعش الصومال" بوجود محدود لكنه ثابت في سلاسل جبال غوليس وعلمِسكاد، مستفيدًا من الطبيعة الجبلية المعقدة التي تحد من فعالية العمليات البرية، ورغم تراجع قدراته الميدانية، يواصل التنظيم تنفيذ هجمات مباغتة وعمليات ابتزاز للتجار والسكان، مما يبقيه مصدر تهديد للأمن المحلي والإقليمي.
وبحسب الخبراء والمراقبون تمثل هذه الضربات "خطوة فعالة" للحد من قدرة التنظيم على إعادة تنظيم صفوفه، إذ تستهدف مراكز القيادة والتجمعات الرئيسية، لكنها لا تكفي لإنهائه تمامًا في ظل استغلاله للطبيعة الوعرة في بونتلاند.
وأكد الخبراء أن تعزيز التعاون الاستخباراتي بين واشنطن ومقديشو يسهم في إضعاف حرية حركة عناصر التنظيم، لكنه يتطلب تمكينًا أكبر للقوات الصومالية لتثبيت المكاسب على الأرض.
في السياق ذاته، يعتبر استمرار الضغط الجوي بالتوازي مع عمليات بونتلاند الميدانية قد يدفع التنظيم إلى الانكماش ضمن خلايا صغيرة متناثرة، ما يقلل من قدرته على شن هجمات منظمة أو السيطرة على أراضٍ ثابتة، كما حذر الخبراء من أن بقاء هذه الخلايا يضمن استمرار التهديد في شكل حرب استنزاف طويلة الأمد، ما لم تُدعَم العمليات العسكرية بجهود فكرية وتنموية تقلص بيئة التطرف.
تصاعد النشاط العسكري الأمريكي
وتكشف الإحصاءات عن تصاعد واضح في النشاط العسكري الأمريكي داخل الصومال، إذ تجاوز عدد الغارات الجوية 86 ضربة منذ مطلع العام، متجاوزًا الرقم القياسي المسجل في عهد الرئيس دونالد ترامب عام 2019 (63 ضربة)، بينما شهدت ولاية الرئيس جو بايدن انخفاضًا نسبيًا (51 ضربة في أربع سنوات).
تؤشر هذه الأرقام إلى أن واشنطن تعيد ضبط أولوياتها في منطقة القرن الأفريقي، مستهدفة التمدد المزدوج لتنظيمي "داعش" و"الشباب" عبر مزيج من الدعم الاستخباراتي والاستهداف الجوي عالي الدقة، مع رهان طويل المدى على بناء قدرات الأمن الصومالي لضمان الاستقرار، بهذا، تتحول الضربات الجوية من مجرد رد فعل إلى أداة رئيسية في استراتيجية أمريكية أوسع لاحتواء الإرهاب في واحدة من أكثر مناطق القارة هشاشة.
