الساحل الإفريقي يهدد أمن إسبانيا.. فوضى عابرة للحدود وصراع على شرعية الدولة

الجمعة 31/أكتوبر/2025 - 09:54 ص
طباعة الساحل الإفريقي يهدد الساحل الإفريقي يهدد أمن إسبانيا.. فوضى عابرة للحدود وصراع ع محمود البتاكوشي
 
تشهد منطقة الساحل الإفريقي واحدة من أعقد الأزمات المتشابكة في العالم، إذ تتقاطع فيها دوائر الفقر والنزاعات المسلحة والتطرف، لتنتج بيئة مضطربة تهدد الأمن الإقليمي والدولي على حد سواء، فضعف البنى الاقتصادية، وتراكم الديون، وتدهور مؤسسات الحكم، وانتشار الفساد، كلها عوامل دفعت الدول الهشة في المنطقة إلى حافة الانهيار، وجعلتها ساحة مفتوحة أمام التنظيمات الإرهابية وشبكات التهريب والجريمة المنظمة.

أزمة مركبة وفوضى ممتدة


خلال السنوات الأخيرة، تحولت منطقة الساحل إلى نموذج للفشل البنيوي في إدارة الأمن والتنمية، إذ باتت مساحات شاسعة من أراضي مالي وبوركينا فاسو والنيجر خارج سيطرة الحكومات المركزية، هذا الفراغ الأمني أتاح لتنظيمي القاعدة وداعش التمدد عبر الحدود، وتثبيت نفوذهما بين المجتمعات المحلية من خلال استغلال السخط الشعبي على الأنظمة، مستفيدين من هشاشة الجيوش وضعف الخدمات العامة وتراجع الثقة في مؤسسات الدولة.

وفي هذا السياق، برزت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، فرع تنظيم القاعدة في الساحل، كالقوة الإرهابية الأكثر نفوذًا، إذ تتحكم في جزء واسع من شمال مالي وتمتد عملياتها إلى بوركينا فاسو والنيجر، وقد نفذت الجماعة خلال عام 2024 نحو 83% من الهجمات الإرهابية المسجلة في المنطقة، مستخدمة أساليب متطورة مثل الطائرات المسيّرة والعبوات الناسفة. 
وتكمن خطورتها في سعيها للتحول إلى كيان شبه سياسي، من خلال عقد اتفاقات محلية مع زعماء قبائل لكسب دعم اجتماعي يشرعن وجودها.

تصعيد إرهابي في النيجر ونيجيريا

أما تنظيم داعش في الصحراء الكبرى وولاية غرب إفريقيا، فقد صعد من هجماته في النيجر ونيجيريا خلال 2025، مستهدفًا المدنيين والميليشيات المحلية لتوسيع نفوذه وربط فروعه ضمن شبكة موحدة. 
وتشير التقديرات إلى ارتفاع عدد مقاتليه من 8 آلاف إلى أكثر من 12 ألفًا، مع إدخال الطائرات المسيرة إلى ميدان القتال للمرة الأولى في أواخر 2024.

تصاعد العنف واتساع رقعة السيطرة

شهد شهر أغسطس 2025 وحده أكثر من 90 هجومًا في إقليم الساحل الغربي أسفرت عن 339 قتيلًا، معظمهم في مالي وبوركينا فاسو، كما نفذت الجماعات المتطرفة عمليات نوعية ضد مواقع عسكرية ومنشآت اقتصادية، كان أبرزها الهجوم الذي شنّه نحو 600 مقاتل على بلدة فوتوري في شمال بوركينا فاسو، بالتوازي مع كمائن ضد قوافل للجيش. 
في مالي، استهدفت الهجمات مواقع صناعية أجنبية، ما يشير إلى تحول إستراتيجي نحو ضرب المصالح الاقتصادية بغرض الضغط السياسي والتمويل الذاتي.
يجري هذا التصاعد في العمليات الإرهابية وسط تنافس محموم بين القاعدة وداعش للسيطرة على الممرات الحدودية وطرق الإمداد التي تشكل شرايين اقتصادية وعسكرية حيوية، ومع استمرار هذا الصراع، تتفاقم هشاشة الدولة، وتتسع رقعة الفراغ الأمني لتتحول إلى ممرات مفتوحة للهجرة غير الشرعية نحو شمال إفريقيا، ومنها إلى السواحل الأوروبية.

الارتدادات الإقليمية والدولية

 يتجاوز خطر الإرهاب حدود غرب إفريقيا، إذ يمتد إلى شرق القارة ووسطها. ففي الصومال، تواصل حركة الشباب – ذراع القاعدة هناك – حربها ضد الحكومة منذ أكثر من عقدين، مستندة إلى تمويل ضخم يقدر بأكثر من 200 مليون دولار سنويًا من الضرائب غير القانونية والابتزاز، أما في الكونغو الديمقراطية وموزمبيق، فتتحرك فروع داعش ضمن تحالفات محلية مع متمردين، ما تسبب في تعطيل مشاريع الطاقة الكبرى وزيادة الاضطراب الإقليمي.
هذا التمدد الإرهابي لا يهدد فقط استقرار القارة، بل ينعكس مباشرة على الأمن الأوروبي، خاصة مع سعي الجماعات المتطرفة إلى السيطرة على الحدود الجنوبية لأوروبا وتحويلها إلى معابر غير نظامية نحو إسبانيا، التي تمثل البوابة الأوسع للمهاجرين القادمين من إفريقيا.

شارك