الانتهاكات الحقوقية تضع "طالبان" في مرمى الإدانات الأممية
شنت الولايات المتحدة الأمريكية هجوماً حاداً على حركة طالبان، مؤكدة مسؤوليتها المباشرة عن المصاعب والمعاناة التي يتحملها الشعب الأفغاني. جاء ذلك خلال اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي عُقد يوم الأربعاء لمناقشة الوضع في أفغانستان، حيث تم تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان الموثقة رسمياً.
وقالت جينيفر لوكتا، نائبة سفير الولايات المتحدة لدى الأمم
المتحدة، إن أفغانستان تعيش أزمة إنسانية وإنسانية واسعة النطاق بسبب السياسات
التي تبنتها سلطة الأمر الواقع منذ أغسطس 2021. وأشارت لوكتا إلى أن المشاكل تشمل
انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وتفاقم الفقر والبطالة، إلى جانب محدودية وصول
السكان إلى الخدمات الأساسية.
اللافت في التصريح الأمريكي كان التركيز على القيود "غير
المعقولة" والممنهجة المفروضة على حقوق المرأة، والتي تشكل أحد أبرز مظاهر
التراجع في البلاد. هذه القيود لم تقتصر على التعليم والعمل فحسب، بل طالت حرية
الحركة والحياة العامة بشكل كامل، ما أدى إلى تهميش نصف المجتمع الأفغاني.
إقصاء المرأة
تصريحات لوكتا جاءت متوافقة مع تقارير عديدة أصدرتها بعثة الأمم
المتحدة للمساعدة في أفغانستان (يوناما) ومكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق
الإنسان. هذه التقارير وثّقت بشكل ممنهج مجموعة من الانتهاكات التي ترقى في بعض
الأحيان إلى مستوى "الفصل الجنساني" أو الأبارتهايد بحق النساء
والفتيات.
منذ سيطرة طالبان على كابول، صدرت عشرات المراسيم التي تستهدف
النساء والفتيات بشكل مباشر. أبرزها حظر التعليم الثانوي والعالي والعمل في غالبية
القطاعات، سواء الحكومية أو الخاصة أو في المنظمات الإنسانية والإغاثية الدولية.
هذه القرارات حوّلت ملايين النساء إلى عاطلات عن العمل ومنعتهن من المشاركة في
الحياة المدنية والاقتصادية.
كما رصدت الأمم المتحدة حالات متزايدة من التمييز في الحياة
العامة، شملت فرض قواعد صارمة على اللباس العام للفتيات والنساء وإجبارهن على
ارتداء الحجاب الشامل أو البرقع، بالإضافة إلى منعهن من السفر لمسافات طويلة دون
محرم. هذه القيود عمقت عزلة النساء وحرمتهن من التواصل الاجتماعي والوصول إلى
الخدمات.
إضافة إلى القيود على المرأة، وثّقت الأمم المتحدة انتهاكات جسيمة
لحقوق الأفراد المرتبطين بالحكومة والقوات الأمنية السابقة، رغم إعلان سلطات الأمر
الواقع عن عفو عام. شملت هذه الانتهاكات القتل خارج نطاق القانون، والاحتجاز
التعسفي، والتعذيب، والاختفاء القسري، ما يعكس حالة من الإفلات من العقاب وانعدام
المساءلة.
كما رصدت التقارير الأممية حالات من العقوبات البدنية على الملأ،
شملت الجلد والرجم في بعض الحالات، والتي تصنفها المنظمات الدولية بأنها
"تعذيب" أو غيرها من ضروب المعاملة السيئة. وقد وثقت يوناما أحكاماً
بعقوبة الجلد نفذت بحق مئات الأشخاص من الرجال والنساء والأطفال في الميادين
العامة، في تحدٍ صارخ للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
استهداف الصحفيين والمجتمع
المدني
لم يسلم من هذه الانتهاكات أيضاً قطاع الإعلام والمجتمع المدني.
وثقت المنظمات الدولية تضييق الخناق على حرية التعبير والإعلام، حيث يواجه
الصحفيون الترهيب والاعتقال والرقابة المستمرة. هذه الممارسات تقلص من مساحة
النقاش العام وتُقصي المواطنين عن المشاركة في صنع القرار، وتُصعّب على المؤسسات
الإعلامية نقل الحقيقة.
كما استهدفت طالبان المدافعين عن حقوق الإنسان، خاصة المدافعات،
بالاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري. هذه الانتهاكات الممنهجة تخلق بيئة من الخوف
والصمت، حيث يصبح التعبير عن الرأي أو المطالبة بالحقوق محفوفاً بالمخاطر القاتلة.
عرقلة العمل الأممي
أكدت لوكتا في مجلس الأمن أن حركة طالبان تُظهر "عدم
مبالاة" برفاهية الشعب الأفغاني، مشيرة إلى أن هذا التجاهل هو ما يُعرقل بشكل
رئيسي جهود المجتمع الدولي لدعم البلاد. وأضافت أن طالبان تتعمد تجاهل الاحتياجات
الأساسية للشعب، وتضع العراقيل أمام عمل بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان
(يوناما).
هذه الممارسات، بحسب الدبلوماسي الأمريكي، تثبت أن الحركة لا تُبدي
رغبة تُذكر في الوفاء بالتزاماتها الدولية الأساسية، خاصة فيما يتعلق بمكافحة
الإرهاب وضمان عدم تحول أفغانستان إلى ملاذ آمن للجماعات المتطرفة.
الاقتصاد الأفغاني يواصل الانهيار، حيث لا تزال الأصول المصرفية
للدولة مجمّدة جزئياً، في ظل غياب اعتراف دولي رسمي. هذا الوضع الاقتصادي يضاعف من
معاناة ملايين الأسر التي تعيش على حافة المجاعة، بينما ترفض طالبان التعاون
بشفافية مع آليات المساعدات.
وقد استغل الممثل الأمريكي المنصة الدولية لتوجيه اتهام مباشر
لطالبان بمواصلة ممارسة "دبلوماسية الرهائن"، من خلال احتجاز مواطنين
أجانب أو مزدوجي الجنسية ظلماً واستخدامهم كأوراق تفاوض سياسية. كما اتهمت واشنطن
الحركة بعدم المشاركة في مفاوضات عملية الدوحة بحسن نية.
تشكيك دولي في جدوى التعاون
شددت لوكتا على أن المساعدات والشراكات الدولية في أفغانستان لم
تكن مثمرة بالقدر الكافي حتى الآن، محذرة مجلس الأمن من ضرورة أن يكون
"متشككاً" في حركة طالبان عند اتخاذ أي قرار بخصوص مستقبل ولاية بعثة
الأمم المتحدة.
هذا التشكيك مبرر بوقائع عرقلة عمل المنظمات الإنسانية، بما في ذلك
فرض قيود صارمة على طاقم الإغاثة النسائي، وهو ما يعرض حياة ملايين الأفغان للخطر
ويحول دون وصول المساعدات الحيوية للفئات الأكثر ضعفاً.
ودعت الولايات المتحدة إلى ضرورة أن تتكيف جميع البعثات السياسية
الخاصة، بما في ذلك بعثة يوناما، مع الظروف المتغيرة. هذا يعني عملياً أن المجلس
يجب أن يكون مستعداً لمراجعة ولاية البعثة إذا حال سلوك طالبان دون قيام يوناما
بمهامها الإنسانية والسياسية الأساسية.
وأضاف الممثل الأمريكي أن التركيز المستقبلي للمجتمع الدولي يجب أن
ينصب على القضايا الأساسية للسلام والأمن، مع وضع معايير واضحة وقابلة للتحقيق
لقياس التقدم في مجال حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب.
وفي ختام كلمتها، شددت لوكتا على أن مجلس الأمن يجب أن ينتقد حركة
طالبان بوضوح لعدم إحرازها أي تقدم في التزاماتها، والتوقف عن سياساتها المدمرة
التي لا تُبالي برفاهية الشعب الأفغاني، والذي يجد نفسه اليوم رهينة لصراع سياسي
وإيديولوجي لا يرى نهاية لمعاناته. إن المجتمع الدولي مُطالب بضمان أن تكون حماية
المواطنين الأبرياء وضمان إطلاق سراح المحتجزين ظلماً أولوية قصوى.
