عن :القاعدة وداعش.. وايران

الأحد 21/ديسمبر/2014 - 07:15 م
طباعة
 
في واحدة من رسائل  أبو محمد العدناني المتحدث الرسمي باسم داعش، والتي وجهها لـ "ايمن الظواهري" زعيم تنظيم القاعدة "الام"-في غمار المواجهات الاعلامية بينهما- كشف عن أبعاد العلاقات تاريخية بين القاعدة والنظام الايراني.. جاء في رسالة العدناني للظواهري إن "داعش" ظلت ملتزمة بنصائح وتوجيهات شيوخ الجهاد ولم تضرب ايران "الروافض" منذ نشأتها، وتركتهم آمنين في ايران، امتثالاً لأمر القاعدة للحفاظ على مصالحها وخطوط إمدادها في ايران".. نعم الرسالة جاءت في سياق الخلافات المتصاعدة بين القاعدة وداعش، ولكنها اثبتت صحة المعلومات والآراء التي أشارت، لوجود علاقات وتفاهمات، ودعم ومساندة من النظام الايراني "الشيعي" لتنظيم القاعدة "السني" وذلك في سعي النظام الايراني للقيام بدور رئيسي في الصراعات في المنطقة لزيادة نفوذها، واستخدام الاطراف المتنازعة في مناطق الصراع كأوراق ضغط مفيدة في تعاملها مع الولايات المتحدة..
علاقات طهران بالقاعدة بدأت منذ العام 2001، عقب نزوح المجاهدين وقيادات القاعدة من افغانستان بعد سقوط كابول وبمساعدة الحرس الثوري الايراني الذي آمن مخرج لعناصر القاعدة لدخول العراق أو البقاء في المناطق الحدودية بين افغانستان وباكستان ويتواجد في ايران حتى الان قيادات تاريخية للقاعدة مثل سيف العدل المسئول الامني والاستخباراتي الاول للتنظيم، وكان صهر اسامة بن لادن والمتحدث الاعلامي للقاعدة سليمان ابو غيث مقيما في طهران، قبل تسليمه حيث يخضع للمحاكم حاليا في الولايات المتحدة، كذلك يتواجد من قيادات القاعدة السوري عز الدين خليل، والكويتي محسن الفضيلي وعادل راضي وكان محمد الظواهري – شقيق ايمن – مقيما في طهران قبل عودته لمصر في ظل حكم المخلوع مرسي.
وايضا محمد شقيق خالد الاسلامبولي، قاتل السادات، وعائلة اسامة بن لادن ما زالت مقيمة في طهران، كذلك صالح القرعاوي مؤسس كتائب عبدالله عزام، ويذكر في هذا السياق ايضا ان الحكومة الامريكية قد فرضت عقوبات على شركات ايرانية ثبت تورطها في نقل اسلحة ومسلحين إلى سوريا.
وماذا عن علاقات داعش ذاتها بإيران؟
في ميادين القتال المفتوحة على الساحة السوية، رغم اختلاط الاوراق وتوقدها والمواجهات المسلحة الضيقة التي شهدها النصف الاول من العام الحالي بين ميليشيات داعش وميليشيات اسلامية سنية، مثل جبهة النصرة وتحالف الجبهة الاسلامية (جماعات سنية)، إلا أنه لم تقع اي مواجهة بين داعش وحزب الله (الشيعي).. ويذكر انه سبق ان تم العثور مع عناصر من ميليشيات داعش على خطوط هواتف ايرانية، وجوازات سفر ووثائق هوية ايرانية، خاصة مع العناصر الجهادية التي وصلت إلى سوريا عن طريق ايران.
وماذا عن ايران؟... دائما ما اعتمدت السياسة الإيرانية تجاه دول المنطقة وخاصة دول الخليج وسوريا ولبنان [وكذا "حماس" الفلسطينية] على الدعم المادي واللوجستي لدول وقوى وجماعات ومذهبيات ،" وذلك بهدف توسيع نفوذها وتقوية دورها كدولة اقليمية محورية، واستخدام ذلك في الدفاع عن مصالحها وخلافتها مع القوى الاقليمية الاخرى والولايات المتحدة، وحرصت ما امكنها على تجنب التدخل والتواجد المسافر والمباشر في صراعات المنطقة، رغم انها دائما كانت حاضرة ولاعباً رئيسا في تلك الصراعات، الموقف الايراني كان ينطلق من حسابات بعضها تاريخي متراكم، وذلك على خلفية مذهبية وقومية ما زالت في الذاكرة العربية والفارسية على السواء.
السياسة الايرانية كانت ماهرة في التسلل الهادئ – غير المباشر – لخلق نفوذ ايراني اقليمي.. في سوريا حرصت على دعم نظام الاسد الاب والابن – وعندما استدعى الامر مزيد من الدعم امام المخاطر التي يتعرض لها نظام بشار، ارسلت مليشيات "عربية شيعة" من حزب الله، ولواء "ابوالفضل العباس"، و"عصائب أهل الحق" .. وهي تنظيمات مسلحة تقاتل مع قوات الاسد.. هذا بالطبع بالإضافة للدعم المالي والاقتصادي والمعدات العسكرية التي ترسلها لبشار.
وفي العراق كان غير خفي الدور الايراني في دعم النظام الطائفي "حكومة المالكي"، للحقيقة تم بتفاهم امريكي ايراني، وسعت ايران لتعظيم دور شيعة العراق في السيطرة على مقدرات العراق، مضاف المصالح والدور الايراني في المنطقة.
وكذلك الوضع في الحالة اللبنانية، بدعم حزب الله الشيعي، بما يحقق مصالح ايران ويبقى نفوذها كدولة اقليمية كبرى.. وحتى مع حماس "السنية"، وبرغم المد والجذر الذي يطرأ على علاقات ايران بحماس، تظل طهران حريصة على التواصل مع حماس، لاستخدامها أيضا كورقة ضغط في تعاملاتها الاقليمية والدولية.
بهذه الاستراتيجية ظلت ايران دائما حاضرة في المشهد الاقليمي، ونجحت – لحد كبير – في توظيفه لصالح اهدافها ومصالحها.. لكن مع تدهور الاوضاع في العراق في الشهور الاخيرة، وفشل الحليف "المالكي" في السيطرة على العراق، ويتنامى داعش، واستخدامها – هي الاخرى – للورقة المذهبية بتجييش "السنة" ضد سياسات المالكي الطائفية بجدارة، وانفتاح الفضاء العراقي، وبالتبعية السوري، على كل الاحتمالات، ومنها التشدد المذهبي والممارسات الانتقامية التي ارتكبتها "داعش" تجاه شيعة العراق وكافة المذاهب والاديان الاخرى، وتلويحها بنيتها في التدخل في الشأن اللبناني في مواجهة حزب الله، وتهديدها لدول الخليج والاردن واليمن والسعودية، كل ذلك قد يجبر ايران على خيار، حرصت على تجنبه سابقاً، وهو التدخل المباشر لنصرة شيعة العراق مثلاً، ومع استمرار تورطها "دعمها غير المباشر" لنظام الاسد في سوريا، ولحزب الله اللبناني، بما يمثله ذلك من استنزاف ومواجهة مباشرة مع قوى اقليمية ودولية، الاغلب انه سيكون في غير صالحها، وسيلحق الاذى والضرر بمصالحها وقد يمتد بظلاله القاتمة على الداخل الايراني، المأزوم وغير المهيأ لتلك الخطوة.. "داعش" تعرف المصاعب الداخلية والاقليمية والدولية التي ستخلق لإيران في حال انتقالها لسياسة التدخل المباشر – خاصة في العراق – لذا تسعى لاستفزازها وجرها للتورط المباشر في المستنقع العراقي، على الاقل، ووقتها سيكون من مصلحة داعش، وهي بالأساس تلعب بالورقة المذهبية العشائرية ، ان يكون الصراع سافراً بين الشيعة والسنة، بين العرب والفرس". 

شارك