هل تُفجر "براجماتية النهضة التونسية" الحركة الإخوانية من الداخل؟

الخميس 08/يناير/2015 - 02:27 م
طباعة هل تُفجر براجماتية
 
قرر راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية إبعاد الحبيب اللوز عضو المكتب التنفيذي ومجلس شورى حركة النهضة التونسية، ومستشار الغنوشي بعد أن رفض الالتزام بقرارات مجلس شورى الحركة المتعلق بالتزام الحياد في الدور الثاني من الاستحقاق الرئاسي بين "المرزوقي- السبسي" خلال اجتماع حضره عدد كبير من قيادات النهضة، وعمد إلى خرقه، مما دفع الغنوشي إلى عدم استقبال الحبيب اللوز في مكتبه بحي "مون بليزير" الراقي بتونس العاصمة بل ومنعه من دخول المكتب رغم أنه يُعد واحدا من فريق المستشارين الذين أحاط الغنوشي نفسه بهم.
قرار الغنوشي يكشف أن قواعد التوازنات داخل حركة النهضة الإسلامية بدأت تتغير، وتؤشر على أن حركة النهضة تواجه "زمزم" على الطريقة التونسية وسيكشف عنها المؤتمر العاشر للحركة الذي سيكون أكثر سخونة من الصيف الذي سيعقد فيه.
هل تُفجر براجماتية
 وكشف خليل الرقيق المُحلل السياسي التونسي، عن أن إعفاء الحبيب اللوز من منصبه كمستشار لراشد الغنوشي، قد يكون مُقدمة لـ"تنظيف" حركة النهضة الإسلامية من بعض العناصر المُتشددة، وبالتالي محاصرة نفوذ جناح الصقور، والحد من تأثيره على الخط السياسي للحركة وعلى قاعدتها الشعبية التي أبدت في وقت سابق نوعا من التمرد على قرارات مجلس الشورى، وأن إعفاء الحبيب اللوز من مهامه، وإبعاده من طاقم مستشاري الغنوشي، الخطوة الأولى التي ستُحدث تصدعا في جسم حركة النهضة الإسلامية، لن يتوقف إلا بانشقاقات لافتة تهز أركان هذه الحركة مستقبلا.
 واعتبر أن هذا الإجراء الذي ترافق مع قرار آخر يتعلق بتجميد عضوية الحبيب اللوز في المكتب التنفيذي للحركة يعني إبعاد القيادات والعناصر التي قد تُشكل عائقا أمام تنفيذ الأجندة السياسية الجديدة التي يريد الغنوشي من خلالها الظهور في صورة رجل الاعتدال الحريص على التوافق، علّه بذلك ينزع عن حركته رداء التشدد، وينأى بها عن جماعة الإخوان المسلمين التي صُنفت إرهابية في عدد من الدول العربية.
ومما يؤكد على تنامي حالة التصدع داخل الحركة الإخوانية ما أعلنه حمادي الجبالي، رئيس الوزراء التونسي الأسبق والأمين العام السابق لحركة النهضة الإسلامية التونسية أثناء الانتخابات الرئاسية، بالانسحاب من الحركة الإخوانية، وتحذيره من أن البلاد أمام تحديات جسام ومخاطر ردة داخلية وخارجية وضعت التونسيين على المحك مجددا، وأمام امتحان: إما مواصلة النضال لإنجاز حلقات هذه الثورة السلمية على طريق صعب وطويل، وإما تخاذل واستسلام يفضي إلى انتكاسة، والعودة بشعبنا إلى منظومة الاستبداد والفساد، ونتيجتها حتما ضياع الأمل عند شبابنا خاصة. والالتجاء إلى حلول اليأس والعنف والتطرف والإرهاب.
 منتقدا براجماتية جماعة الإخوان بالادعاء بالتمسك بمنهج الثورة السلمي المتدرج "درءا لمفسدة أعتبرها كارثية على تونس والمنطقة والعالم، وأن هذا الموقف والموقع والذي لا أكلف به إلا نفسي، أجد صعوبة بالغة في الوفاء به ضمن إطار تنظيم حركة النهضة اليوم.. وتجنبا لكل خصومات ومشاحنات تضعف صف المناضلين وتذهب بالود والعلاقات الطيبة مع كل إخواني قيادة وصفا، وبعد فترة تأمل، قررت الانسحاب من تنظيم الحركة لأتفرغ إلى مهمة أعتبرها مركزية، وهي الدفاع عن الحريات على طريق مواصلة الانتصار إلى القيم التي قامت من أجلها الثورة وعلى رأسها احترام وإنفاذ دستور تونس الجديدة."
 خطوة الجبالي- وهو شخصية كبيرة- تؤكد على حجم الانقسام في حركة النهضة بعد الانتكاسات السياسية والانتخابية لها خلال الأشهر الماضية وتؤشر إلى إمكانية انبثاق تجربة سياسية إسلامية جديدة، وتؤكد عليه أن الحركة عرفت الانشقاق منذ أن كانت تسمى «الجماعة الإسلامية» في السبعينيات من القرن الماضي عندما انشق أحميدة النيفر ومجموعة أخرى وكونوا تيار الإسلاميين التقدميين.
هل تُفجر براجماتية
وما أعلن عنه عبد الفتاح مورو أحد مؤسسي حركة النهضة في تونس عام 2011م، عن أنه بصدد إجراء مشاورات لتشكيل حزب سياسي جديد وذلك غداة "استبعاده وثلاثة قياديين آخرين" من الحركة الإخوانية، وأن مشاورات تجري لإنشاء حزب سياسي وسطي إسلامي تونسي سيكون أكثر انفتاحًا من النهضة على خلفية احترام الشخصية التونسية، كما يعرفها الدستور واحترام الحريات الأساسية بما فيها حرية المعتقد.
وشن هجوما شرسا على الغنوشي: "على راشد الغنوشي مغادرة النهضة؛ لأنه يحمل الحزب والبلاد نحو الهاوية"، ولذلك فهم سيغادرون قريباً الحكم، وأنه نصح الجبالي- رئيس الوزراء وقتها والمستقيل من حركة النهضة - بتكوين حكومة كفاءات غير متحزبة من أجل إنقاذ البلاد، ولذلك فأنا من بين الشخصيات التي تكوّن "لجنة الحكماء" لتقديم المشورة لرئيس الحكومة.
وشدد على أنه المؤسس الأول للحركة قبل الغنوشي، الذي قال "إنه التحق بصفة متأخرة بالتنظيم، وإنه سعى منذ سنوات إلى جذب الحركة نحو الحداثة، وأن الغنوشي أصبح شخصاً مكروهاً لدى قطاع واسع من التونسيين، الذين حمّلوه مسئولية اغتيال اليساري شكري بلعيد وحوّل الحركة إلى نادٍ عائلي، وهو المسئول عن حماية "المتشددين" الذين يجاهرون بعدائهم لكل من يخالفهم الرأي، بل ويدعون إلى إقصائه.
هل تُفجر براجماتية
 تصرفات الغنوشي "البراجماتية " تخفي سيطرة واسعة لما يمكن أن نطلق عليه صقور "الشرعية التاريخية" والدينية للحركة وهم تيار متشدد يعتبر منهج الإخوان المسلمين هو الخيار الوحيد للحركة، ويرى في أدبيات حسن البنا وسيد قطب ويوسف القرضاوي روافد أساسية للمرجعية الأيديولوجية للحركة، فيما تبدو أدبيات الفقهاء التونسيين مثل محمد الطاهر بن عاشور هامشية وغير ذات أهمية. 
وينشط صقور النهضة وفق منهج البيعة لرئيس الحركة راشد الغنوشي وهي بيعة لا يمكن خلعها ولا الخروج عنها؛ لأنها تلزمهم بطاعة الشيخ الذي يعد الأب الروحي للجناح الإخواني، منه يستمدون مشروعيتهم ونفوذهم، ومنه يستلهمون أفكارهم ومواقفهم. 
ويهيمن التيار الإخواني المتشدد على مؤسسات الحركة سواء مجلس الشورى أو المكتب السياسي وتربطهم علاقات وثيقة بالكوادر الوسطى للحركة وهي كوادر نشيطة ذات تكوين عقائدي يكاد يكون سلفيا. 
وتمارس الكوادر الوسطى ذات المستوى التعليمي المحدود ضغوطا كبيرة على الحركة؛ نظرا لكونها تحتكر نشاط الحركة على الأرض، داخل المدن والأحياء الشعبية والجهات الداخلية، فهي الامتداد التنظيمي لمؤسسات الحركة، وهي أيضا ذخيرة التنظيم السري الذي يرفض التفاوض أو التنازل عن الخلفية الأيديولوجية والعقائدية.
وخلال السنوات الثلاث الأخيرة شكلت الكوادر الوسطى ذراعا ميدانية قوية بيد الصقور؛ حيث تم استخدامها لمواجهة الأحزاب العلمانية، ومنعت تلك الكوادر أكثر من شخصية سياسية من عقد اجتماعات بأنصارها في الأحياء الشعبية وفي الجهات الداخلية التي تعد معاقل الإسلاميين. 
هل تُفجر براجماتية
ظاهرة التباين والصراعات داخل الحركة الإخوانية التونسية تمثل تغييرا نوعيا في مجال تصدير الحركة لصراعاتها الداخلية نحو الخارج؛ ففي الوقت الذي يعلن فيه راشد الغنوشي، عن قبوله مبادرات التوافق الوطنية  نجد أعضاء بمجلس شورى الحركة المكون من قرابة 70 عضوا- وكانوا يحملون حقائب وزارية في تشكيلة الحكومة المؤقتة السابقة- يرفضون مبادرات التوافق على اعتبار أنهم غير ملتزمين بموقف رئيس الحركة راشد الغنوشي، وأن قبوله لها موقف شخصي لا يمثل الحركة؛ مما يؤكد على أن هناك تجاذبا كبيرا داخل الحركة، وأن الصراع هو في تحقيق المعادلة بين مبادئ الحركة وممارسة الحكم وفي التباين الشديد بين موقفين من مسألة الشرعية وعلاقة الدين بالدولة والسياسة.
وهو ما يعني أنه قد لا يكون الانشقاق داخل الحركة في الأيام أو الشهور القريبة المقبلة، ولكن مؤشرات الانشقاق بصدد التبلور، وتزداد تشكلا بارتفاع منسوب الغضب داخل النهضة وقد يفاجئ الجبالي أو غيره راشد الغنوشي بتأسيس حزب سياسي مدني يجمع حمائم النهضة وقطاعات لا بأس بها من الشباب المتدين والمعتدل، الذي خيبت آماله الحركة في الانتخابات الأخيرة. 

شارك

موضوعات ذات صلة