المرأة والخطاب الوهابي.. ابن باز نموذجًا (2)

الإثنين 18/مايو/2015 - 05:12 م
طباعة المرأة والخطاب الوهابي.. حسام الحداد
 
كنا قد قدمنا في الجزء الأول من "الخطاب الوهابي.. ابن باز نموذجًا" عقيدة الولاء والبراء والتي يستند إليها هذا الخطاب لتكفير الآخر والبراءة منه، وبالتالي استحلال ماله ودمه وعرضه، وكذا موقف هذا الخطاب من الحكام بعدم الخروج عليهم والسمع والطاعة لهم، مما يؤدي هذا الموقف إلى استكانة الشعوب وصبرها على القهر والاستبداد ومعاداة فكرة الثورة، بحكم أنها حسب هذا الخطاب، وكذلك عرضنا لموقف هذا الخطاب من المذاهب السياسية، وأنها حسب هذا الخطاب مذاهب كفرية، ويدخل ضمن دائرة الكفر والشرك بالله حسب هذا الخطاب الاحتفال بالمناسبات الدينية.
وسوف نعرض في هذا الجزء من قراءة الخطاب الوهابي موقف هذا الخطاب من المرأة، وبعد ذلك سوف نعرض الموقف من الآخر سواء كان هذا الآخر دينيًّا أو مذهبيًّا، وكذلك الموقف من الحكم والأحزاب السياسية.
في البداية .. لماذا الخطاب الوهابي وليس السلفي؟ والإجابة ببساطة أننا حين نقول الخطاب الوهابي.. إنما نعني به حزمة من المفاهيم والأدوات المستخدمة في النظر إلى النص الديني وإلى الواقع يعبر عنها بخطاب لغوي أو بسلوكيات وردود أفعال وتعامل وطريقة في الحياة، تلك مجموعة من الأدوات والمفاهيم والإجراءات ينسبها أصحابها إلى "السلف"، بينما ننسبها إلى الوهابية، حيث إن مصطلح "السلف" لا يخلو من أشكال مهمة، لأن لكل طائفة من المسلمين "سلفا" تنتمي إليه، وترى أنه "سلفها الصالح"، ولكل طائفة رجالها وعلماؤها ومحدثوها ومروياتها ومنهجها في القبول والرد، وكل يزعم أنه على الحق، وأنه منتسب للصحابة الكرام، فهم "أسلاف" إذن وليسوا سلفًا واحدًا.

المرأة في الخطاب الوهابي

المرأة في الخطاب
من أكثر الخطابات الدينية تشددًا تجاه المرأة هو الخطاب الوهابي، فقد اتخذ موقفًا أكثر تشددًا من الخطاب السلفي بداية من أحمد بن حنبل وصولًا لابن تيمية، فقد تجاوز محمد بن عبد الوهاب بحكم بيئته النجدية المتشددة في عاداتها وتقاليدها تجاه المرأة فقد أصبغ الدين بعادات نجد وتقاليدها، مما جعله أكثر تشددًا من غيره في هذه القضية، ثم جاء ابن باز وأكمل مشوار شيخه في التشدد تجاه المرأة، وقد رفعوا من شأن المرويات التي تؤسس لدونية المرأة، مثل: المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان، ناقصات عقل ودين، يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار، ما أفلح قوم ولوا شئونهم امرأة،.. إلى آخره، تلك المرويات التي تتعارض بشكل صارخ مع "القرآن" الذي كرم في آياته المرأة ورفع من شأنها، فقد حول الخطاب الوهابي "القرآن" من نص أساسي ومحوري يدور حوله الفقه والأحكام إلى نص ثانوي واستبدلوا به تلك المرويات ظنية الثبوت، والتي تساعدهم على التوظيف الايديولوجي والسياسي في صراعهم مع المختلفين معهم، ليس هذا فقط بل اصبح الفقه على يد هؤلاء في صدارة المشهد وتم تقديس آراء العلماء واشخاصهم وان تعارض ما يقولونه مع "القرآن".
وللشيخ ابن باز في موضوع المرأة فتاوى كثيرة تتماهى مع ما قدمناه، ومن بين تلك الفتاوى والآراء تحريمه لاختلاط البنين والبنات في مدارس المرحلة الابتدائية حيث يقول في مجموع الفتاوى ج 5 ص 227 / 243 "وبكل حال فاختلاط البنين والبنات في المراحل الابتدائية منكر لا يجوز فعله لما يترتب عليه من أنواع الشرور. وقد جاءت الشريعة الكاملة بوجوب سد الذرائع المفضية إلى الشرك والمعاصي وقد دل على ذلك دلائل كثيرة من الآيات والأحاديث، وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه "إعلام الموقعين" منها تسعة وتسعين دليلا" ويستطرد ابن باز"، فمن واجب النصح والتذكير أن أنبه على أمر لا ينبغي السكوت عليه بل يجب الحذر منه والابتعاد عنه وهو الاختلاط الحاصل من بعض الجهلة في بعض الأماكن والقرى مع غير المحارم لا يرون بذلك بأسا بحجة أن هذا عادة آبائهم وأجدادهم وأن نياتهم طيبة فتجد المرأة مثلا تجلس مع أخي زوجها أو زوج أختها أو مع أبناء عمها ونحوهم من الأقارب بدون تحجب وبدون مبالاة. 
ومن المعلوم أن احتجاب المرأة المسلمة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها أمر واجب دل على وجوبه الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح.. أن رأس المرأة وشعرها وعنقها ونحرها ووجهها مما يجب عليها ستره عن كل من ليس بمحرم لها وأن كشفه لغير المحارم حرام.. وإذا تأملنا السفور وكشف المرأة وجهها للرجال الأجانب وجدناه
يشتمل على مفاسد كثيرة منها الفتنة التي تحصل بمظهر وجهها وهي من كبر دواعي الشر والفساد ومنها زوال الحياء عن المرأة وافتتان الرجال بها. فبهذا يتبين أنه يحرم على المرأة أن تكشف وجهها بحضور الرجال الأجانب ويحرم عليها كشف صدرها أو نحرها أو ذراعيها أو ساقيها ونحو ذلك من جسمها بحضور الرجال الأجانب، وكذا يحرم عليها الخلوة بغير محارمها من الرجال، وكذا الاختلاط بغير المحارم من غير تستر، فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه والتجول سافرة لم يحصل منها حياء ولا خجل من مزاحمة الرجال، وفي ذلك فتنة كبيرة وفساد عظيم." وهكذا يقرر ابن باز حبس المرأة داخل بيتها أو داخل حجابها فلا يجوز لها الظهور ولا المناقشة ولا الاختلاط ولا التعامل الا مع زوجها والذي يعتبرها شيطان حينما تقبل أو تدبر وناقصة عقل ودين وانها كالحمار والكلب وانه لا يجوز مشورتها ولا الأخذ برأيها في أمر من الأمور، فكيف رغم كل هذا يأمن لها ان تربي أبناءه وان ترعى شئون بيتها؟ انها ازدواجية الفكر الوهابي في التعامل مع المرأة انه يحافظ عليها في المنزل لا لشيء سوى اللذة الجنسية ويحيك كل الخطط ويؤول النصوص من اجل هذا فعقد النكاح كما في كتبهم هو "عقد امتلاك بضع" !! وتناسى هذا الخطاب تماما الآيات التي تقول "هن لباس لكم وانتم لباس لهن" وغيرها من الآيات. وينطلق ابن باز من رفضه الاختلاط وفرضه حبس المرأة في البيت أو في الحجاب واستكمالا لقهرها والتسيّد والاستبداد عليها إلى رفض عمل المرأة وتحريمه لأنه يؤدي إلى الاختلاط فيقول في مجموع الفتاوى ج 5 ص 425 / 432 " فإن الدعوة إلى نزول المرأة للعمل في ميدان الرجال المؤدي إلى الاختلاط سواء كان ذلك على جهة التصريح أو التلويح بحجة أن ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة أمر خطير جدا له تبعاته الخطيرة، وثمراته المرة، وعواقبه الوخيمة، رغم مصادمته للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها والقيام بالأعمال التي تخصها في بيتها ونحوه.. وإخراج المرأة من بيتها الذي هو مملكتها ومنطلقها الحيوي في هذه الحياة إخراج لها عما تقتضيه فطرتها وطبيعتها التي جبلها الله عليها.
فالدعوة إلى نزول المرأة في الميادين التي تخص الرجال أمر خطير على المجتمع الإسلامي، ومن أعظم آثاره الاختلاط الذي يعتبر من أعظم وسائل الزنا الذي يفتك بالمجتمع ويهدم قيمه وأخلاقه.. والاختلاط كفيل بالوقوع في هذه المحاذير، كيف يحصل للمرأة المسلمة أن تغض بصرها وهي تسير مع الرجل الأجنبي جنباً إلى جنب بحجة أنها تشاركه في الأعمال أو تساويه في جميع ما تقوم به؟ 
والإسلام حرم جميع الوسائل والذرائع الموصلة إلى الأمور المحرمة، وكذلك حرم الإسلام على النساء خضوعهن بالقول للرجال لكونه يفضي إلى الطمع فيهن كما في قوله عز وجل: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}( ) يعني مرض الشهوة. فكيف يمكن التحفظ من ذلك مع الاختلاط؟
ومن البدهي أنها إذا نزلت إلى ميدان الرجال لا بد أن تكلمهم وأن يكلموها، ولا بد أن ترقق لهم الكلام وأن يرققوا لها الكلام، والشيطان من وراء ذلك يزين ويحسن ويدعو إلى الفاحشة حتى يقعوا فريسة له، والله حكيم عليم حيث أمر المرأة بالحجاب، وما ذاك إلا لأن الناس فيهم البر والفاجر والطاهر والعاهر فالحجاب يمنع- بإذن الله- من الفتنة ويحجز دواعيها، وتحصل به طهارة قلوب الرجال والنساء، والبعد عن مظان التهمة"
كل هذا وغيره الكثير من فتاوى ورؤى وخطابات ورسائل أقل ما توصف به انها دعوة للحرب على المرأة والعداء لها وكأن هذه المرأة لم تكن راوية حديث نتعلم منها نصف ديننا كالسيدة عائشة وان هذه المرأة لم تكن السيدة خديجة بنت خويلد والتي أنفقت مالها ووقتها في الحفاظ على الدعوة الإسلامية والصد عنها وكأن هذه المرأة لم تكن تلك التي دافعت عن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد ونورد هنا قصة تلك المرأة المجاهدة لعل المدافعين عن هذا الخطاب الوهابي والملتزمين به يعلمون ان المرأة مساوية للرجل وان لها نفس الحقوق وعليها نفس الواجبات.
هي أم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول، شهدت ليلة العقبة، وشهدت أُحداً، والحديبية، ويوم حُنين، ويوم اليمامة، وجاهدت وفعلت الأفاعيل ..
روى لها أحاديث.. وهي أول مقاتلة في تاريخ الإسلام.. وقُطعت يدها في الجهاد ..
هي الزوجة الوفية التي تعرف حق زوجها.. هي الأم الرحيمة الرءوم .. هي القائمة الذاكرة لله جل وعلا..هي التي تدافع وتنافح عن النبي صلى الله عليه وسلم ..
شهدت أم عمارة عدة مشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع الخلفاء الراشدين من بعده.. شهدت أُحد والحديبية وخيبر وعمرة القضية والفتح وحُنين .. وكانت ممن شارك في حرب المرتدين في يوم اليمامة ..

في يوم أُحد.

في يوم أُحد.
خرجت الأسرة المؤمنة أم عمارة وولديها عبد الله وحبيب وزوجها، واندفع زوجها وأولادها يجاهدون في سبيل الله، بينما ذهبت أم عمارة تسقي العطشى وتضمد الجرحى، ولكن ظروف المعركة جعلتها تُقبل على مُحاربة المشركين، وتقف وقفة الأبطال تدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير هيابة ولا وجلة، وذلك عندما تفرق الناس من هول ما أصابهم في ذلك اليوم، عندها أخذت سيفا وترسا ووقفت بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم تقيه بنفسها ..
وبدأ القتال الدامي، بعد ترك الرماة لمواقعهم هابطين إلى الميدان، فاغتنم المشركون الفرصة وجاءوا من الخلف وهجموا على المسلمين وقتلوا عددا كبيرا منهم، ثم بحثوا عن النبي صلى الله عليه وسلم يريدون قتله ..
وهنا اجتمع عدد قليل من أصحاب الحبيب صلى الله عليه وسلم يدافعون عنه وكان على رأسهم أم عمارة رضي الله عنها ..
عن عمارة بن غزية قال: قالت أم عمارة: رأيتني، وانكشف الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما بقي إلا في نفير ما يتمون عشرة، وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذبّ عنه، والناس يمرون به منهزمين، ورآني ولا ترس معي، فرأى رجلا مولياً ومعه ترس، فقال: ألقِ ترسك إلى مَن يقاتل .. فألقاه فأخذته .. فجعلت أترس به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل ، لو كانوا رجالة مثلنا أصبناهم، إن شاء الله ..
فيُقبِل رجل على فرس فيضربني، وترَّستُ له، فلم يصنع شيئا وولى، فأضرب عرقوب فرسه فوقع على ظهره فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصيح: يا ابن أم عمارة، أمك .. أمك .. قالت: فعاونني عليه، حتى أوردته شَعوب ( أي حتى قتلته وهو اسم من أسماء الموت)
كان ضمرة بن سعيد المازني يحدث عن جدته، وكانت قد شهدت أُحداً، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان ..
عن الحارث بن عبد الله: سمعت عبد الله بن زيد بن عاصم يقول: شهدت أُحدا، فلما تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دنوت منه أنا وأمي نذب عنه، فقال صلى الله عليه وسلم: ابن أم عمارة ؟ قالت: نعم، قال: إرمِ، فرميت بين يديه رجلا بحجر، وهو على فرس، فأصبت عين الفرس .. فاضطرب الفرس، فوقع هو وصاحبه وجعلت أعلوه بالحجارة والنبي يبتسم .. ونظر إلى جرح أمي على عاتقها، فقال: أمك، اعصب جرحها، اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة ..
قلت: ما أبالي ما أصابني من الدنيا ..
وعادت من غزوة أحد تحمل آلام الجراح التي أصيبت بها.. وما هي إلا ليلة واحدة قضاها المجاهدون في ديارهم يداوون جراحهم وفي الصباح نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلى حمراء الأسد، قامت أم عمارة فشدت عليها ثيابها ولكنها ما استطاعت أن تخرج معهم لكثرة الدماء التي تنزف من جسدها الطاهر ..
وظلت سنة كاملة تعالج الجراح التي أصابتها في غزوة أحد ..
فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم لغزو بني قريظة كانت أم عمارة رضي الله عنها في هذه الغزوة المباركة ليعلم الكون كله أن الجراح التي أصابتها في غزوة أحد لم تضعف عزيمتها لأنها تستمد قوتها من إيمانها بالله عز وجل ..
ولما كان عام الحديبية خرجت أم عمارة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أرسل الحبيب صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه سفيرا إلى قريش ليؤكد لهم موقفه وأنه ما جاء لحرب أبدا وإنما جاء لأداء العمرة .. وإذا بقريش تحتبس عثمان، ولعلهم أرادوا أن يتشاوروا معه في الوضع الراهن، وطال الاحتباس، فشاع بين المسلمين أن عثمان قُتِل، فقام النبي صلى الله عليه وسلم ودعا أصحابه إلى بيعة الرضوان، فبايعوه على الموت، وكانت أم عمارة ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم لتنال الرضوان في بيعة الرضوان، فقد قال جل وعلا عن الذين حضروا تلك البيعة: " لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ."
ولما حلق النبي صلى الله عليه وسلم شعره تسابق أصحابه على شعره صلى الله عليه وسلم وفازت أم عمارة رضي الله عنها ببعض تلك الشعرات واحتفظت بها إلى آخر لحظة في حياتها ..
وعلى أرض خيبر شهدت أم عمارة وشاهدت فروسية أبطال المسلمين وفرسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف أعز الله نبيه وأهلك أعداءه، ثم عادت مع الجيش المنتصر إلى المدينة لتشهد عمرة القضية، وتدخل المسجد الحرام مع المؤمنين الموحدين
ولما سار الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى غزوة حُنين كانت أم عمارة رضي الله عنها معه تواصل مسيرتها في البذل والعطاء ..
وكانت أم عمارة رضي الله عنها قد ثبتت مع من ثبت في هذا الموقف العصيب، الذي لا يثبت فيه إلا أصحاب العقائد الراسخة، بل واستطاعت أن تقتل واحداً من فرسان المشركين لتختم رحلة جهادها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
ولقد ضربت أم عمارة رضي الله عنها المثل في كل المكارم، فكانت عابدة قانتة مجاهدة صابرة على قضاء الله عز وجل.. وعلى مقتل ولدها الحبيب " حبيب" الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى مسيلمة الكذاب، ومع أن الرسل لا تُقتَل، إلا أن مسيلمة غدر به وأمر بقتله ..
اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤدي رسالة إلى مسيلمة الكذاب يزجره فيها عن ضلاله وكذبه وغيه، ولم يرع مسيلمة حرمة الرسل، بل قبض عليه وأوثقه، فكان مسيلمة إذا قال له: أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ قال: نعم .. وإذا قال له: أتشهد أني رسول الله ؟ قال: أنا أصم لا أسمع .. فعل ذلك مراراً فقطَّعَهُ مسيلمة عضواً عضواً ومات شهيدا، وصعدت روحه إلى بارئها راضية مرضية ..
وانتشر خبر استشهاد حبيب رضي الله عنه، ولما بلغ أم عمارة قتل ابنها عاهدَت الله أن تموت دون مسيلمة أو تُقتَل
وتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راضٍ عنها وعن أولادها ..
بعد وفاة الحبيب صلى الله عليه وسلم ارتدت بعض قبائل العرب، فقام أبو بكر يرسل الجيوش ليحارب المرتدين ويردهم إلى دين الله عز وجل، فسارعت أم عمارة لتستأذن أبا بكر في الخروج مع الجيش إلى معركة اليمامة لتواصل مسيرتها في الجهاد ولكي تثأر لابنها حبيب من مسيلمة الكذاب ..
وانطلقت أم عمارة تشق الصفوف لتقاتل أعداء الله وكان عمرها قد زاد عن الستين، وظلت تضرب بسيفها في جيش المرتدين إلى أن أثلج الله صدرها بمقتل مسيلمة في معركة اليمامة فرأته مقتولا فسجدت شكراً لله جل وعلا، ونسيت كل الجراح التي لحقت بجسدها فقد جُرحَت في يوم اليمامة أحد عشر جُرحاً وقُطِعَت يدها ..
وعادت تلكم المجاهدة التي سطرت بجهادها سطوراً من النور على جبين التاريخ،، ولما عادت إلى المدينة كان أبو بكر رضي الله عنه يأتيها يسأل عنها ويطمئن عليها، فلقد كانت تحتل مكانة عالية في قلوب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وظلت هكذا حتى آخر لحظة من عمرها .. فأين ابن باز وخطابه الوهابي المتشدد المعادي للمرأة من سيدة كهذه سطر اسمها في التاريخ لأنها امرأة علمت ما عليها وقامت به، الم تكن تلك السيدة من سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، فلماذا لا يذكرها الخطاب الوهابي ويمتثل بها؟ 

شارك

موضوعات ذات صلة