صيحات التجديد الديني (20 )

الأحد 31/مايو/2015 - 05:21 م
طباعة
 
وإذا كان محمد عبده قد أصابه أذى كثيرًا من الرجعيين، وخاصة بعض شيوخ الأزهر المتزمتين الذى تجاسروا فوصفوا مفتى الديار المصرية بأنه كافر وأنه لايصوم ولا يصلى.. فما بالنا بما أصاب شيخ شاب عضو بهيئة كبار العلماء وتصدى بجسارة لفكرة الخلافة وللملك فؤاد الذى أرادها لنفسه؟ ( رضوان السيد – الإسلام المعاصر – ص 693 – وأيضا البرت حورانى – الفكر العربى فى عصر النهضة – ص 571 )، ما بالنا بالشيخ على عبد الرازق القاضى بمحكمة المنصورة الشرعية؟ هلل الشيخ الشاب شأنه شأن كل المستنيرين فى مصر بسقوط دولة الخلافة العثمانية، فكما جاءت الخلافة العثمانية فى تركيا سقطت فى تركيا، أتى إلى تركيا قائد عسكرى شاب ليسقط الخلافة وعمل على " علمنة الدولة والمجتمع والمؤسسات وكانت قناعاته كما يقول د.محمد كامل ضاهر "مطابقة تماما لقناعات محمد على عندما حكم مصر " [ المرجع السابق – ص 242 ] وبدأ أتاتورك بسلسلة من الإجراءات منحته تأييد المستنيرين المصريين فسن تشريعات مدنية علمانية وأعلن الفصل النهائى والفعلى بين السلطتين الدينية والمدنية، ثم أعلن إلغاء منصب الخلافة فى 3 مارس 1924، وأطاح بآخر الخلفاء وأخضع كل المؤسسات الدينية لسلطة الدولة المدنية، وحتى الحروف العربية التى كانت تكتب بها اللغة التركية تركها واستخدم الحروف اللاتينية، ولاشك أن حدثا كهذا أحدث زلزالا فكريا وسياسيا ومجتمعيا فى بلدان عديدة " فالغرب اعتبرها قفزة هائلة وإن كانت بعض القوى الامبريالية تفضل التعامل مع دولة فاسدة وضعيفة وعاجزة، أما المثقفون المصريون والعرب فقد ترددت أصداء استحسانهم وابتهاجهم بهذه الخطوة، لكن شيوخاً عديدين استنكروا إلغاء الخلافة باعتبارها فريضة إسلامية فى رأيهم". 
[ لدراسة هذه التداعيات راجع . 316[H.Gibb –wither islam-London(1832 ] 
وسجل الليبراليون المصريون ابتهاجهم بالحدث فى مقالات عدة لعل أبرزها مقالات لنقولا حداد وعزيز ميرهم ومجلة المقتطف التى نشرت صورة أتاتورك على كامل غلافها واصفة إياه بأنه " أكبر زعماء العصر " مؤكدة تأييدها لفصل الدين عن الدولة، واعتبار أن الدين أمر شخصى بين المرء وخالقه، وأن الحكومة نظام مدنى يعنى بمصالح الناس ولاشأن له بالسيطرة على ضمائرهم وعقائدهم". [ المقتطف – ابريل 1926 ] ولم يكن أتاتورك يقفز من فراغ فقد كانت شعوب دولة الخلافة العثمانية تموج بموجات من الاستنارة ورفض فكرة الخلافة " كانت هناك كتابات الطهطاوى والكواكبى ومحمد عبده واليازجى والبستانى ولطفى السيد وشبلى شميل وفرح أنطون وعشرات غيرهم تهز بكتاباتها عرش الخلافة " [ خالد زيادة – ظهور المثقف العربى – دراسة " قراءة فى أعمال شرابى والعدوى والجابرى – مجلة الاجتهاد – العدد الخامس (1989) – ص 149 ] وكان أكثر من فزع من سقوط الخلافة هم عديد من شيوخ الأزهر، فبعد أربعة أيام من قرارات أتاتورك إجتمع بعض منهم وأصدروا بيانا أعلنوا فيه بطلان القرارات لأن " الخليفة قد بويع من المسلمين ولايمكن خلعه وأن قرار خلعه جاء من فئة قليلة ملحدة عديمة الأثر " وكتب وكيل الأزهر الشيخ محمد حسين مقالا جاء فيه "إذا لم يكن الخليفة قد تنحى بإرادته عن منصبه فإن بيعته تبقى فى الأعناق"، ثم دعا أهل الحل والعقد إلى المبادرة للنظر فى بيعة خليفة آخر " [ محمد محمد حسين – الاتجاهات الوطنية فى الأدب المعاصر – الجزء الثانى – ص 47 ] لكن منصب الخليفة أسال لعاب الملك فؤاد وتصور أنه بنفوذ مصر وموقعها وأزهرها يمكنه أن يبايع خليف، وبدأت الاستعدادات لعقد مؤتمر الخلافة وتحدد موعده، لكن الشيخ على عبد الرازق كان على وشك إصدار كتاب الاسلام وأصول الحكم. فلنواصل.

شارك