الخطاب الوهابي وتكفير نظم الحكم.. ابن باز نموذجًا (4)

الأربعاء 03/يونيو/2015 - 01:47 م
طباعة الخطاب الوهابي وتكفير
 
كنا قد قدمنا في الجزء الأول من "الخطاب الوهابي.. ابن باز نموذجًا" عقيدة الولاء والبراء والتي يستند إليها هذا الخطاب لتكفير الآخر والبراءة منه، وبالتالي استحلال ماله ودمه وعرضه، وكذا موقف هذا الخطاب من الحكام بعدم الخروج عليهم والسمع والطاعة لهم؛ ما يؤدي هذا الموقف إلى استكانة الشعوب وصبرها على القهر والاستبداد ومعاداة فكرة الثورة، وكذلك عرضنا لموقف هذا الخطاب من المذاهب السياسية، وأنها حسب هذا الخطاب مذاهب كفرية، ويدخل ضمن دائرة الكفر والشرك بالله حسب هذا الخطاب، الاحتفال بالمناسبات الدينية.
وتناولنا في الجزء الثاني موقف الخطاب الوهابي من المرأة، وكيف أنه أراد لها السجن إما في النقاب وإما في منزلها، فهو ضد عملها وضد خروجها من المنزل وصوتها عورة وتُقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان حسب ما يروج له هذا الخطاب. 
وتناولنا في الجزء الثالث من قراءتنا للخطاب الوهابي موقف هذا الخطاب من الآخر، خصوصًا مع تنوع هذا الآخر في الخطاب الوهابي المعاصر وموقفه منه بين الرفض والقبول، فنجد أن هذا الخطاب ليس لديه آليات أو استعدادات لقبول هذا الآخر المختلف معه حتى في الإطار المذهبي، ولو كان يدين بدين الإسلام فما بالنا بالآخر الديني والذي يتبع ديانة غير الإسلام.
الخطاب الوهابي وتكفير
وسوف نتناول في هذا الجزء الرابع والأخير موقف الخطاب الوهابي من نظرية الحكم والديمقراطية والمشاركة في الانتخابات، وكل ما يخص هذه الجزئية.
وتركيزنا على الخطاب الوهابي؛ لأنه الخطاب الذي تتبناه الدعوة السلفية وزراعها السياسية حزب النور وهذا ما سوف يتضح في حينه. حيث يتخذ خطاب الدعوة السلفية في مصر الخطاب الوهابي مرجعية له في الدين والسياسية وغيرها من شئون الحياة، وإن اختلفت بعض المقولات بين الخطابين فالأصل واحد؛ ما يعطينا تصورًا بعد ذلك عن شكل الحياة في مصر إذا لا قدر الله وسيطر هذا الخطاب الماضوي على الحياة السياسية في مصر.

موقف الخطاب الوهابي من الديمقراطية

موقف الخطاب الوهابي
إن موقف هذا الخطاب من الديمقراطية لهو في المقام الأول موقف عدائي فلا يعترف بها، بل يخرج المتعاملين بها من ملة الإسلام، وفي كثير من الأحيان يقولون عليها إنها مذهب كفري، لاتخاذهم مقولة "الحاكمية" التي أطلقها أبو الأعلى المودودي ومن بعده سيد قطب، مرجعية أساسية في التعامل مع نظم الحكم المغايرة، وإن شئنا الدقة نظم الحكم الحديثة. يتضح هذا من خلال موقف ابن باز وغيره من رواد هذا الخطاب وأئمته. وقد عرضنا رأي ابن باز في المقالات السابقة في المرأة والآخر وعدم قبوله لهذا الآخر والنداء بتكفيره وعدم مشاركته في الحياة طبقا لعقيدة الولاء والبراء التي تعد الأساس للمنهج الوهابي في التعامل مع الآخر، وتلك القضية "قبول الآخر" هي القضية الجوهرية للديمقراطية. وهي التي تحدد طبيعة الدولة ومفهومها للمواطنة. حيث ينتفي هذا المفهوم من الخطاب الوهابي والسلفي تمامًا. 
ابن باز
ابن باز
يقول ابن باز في إجابته على سؤال يخص الانتماء إلى الأحزاب الدينية "نوصي إخواننا جميعًا بالدعوة إلى الله سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، كما أمر الله سبحانه بذلك مع جميع الناس ومع المبتدعة إذا أظهروا بدعتهم، وأن ينكروا عليهم سواء كانوا من الشيعة أو غيرهم- فأي بدعة رآها المؤمن وجب عليه إنكارها حسب الطاقة بالطرق الشرعية.
والبدعة هي ما أحدثه الناس في الدين ونسبوه إليه وليس منه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"، ومن أمثلة ذلك بدعة الرفض، وبدعة الاعتزال، وبدعة الإرجاء، وبدعة الخوارج، وبدعة الاحتفال بالموالد، وبدعة البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها، إلى غير ذلك من البدع، فيجب نصحهم وتوجيههم إلى الخير، وإنكار ما أحدثوا من البدع بالأدلة الشرعية وتعليمهم ما جهلوا من الحق بالرفق والأسلوب الحسن والأدلة الواضحة لعلهم يقبلون الحق. 
أما الانتماءات إلى الأحزاب المحدثة فالواجب تركها، وأن ينتمي الجميع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يتعاونوا في ذلك بصدق وإخلاص، وبذلك يكونون من حزب الله الذي قال الله فيه سبحانه في آخر سورة المجادلة: ﴿أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ ( 14) بعدما ذكر صفاتهم العظيمة في قوله تعالي: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾(22 ) المجادلة.
ومن صفاتهم العظيمة ما ذكره الله عز وجل في سورة الذاريات في قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (الذاريات) فهذه صفات حزب الله لا يتحيزون إلى غير كتاب الله، والسنة والدعوة إليها والسير على منهج سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان. 
فهم ينصحون جميع الأحزاب وجميع الجمعيات ويدعونهم إلى التمسك بالكتاب والسنة، وعرض ما اختلفوا فيه عليهما، فما وافقهما أو أحدهما فهو المقبول وهو الحق، وما خالفهما وجب تركه. 
ولا فرق في ذلك بين جماعة الإخوان المسلمين، أو أنصار السنة والجمعية الشرعية، أو جماعة التبليغ أو غيرهم من الجمعيات والأحزاب المنتسبة للإسلام. وبذلك تجتمع الكلمة ويتحد الهدف ويكون الجميع حزبًا واحدًا يترسم خطى أهل السنة والجماعة الذين هم حزب الله وأنصار دينه والدعاة إليه.  ولا يجوز التعصب لأي جمعية أو أي حزب فيما يخالف الشرع المطهر. مجموع الفتاوى ج 7 ص 183 / 184.
فقد حرم ابن باز هنا الانضمام إلى الأحزاب والجمعيات والجماعات التي تنتمي للإسلام وتدعي أنها تدعو إلى الله عز وجل، فما بالنا بالانتماء إلى تلك الأحزاب المدنية أو الاشتراكية أو العلمانية والليبرالية وغيرها، والتي تقوم على مبدأ التعددية السياسية وقبول الآخر، والتي لا يعترف بها الخطاب الوهابي بشكل عام ويخرج هذه الدعوات وأصحابها من ملة الإسلام.
ولا يعترف هذا الخطاب الوهابي وابن باز في المقدمة بمفهوم الوطن والوطنية والقومية ومعظم المصطلحات الحديثة حول الانتماء؛ حيث يقول ابن باز " الواجب الولاء لله ولرسوله بمعنى أن يوالي العبد في الله ويعادي في الله، وقد يكون وطنه ليس بإسلامي فكيف يوالي وطنه؟ أما إن كان وطنه إسلاميًّا فعليه أن يحب له الخير ويسعى إليه، لكن الولاء لله لأن من كان من المسلمين مطيعًا لله فهو وليه، ومن كان مخالفًا لدين الله فهو عدوه، وإن كان من أهل وطنه، وإن كان أخاه أو عمه أو أباه، أو نحو ذلك، فالموالاة في الله، والمعاداة في الله. 
أما الوطن فيحب إن كان إسلاميًّا، وعلى الإنسان أن يشجع على الخير في وطنه وعلى بقائه إسلاميًّا، وأن يسعى لاستقرار أوضاعه وأهله وهذا هو الواجب على كل المسلمين، نسأل الله لنا ولكم ولجميع المسلمين التوفيق والهداية وصلاح النية والعمل وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه". مجموع الفتاوى ج 9 ص 318.
وهنا ينفي ابن باز مفهوم الوطن والوطنية، ليس هذا فقط بل يؤكد على عقيدة الولاء والبراء فيجب على المسلم معاداة أبناء وطنه إن كانوا على غير دين الإسلام؛ مما يهدد السلم والأمن الاجتماعيين، ويقضي على مفهوم الوحدة الوطنية؛ مما يجعل أبناء الوطن الواحد في صراع مستمر لا يهدأ، فلا تتقدم الأوطان بل تصير من تخلف وهدم إلى انهيار تام.

مقولات الخطاب الوهابي المؤسسة للجماعات الإرهابية

محمد بن عبد الوهاب
محمد بن عبد الوهاب
لنلق الآن نظرة على المفاهيم أو المقولات الأساسية في الدعوة الوهابية، والتي انطلقت مع محمد بن عبد الوهاب وقام بنشرها والدعوة لها تلامذته في المملكة السعودية ومن بينهم ابن باز، وسنركز على المفاهيم أو المقولات التي تتناول موضوعات التوحيد، الطاغوت، الحاكمية، الولاء والبراء، والجهاد:
- أصل دين الإسلام وقاعدته أمران:
الأول: الأمر بعبادة الله تعالى وحده لا شريك له، والتحريض على ذلك والموالاة فيه وتكفير من تركه والبراءة منه. 
الثاني: الإنذار عن الشرك في عبادة الله تعالى والتغليظ في ذلك والمعاداة فيه، وتكفير من فعله والبراءة منه، فلا يتم مقام التوحيد إلا بهذا.
- أصل العبادة تجريد الإخلاص لله تعالى وحده، وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.
- العبادة هي التوحيد، ومن لم يأت به لم يعبد الله.
- كلمة التوحيد لا تنفع قائلها إلا بمعرفة معناها والعمل بمقتضاها، إذ ليس المراد قولها باللسان مع الجهل بمعناها، ولكن المراد: معرفة ما وُضعت له، ودلت عليه، وقبوله، والانقياد للعمل به.
- التوحيد ثلاثة أنواع: توحيد الربوبية (توحيد الله بفعله)، وتوحيد الألوهية (توحيد العبادة)، وتوحيد الأسماء والصفات (وهو من جنس توحيد الربوبية).
- التوحيد الذي وقع عليه النزاع ليس توحيد الربوبية ولا هو توحيد الأسماء والصفات، فالكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتلهم ونهب أموالهم واستحل نساءهم كانوا مقرين لله سبحانه بتوحيد الربوبية، وهو أنه لا يخلق ولا يرزق ولا يُحيي ولا يميت ولا يدبر الأمور إلا الله وحده، وكانوا أيضًا يتصدقون ويحجون ويعتمرون ويتعبدون ويتركون أشياء من المحرمات خوفاً من الله عز وجل، ولكن ذلك لم يُدخلهم في الإسلام، فالذي كفّرهم وأحل دماءهم وأموالهم هو أنهم لم يشهدوا لله بتوحيد الألوهية (توحيد العبادة)، فهذا الذي تفرق الناس لأجله بين مسلم وكافر، وهذا الذي به حُقنت الدماء والأموال وانفصلت دار الإيمان عن دار الكفر، وهذا الذي لأجله جُردت سيوف الجهاد.
- توحيد الألوهية هو إفراد الله سبحانه بالعبادة والكفر بما يُعبد من دونه والبراءة منه، ولا بد أن يكون باللسان والقلب والعمل، فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً.
- التلفظ بكلمة التوحيد ليس عاصماً للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يُحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله (الطاغوت)، فلا يحصل التوحيد ولا يصير الإنسان مؤمناً، ولا يُعصم دمه وماله إلا بالكفر بالطاغوت.
- اسم الطاغوت يشمل كل معبود من دون الله، وكل رأس في الضلال يدعو إلى الباطل، ويحسّنه، ويشمل أيضاً: الحاكم الجائر المغير لأحكام الله تعالي، الذي يحكم بغير ما أنزل الله، وكل من نصبه الناس للحكم بينهم بأحكام الجاهلية المضادة لحكم الله ورسوله.
- لا يصح دين الإسلام إلا بالبراءة من الطواغيت وتكفيرهم.
- صفة الكفر بالطاغوت أن تعتقد بطلان عبادة غير الله وتتركها وتبغضها وتكفر أهلها وتعاديهم.
- كل من خالف حكم الله فهو طاغوت.
- النظم والقوانين الموضوعة للتحاكم إليها، مضاهاةً لتشريع الله، داخلة في معنى الطاغوت.
- من حاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في موارد النزاع، من القوانين والسياسات الوضعية، والنظم البشرية، وعادات الأسلاف والأجداد، وارتضاها دون شريعة الله، فقد حاكم إلى الطاغوت الذي أمر الله عباده المؤمنين أن يكفروا به، ومن قدم شيئاً على شريعة الله، أو اعتقد جواز الحكم بما يخالفها، أو سهّل في التحاكم إلى غيرها، مع ما في ذلك من تسوية الخالق بالمخلوق، فهو كافر وظالم وفاسق يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكّم سواه في قليل ولا كثير.
- لا يجوز استبدال الشريعة الإلهية بالقوانين الوضعية، ورد ما تنازع فيه المسلمون إلى أهل القوانين والآراء؛ لأنه من التحاكم إلى الطاغوت الذي أمر الله بالكفر به.
- لا يجتمع الإيمان بالله مع تحكيم غير شريعته.
- حكم الله ورسوله لا يختلف في ذاته باختلاف الأزمان وتطور الأحوال وتجدد الحوادث، فإنه ما من قضية في الحياة والسياسة والاقتصاد والتجارة والعلم والحرب، في كل ناحية من نواحيها، ما ظهر أو لم يظهر بعد، إلا وحكمها في كتاب الله تعالي وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم نصًّا أو ظاهرًا أو استنباطًا، أو غير ذلك، علم ذلك من علمه، وجهله من جهله.
- ويدخل في الكفر بالطاغوت عداوة الكفار والتصريح لهم بالعداوة وعدم موالاتهم وتوليهم، كمحبتهم لدينهم، ونصرتهم وإعانتهم على المسلمين، والتحالف معهم ولو لم تقع النصرة فعلاً؛ ذلك أن الإنسان لا يستقيم له دين ولا إسلام، ولو وحد الله وترك الشرك، إلا بعداوة المشركين والتصريح لهم بالعداوة والبغضاء ومقاطعتهم وحربهم وجهادهم والبراءة منهم، فإذا أظهر للمشركين الموافقة على دينهم، خوفاً منهم ومداراة لهم، ومداهنة لدفع شرهم، وأعانهم ونصرهم وظاهرهم فإنه كافر مثلهم، يُحل ماله ودمه، ويجب قتاله، وإن كان يكره دينهم ويبغضهم.
- لا يستقيم الإسلام، ويقوم قائم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويرتفع علم الجهاد، إلا بالحب في الله والبغض فيه، وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه، فمقت المشركين وعيبهم، وذمهم، وتكفيرهم، والبراءة منهم، هو حقيقة الدين والوسيلة العظمى لرب العالمين.
- من قال: لا أعادي المشركين، أو عاداهم ولم يكفّرهم، أو قال: لا أتعرض لمن قالوا: لا إله إلا الله ولو فعلوا الكفر والشرك وعادوا دين الله، فهذا لا يكون مسلماً.
- ويدخل في موالاة المؤمنين نصرتهم والجهاد معهم والهجرة إليهم.
- مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين ناقض من نواقض الإسلام.
- من خرج مع المشركين لقتال المسلمين، طوعاً واختياراً، وأعانهم ببدنه وماله، فلا شك أن حكمه حكمهم في الكفر.
- إن مما يوجب الجهاد لمن اتصف به: مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين، بيد، أو بلسان، أو بقلب، أو بمال، فهذا كفر مخرج من الإسلام.
- الله أمر بقتال المشركين على فعل التوحيد، وترك الشرك، وإقامة شعائر الدين الظاهرة، فإذا فعلوها خُلي سبيلهم، ومتى أبوا عن ذلك أو بعضه، قوتلوا إجماعاً، ولو قالوا: لا إله إلا الله.
- لا يجوز اختلاط المؤمنين بالكافرين دون حاجز الولاء والبراء.
- الكافر يُبغض ويُعادى من كل وجه.
- البلدة التي تجري عليها أحوال الكفر ولا تظهر فيها أحكام الإسلام بلدة كفر.
- البلد التي يُحكم فيها بالقانون ليست بلد إسلام، تجب الهجرة منها.
- يجب الهجرة من كل بلدة تظهر فيها شعائر الشرك وأعلام الكفر ويُعلن فيها بالمحرمات، والمقيم فيها لا يقدر على إظهار دينه والتصريح بالبراءة من المشركين وعداوتهم.
- وجود بعض الطاعات مع انتشار الشرك وعلو شعائره لا يمنع من وصف الدار بالكفر والحكم على أصحابها بالشرك.
- مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال، فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله، وحتى لا تكون فتنة، فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب.
- وعلى هذا يتم الدين ويُقام علَم الجهاد. 
إن المفاهيم أو المقولات التي أوردناها هنا، بتكثيف شديد (مع بعض التكرار في اللفظ لتأكيد المعنى)، هي مفاتيح اصطلاحية يمكن من خلالها قراءة الدعوة الوهابية بوضوح كامل، في منطوقها الحرفي، فهي تمتد عبر نصوصها كلها، لا تتغير مفرداتها ولا تراكيبها الدلالية.. إن في كتابات محمد بن عبد الوهاب أو في شروحات من أتوا بعده من أئمة الدعوة النجدية، باعتبارها مفاهيم أو مقولات محمولة على الوحي، فهي معبرة عن الحق واليقين (الديني) المعلن ومطابقة له، في صورته النهائية الخالدة، وأي خروج عليها هو، في جوهره، خروج على صحيح الدين.. إن التوحيد والدعوة له هو الأساس الذي تقوم عليه الوهابية. في هذه التيمة يمكن اختزال الخطاب الوهابي في كل حالاته ومساراته وتحركاته، بما هو خطاب سلفي لا يرضى بأقل من الانصياع الكلي لطروحاته وحقائقه وأخذها كاملة على محمل القبول والتسليم (والاجترار)، بيد أن التوحيد لا يؤخذ في الوهابية بشحنته الدينية فقط، وإنما هو مفهوم يفترض أو يستحضر مجموعة من الاشتراطات والمقتضيات الموضوعية الصارمة ليتحقق معناه بشكل فعلي وواضح في حركة وصيرورة الواقع، هذه الاشتراطات والمقتضيات تُختزل في أربعة أساسية:
- الكفر بالطاغوت (كل ما عُبد من دون الله).
- الحاكمية (إفراد الله وحده بصفة حق التشريع).
- الولاء والبراء (موالاة أهل الدين والإيمان ومعاداة أهل الكفر والضلال).
- الجهاد لمدافعة أهل الكفر وتحكيم شرع الله وإعلاء كلمته في الأرض.

مقاربة الخطاب السلفي في مصر والخطاب الوهابي

عبد المنعم شحات
عبد المنعم شحات
ينطلق الخطاب السلفي في مصر من هذه المرجعية الوهابية ومن خلال هذه المقولات أو المفاهيم نفسها، وهذا يتضح جليًّا في خطاب عبد المنعم الشحات منظر الدعوة السلفية وحزب النور ذراعها السياسية؛ حيث يقول: من خلال تفريغ لمجموعة من حلقاته المسجلة على موقع "أنا سلفي" والتي يتدارسها أعضاء الدعوة السلفية.
ففي 31 أكتوبر تحت عنوان "لماذا نقاطع الانتخابات" تساءل عبد المنعم الشحات في بداية الحلقة: "إذا كنا ممكنين هل نبني النموذج الديمقراطي؟".
وقد أجاب على نفسه بالقول: "ما نجزم به لا.. لا نبني النموذج الديمقراطي.. بل نبني النموذج الإسلامي، والنموذج الإسلامي يخالف النموذج الديمقراطي تماما".
وإحدى المشاكل أن إخواننا الذين يدخلون الانتخابات يضطرون إلى الثناء على النموذج الديمقراطي ويضطرون إلى أن يجعلوا أسمى أمانيهم هو تطبيق النموذج الديمقراطي.
لدينا نظام إسلامي مقيد بالشرع، والشورى فيه مقيدة بالشرع، بينما النظام الديمقراطي ليس فيه كذلك، وإن كان هناك نظام ديمقراطي الشورى فيه مقيدة بالشرع فلم تكن هذه ديمقراطية؛ لأن قوام الديمقراطية حكم الشعب فحينما نقيدها بالشرع فأنت تهدم الركن الأعظم للديمقراطية، فإذا نحن سنقيم نظامًا فسوف نقيم نظامًا إسلاميًّا، وليس ديمقراطيًّا.
والنظام الإسلامي الشورى فيه مقيدة بالشرع، والشورى لا تلزم بوجود أحزاب بل لا يجوز وجود أحزاب، فكل كتب العقيدة تنص على التحذير من الفرقة، فالشورى أن يشاور الإمام الأمة، فليس هناك من هو جالس في كراسي المعارضة ومن هو جالس في كراسي الحكومة، وليس هناك تداول سلطة، فعقد الإمامة عندنا عقد أبدي إلى أن يموت الإمام أو يطرأ عليه ما يوجب انخلاعه.
ويتساءل مرة أخرى عبد المنعم الشحات: "فماذا تبقى من الديمقراطية؟ ولماذا ننقح إسلامنا من غيرنا؟". 

حزب النور.. البراجماتية
ليس هناك مجلس مخصص للشورى، بل الإمام يستشير أهل الحل والعقد، والإمام يحتاج في النظام الإسلامي إلى مجتهدين دائمين ليشاورهم في الأمر الشرعي.. هذا النموذج الإسلامي للحكم طبقًا لرؤية الدعوة السلفية وذراعها السياسية حزب النور، والتي تؤكد على:
1- ليس هناك تداول للسلطة.
2-عدم وجود أحزاب سياسية.
3-عقد الإمامة أبدي ينتهي بموت الإمام.
4-ليس هناك مجالس نيابية. 
5-الإمام يختار المجموعة التي يحق له مشاورتها.
6-رأي الشورى ليس ملزمًا للإمام؛ لأنه رأي استشاري، وليس قرارًا أو قانونًا.
7-الإمام هو الذي يسن القوانين.
فلماذا إذًا يمارسون الديمقراطية طالما أنها لا تتوافق مع نظامهم الإسلامي كما يدعون؟
يرد عبد المنعم الشحات على هذا السؤال في مقطع فيديو آخر على قناة الحدث بتاريخ 30 أبريل 2011 أي بعد قيام ثورة 25 يناير، التي كانوا يهاجمونها ويقولون بتحريم الخروج على الحاكم أو ولي الأمر، فيقول ردًّا على هذا السؤال: "حينما ننشئ نظامًا من جديد سوف نقول: إن الشعب يشارك في اختيار الحاكم، الشعب يحاسب الحاكم، الشعب يعارض الحاكم إذا أخطأ ويساعده في تقويم الخطأ، ويساعده من باب أولى في الصواب "مش نعمل أحزاب وكل حزب عاوز يعظم مصالح نفسه"، لكن الواقع الحالي، النظام قائم على التعددية الحزبية، فهناك أحزاب ليبرالية ويسارية، فهل نسكت نحن "الدعوة السلفية" وبالذات في هذه المرحلة التي يتم فيها صنع دستور جديد ليصيغوا لنا دستورًا ليبراليًّا لا يتوافق حتى مع تدين الشعب؟
أم نحاول من خلال أحزاب ونقول بأن تقوم الأحزاب الإسلامية بهذا وبالمناسبة الدعوة السلفية لن تنشئ حزبًا، فهذه الآلية فرضت علينا ولا بد أن يكون هناك أحزاب تدافع عن الهوية الإسلامية للشعب المصري، ونحن لا ننشئ حزبًا؛ لأننا دعوة لها وجود دعوي كبير، والدعوة أشمل من الحزب فلو أننا أنشأنا حزبًا نخشى أن يحدث تجريف للأرض الدعوية وانتقال عدد كبير من المشتغلين بالدعوة إلى القناة السياسية الضيقة ويتركون نهر الدعوة".
فهنا يقرر عبد المنعم الشحات ويجزم بعدم إنشاء الدعوة السلفية لحزب سياسي، وبعد هذا الحوار بأقل من شهر تشرع الدعوة السلفية في إنشاء حزب النور السلفي، وكذلك بقية الفصائل السلفية!
وعن موضوع الديمقراطية يقول عبد المنعم الشحات في مقطع فيديو آخر في 3 أغسطس 2011 على موقع: "أنا سلفي": في الواقع بعض المصطلحات لا يصلح الإجابة عليها إجابة مجملة منها (الديمقراطية) فلا نقول فقط بأن الديمقراطية حرام بل الديمقراطية كفر.. لأن المراد بها حكم الشعب بنفسه، والتي من أصولها النظرية أنه إذا الشعب اختار الشذوذ يقر الشذوذ، فهذه الديمقراطية تتناقض مع الإسلام.
خلاصة القول عند الدعوة السلفية وحزب النور:
1-لا يجوز ترشح المرأة للانتخابات.
2-لا يجوز ترشح المسيحي للانتخابات.
3-الديمقراطية كفر.
فلماذا إذًا يسارع حزب النور والدعوة السلفية إلى المشاركة في الانتخابات البرلمانية بآليات الديمقراطية الكافرة؟ فالديمقراطية كما قال أحدهم إنها مجرد مطية يمتطونها للوصول إلى البرلمان، وتشريع ما يؤمنون به وفرضه على المجتمع بالآليات التي اختارها هذا المجتمع، كما أنهم يجدون فتوى مناسبة لكل ما يريدون فعله، ليس هذا فقط بل ينتجون الفتاوى والتخريجات التي تحقق مصالحهم وأهدافهم، بغض النظر عن كونها متناقضة مع ما سبقها من فتاوى تبنوها في وقت سابق.

شارك