"حصان طروادة".. يثير تخوفات بريطانيا من جيل إسلامي متطرف

الخميس 26/يونيو/2014 - 04:21 م
طباعة حصان طروادة.. يثير
 
أثارت قصة المدارس البريطانية التي يسكنها عدد كبير من المسلمين، الجدل في الدول الأوروبية، وبالأخص بعد ظهور رسالة مجهولة في مارس الماضي تحمل عنوان "حصان طروادة"، والتي حملت خطة عمل لشرح كيفية السيطرة على المدارس الحكومية في مدينة برمنجهام البريطانية، وجعلها تحمل منهجًا إسلاميا متشددا فقط.
حصان طروادة.. يثير
كانت هناك مزاعم بأن بعض المدارس في برمنجهام التي يقطنها عدد كبير من المسلمين قد سيطرت عليها مجموعات من المتشددين الإسلاميين، حيث تعود بعض هذه الادعاءات إلى عدة سنوات.
وحملت الرسالة المزعومة مخططا لتغيير محافظي المدارس، ثم تقويض سلطة إداراتها وإحلالها بإدارات ومدرسين أكثر تعاطفا مع برنامجهم الديني.
وكما جاء في الرسالة، فقد استهدفت الخطة المناطق التي توجد بها أعداد كبيرة من المسلمين، زاعمة أن بعض المدارس في برمنجهام بدأت تفعل ذلك الخطة.
وقال أحد مديري المدارس إنه أبلغ وزارة التعليم بالمشكلة عام 2010.

تقارير صادمة بشأن المدارس

تقارير صادمة بشأن
وجاء في أحد التقارير البريطانية، أن بعض المدارس في مدينة برمنجهام استعملت مناهج دراسية وضعت من منظور إسلامي بحت، وأن هناك ثقافة في تلك المدارس قللت من أهمية الديانات الأخرى غير الإسلام، بالإضافة إلى ممارسات أخرى.
وضم التقرير الذي أعدته الهيئة البريطانية للرقابة على التعليم في المدارس "أوفستيد" 21 مدرسة في برمنجهام.
وأوضح التقرير أن الغرض منه هو التحقيق في مزاعم بأن متشددين إسلاميين يسيطرون على بعض المدارس في برمنجهام.
وقال سير مايكل ولشو رئيس الهيئة: إن جوا من الخوف والترهيب سيطر على تلك المدارس، وإن مديري المدارس تم تهميشهم واضطروا لترك وظائفهم.
وأكد ولشو أن هناك أدلة على استهداف مدارس بعينها، إلا أن المسئولين عن أحد أهم المدارس المعنية بالتقرير رفضوا ما جاء به.
وأوصى التقرير أن يكون محافظو المدارس من المهنيين، وقال ولشو: إن بعض ما توصل إليه التقرير يدعو للقلق، بل صادم.
وستخضع خمس مدارس ورد ذكرها في تقرير "حصان طروادة" لإجراءات خاصة.
وقال التقرير: إن 12 مدرسة أخرى تحتاج إلى إجراء تحسينات.
ووجه التقرير اللوم إلى المجلس المحلي لفشله في حماية تلاميذ المدارس من التطرف، وللتراخي في التعامل مع المخاوف التي أثيرت بشأن أسلوب إدارة المدارس.
وجاء في تقرير آخر عن وكالة تمويل المدارس أن مجلس أمناء بارك فيو التعليمي الذي يدير ثلاث مدارس في برمنجهام جعل المناهج الإسلامية في بؤرة اهتمامها، كما كشف التقرير أنه تم فصل الفتيات عن الأولاد.

تعهدات رئيس الوزراء البريطاني

تعهدات رئيس الوزراء
بعد أن ظهرت هذه المزاعم والتي أحدثت توترا داخليا داخل بريطانيا، على الفور قرر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن تقوم "أوفستيد" بالتفتيش المفاجئ على المدارس، وكان الإجراء المتعارف عليه هو إخبار المدارس بموعد التفتيش قبل حدوثه.
فيما أكد كاميرون، أن بلاده تساهلت مع ما أسماه "التشدد الإسلامي" أكثر مما ينبغي في السابق، وسمحت بازدهار لغة الخطاب العنيف، متعهدا باتباع نهج "قوي" للتصدي للمشكلة.
وقضت محكمة بريطانية في فبراير بالسجن المؤبد على بريطانيين اعتنقا الإسلام بتهمة قتل جندي بطريقة وحشية في أحد شوارع لندن، وهي الجريمة التي أثارت رد فعل مناهضا للإسلام.
وتقول مصادر حكومية: إن مئات الشبان المسلمين البريطانيين يقاتلون أيضا في سوريا، وهو أمر يثير قلق الأجهزة الأمنية التي تخشى أن ينشروا التطرف وربما العنف لدى عودتهم إلى البلاد.
وقال كاميرون: إن الوقت قد حان كي تتخذ بريطانيا نهجا "قويا"، تجاه ما وصفه بالتطرف والتأكيد على "القيم البريطانية" مثل التسامح وسيادة القانون.
وقال كاميرون: إن الحكومة تتخذ التدابير للتأكد من أن المهاجرين الجدد يتحدثون الإنجليزية، وإنها تعود إلى ما وصفه بـ "التاريخ السردي" لتعليم الأطفال بشأن الديمقراطية والحكومة، وقال مكتبه إنه يضع في اعتباره كل أنواع التطرف وليس التطرف الإسلامي فحسب.
ورفض بعض المسلمين البريطانيين تقرير كبير المفتشين بشأن عدة مدارس في مدينة برمنجهام، والذي وجد أدلة على وجود حملة لفرض الأعراف الثقافية المسلمة.
وشكك المجلس الإسلامي البريطاني الذي يمثل مصالح الجالية المسلمة البالغ عددهم 2.7 ملايين شخص، في المعايير التي استخدمت في التفتيش على المدارس.
يشار إلى أن حملة التحريض هذه والتوجه الصارخ نحو الالتفات إلى حياة الإسلاميين، جاء على أثر دعوات لأنظمة الاستبداد العربية وبخاصة مصر ودول خليجية لحث بريطانيا على التضييق على التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في بريطانيا والتحقيق في أمورهم. 
ويبدو أن كاميرون قد بدأ بالاستجابة لهذه الدعوات، بعد أن مهدت وسائل إعلام أوروبية لذلك بشكل صارخ وملفت.
وقال مايكل ويلشو مدير مكتب معايير التعليم وخدمات الأطفال ومهاراتهم: إن "بعض النتائج التي توصلنا إليها مقلقة للغاية، بل مثيرة للصدمة في بعض الجوانب. وفي الحالات الأكثر خطورة وجدنا أن أسلوب الخوف والترهيب يسود هناك."
وأضاف أن بعض المدارس لم تضطلع بمسئولياتها في حماية الأولاد من التطرف الديني بشكل جدي وكاف، وفي إحدى الحالات وجهت الدعوة لضيف معروف بآرائه المتطرفة لإلقاء محاضرة على التلاميذ.
ورفض ديفيد هيوز نائب رئيس صندوق بارك فيو الائتماني للتعليم الذي يدير عددا من المدارس ذات الصلة بالتحقيق نتائج التقرير.
 وقال: إن مكتب تقييم معايير التعليم أجرى التفتيش وسط أجواء من الريبة، مضيفًا أن هذه المدارس لا تتسامح أو تروج لأي نوع من التطرف.

وزيرا التعليم والداخلية يبحثان القضية

وزيرا التعليم والداخلية
فيما أثارت وزيرة الداخلية البريطانية تيريزا ماي، مخاوف بشأن طريقة تعامل وزارة التعليم مع مزاعم بوجود تطرف في مدارس بمدينة برمنغهام بوسط إنجلترا.
وطلبت ماي من وزير التعليم مايكل جوف الرد على الادعاءات بأن وزارته كانت على علم بمزاعم التطرف منذ عام 2010، وكذلك في مجلس مدينة برمنغهام قبل ذلك بعامين.
لكن وزير التعليم أعرب عن اعتقاده بأن وزارة الداخلية لا تقوم بما يكفي إزاء مشكلة التطرف، حسبما نقل عنه أحد التقارير، لكن ماي وغوف أكدا أنهما يتعاونان في هذه القضية.
وقالت ماي في خطاب لها: "إن المزاعم المرتبطة بمدارس في برمنجهام تثير تساؤلات خطيرة بشأن الإدارة المدرسية وإجراءات الرقابة."
وأضافت: "هل صحيح أن مجلس مدينة برمنجهام تلقى تحذيرات بشأن هذه المزاعم في 2008؟ هل صحيح أن وزارة التعليم تلقت تحذيرا في 2010؟ وإن كان هذا صحيحا، لماذا لم يتحرك أي شخص؟".
فيما رد وزير التعليم مايكل جوف، معتقدًا أن متشددين إسلاميين يخططون للسيطرة على مدارس في برمنجهام، حسبما نقلت عنه صحيفة التايمز.
وأعرب عن اعتقاده أن ثمة إحجاما عن معالجة القضية في وزارات الحكومة، وخاصة وزارة الداخلية.
وأضاف وزير التعليم البريطاني، أن حكام المدارس يحاولون فرض ونشر أيديولوجية ضيقة تقوم على الديانة في مدارس لم تؤسس على الديانات، والتلاعب بتعيينات الموظفين واستخدام تمويل المدارس بشكل غير مناسب.
وأشار مصدر في وزارة الداخلية أن جوف يحاول أن يجعل الأمر وكأنه مشكلة شخص آخر، في إشارة إلى إلقاء اللوم في المسئولية عن ذلك لأطراف أخرى.
وأشار مقربون من وزير التعليم إلى أن جوف يعتقد أن وزارة الداخلية تحجم منذ عقود عن مواجهة التطرف، إلا إذا تطور ذلك إلى أفعال إرهابية، وأنه لا ينتقد ماي بشكل محدد.
وقال مصدر في وزارة الداخلية في تصريح شديد اللهجة: إن وزارة التعليم هي المسئولة عن المدارس، وليس وزارة الداخلية.
لكن الوزيرين أكدا على أنهما يعملان بشكل مشترك في التعامل مع هذه القضية.
وقال الوزيران في بيان لهما: "إن وزارتي التعليم والداخلية تتعاملان بجدية شديدة مع المشاكل في مدارس برمنغهام".
وأضاف البيان أن مايكل غوف وتيريزا ماي يعملان سويا؛ من أجل معرفة حقيقة ما حدث في برمنجهام، واتخاذ الخطوات اللازمة لمعالجة الأمر.

نتيجة تقارير التفتيش: جيد وممتاز

نتيجة تقارير التفتيش:
ونشرت ثلاث مدارس خضعت للتفتيش في أعقاب هذه المزاعم التي عرفت باسم "حصان طروادة" نتائج تقارير مؤسسة الإشراف التربوي "أوفستد" الخاصة بها.
وتقيم هذه المدارس في بريطانيا "بالممتازة" أو "الجيدة"، وطالبت إحداها المديرين بإعداد الطلاب لـ"بريطانيا متعددة الثقافات".
وعلى الرغم من وجود خطط لنشر نتائج جميع التحقيقات دفعة واحدة، إلا أن تقارير متكررة استبقت ذلك، وأشارت إلى أن أربع أو خمس مدارس كانت دون المستوى.
كما بدأت بعض المدارس والتي جاءت نتائجها إيجابية بنشر تقاريرها بصورة منفصلة.
وقال نائب رئيس مجلس إدارة مجلس بارك فيو التعليمي ديفيد هيوز: "مفتشو أوفستيد يأتون إلى مدارسنا للبحث عن التطرف وعن الفصل بين الجنسين، وعن دليل بأن أطفالنا يجبرون على تعلم الدين كجزء من مخطط إسلامي"، وأضاف: "هذا لا يحدث في مدارسنا مطلقاً، فمدارسنا لا تتسامح مع أي شكل من أشكال التطرف أو تنشره".

التشكيك في الرسالة

في الوقت نفسه تبين أن مجلس مدينة برمنجهام، ووحدة وزارة التعليم لمكافحة التطرف، وإدارة وست ميدلاند لمكافحة الإرهاب، والاتحاد الوطني لمديري المدارس، كانوا على علم بتلك الرسالة التي حملت عنوان "حصان طروادة".
ويشير مجلس المدينة إلى الصعوبة الشديدة في التحقق من صحة تلك الرسالة، وإذا كانت من شخص يحاول الإنذار أم انها رسالة كيدية تهدف إلى الإضرار بالعلاقات المجتمعية في المنطقة.
 بينما وصف مجلس محافظي المدارس في المنطقة أن رد الفعل على هذه الرسالة أصبح توزيعا للاتهامات على كثيرين بلا دليل.
وأشار تقرير أعد حول ذلك الأمر، إلى أن مجلس أمناء مدرسة أكاديمية برمنجهام وضعت منهجا دراسيا اقتصر في بعض أجزائه على منظور إسلامي محافظ.
وكشف التقرير أن مدرسة بارك فيو لم ترحب بالطلاب غير المسلمين على الرغم من أنها ليست مدرسة إسلامية
ووصف التقرير المنهج الذي شمل دروس الاقتصاد والصحة والمجتمع بأنه ذو طابع إسلامي، وأن مكبرات الصوت فيها استخدمت لبث الآذان.

التحقيق في 25 مدرسة مشكوك في أمرها

التحقيق في 25 مدرسة
وتضم مدينة برمنجهام 400 مدرسة يتم التحقيق في 25 منها، ويقول خالد محمود نائب البرلمان عن منطقة بيري بار: إن كل المعلومات التي وصلته تشير إلى أنه كان هناك محاولات جادة للسيطرة على معظم المدارس في شرق وجنوب المدينة.
وتجري الآن أربعة تحقيقات على الأقل في الأمر تقوم بها هيئة أوفستيد، ومجلس بلدية برمنجهام، ووزارة التعليم، ووكالة تمويل التعليم.
وتقول أوفستيد: إن هذه هي أكبر عملية تفتيش منسقة تقوم بها بسبب الخوف من التطرف، وإنها قد فتشت على 21 مدرسة ابتدائية وثانوية وأخرى تابعة للسلطات المحلية والمدارس المسماة أكاديميات.
وتقوم الهيئة بزيارات مفاجئة للمدارس للتفتيش على مسألة بعينها وليس للتفتيش على المستوى العام للمدرسة بكافة جوانبها.
ويقول المجلس المحلي إنه يقوم بالتفتيش على 25 مدرسة أخرى بسبب تلقيه نحو 200 اتصال من الجمهور بخصوص هذه المدارس. وتم تعيين مسئول لهذه المسألة، كما ستقوم مجموعات مشتركة من أعضاء البرلمان وأعضاء المجالس المحلية واتحادات المدرسين والشرطة والقيادات الدينية بمتابعة الأمر.
وقد رفضت مدرسة بارك فيو- وهي الأكثر شهرة بين المدارس المعنية- تلك الادعاءات بشدة.
وأرسل أحد أعضاء مجلس ادارة، الذي وصف بأنه مسيحي إنجيلي، رسالة إلى أولياء أمور الطلاب قائلا إنه ليس هناك تطرف في المدرسة، وإن تلك الأقوال "روايات غير حقيقية".
يذكر أن استجابة الحكومة البريطانية لتلك المزاعم قوضها خلاف علني بين وزير التربية البريطاني مايكل جوف ووزيرة الداخلية ثيريسا ماي، التي دخلت الأسبوع الماضي في حرب إعلامية حول الجهة المسئولة عن التطرف في المدارس، فيما جاءت هذه المزاعم لتظهر حقيقة الإخوان.

محاولات لإفساد العلاقة بين المجتمع البريطاني والمسلمين

محاولات لإفساد العلاقة
الساحة الإسلامية في بريطانيا تضم آسيويين وعرب بالإضافة إلى أفارقة وجنسيات أخرى، وتتمتع الجالية بمساحة عريضة من الحرية وممارسة شعائر دينها، إذ من حقها بناء المساجد وتشييدها وإنشاء المراكز الإسلامية مع المدارس، بالإضافة إلى مناخ الحماية الموجود والذي يضمن ممارسة المسلمين لحياتهم بعيدا عن الكراهية والتهديد.
وجاءت مزاعم فرض التطرف، التي عرفت بـ"حصان طروادة"، لهز هذه العلاقة بين المسلمين والمجتمع البريطاني.
 وطرح خطاب التطرف نفسه من دعاة التيار الأصولي، من أشهرهم أبو حمزة المصري الذي قضى تسع سنوات في سجن شديد الحراسة قبل ترحيله إلى أمريكا، وأبو قتادة الذي تم ترحيله إلى الأردن، وعمر بكري السوري، الذي فر إلى لبنان بعد هجمات لندن 2005 حيث يقيم الآن في طرابلس، فيما حاولت مدرسة وسطية تمثل رجال الأزهر الشريف في بريطانيا مواجهة هذا التيار وجذب الانتباه إلى عقيدة تنبذ العنف وداعية للحوار واحترام الآخر والتعامل معه.
 وقد تحركت الجالية الإسلامية بنشاط ولها في مجلس العموم ثلاثة أعضاء بالإضافة إلى نواب في مجلس اللوردات مع وجود وزيرة مسلمة هي البارونة سعيدة وارسي التي تتولى ملف الأقليات داخل الحكومة وتشرف عليها.
 والمجتمع البريطاني يطبق قواعد المساواة على الجميع بشأن التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، ولا توجد عنصرية من قبل الحكومة أو الأحزاب ضد المسلمين، وإنما العكس تماما هو الموجود، حيث الترحيب بالجالية دائما ويحضر ديفيد كاميرون وزعماء الأحزاب مواسم وأعياد إسلامية داخل مجلس العموم، حيث تقام الصلاة ويؤذن لها في ظل احترام كامل للعقيدة ووجودها على ساحة الحياة البريطانية.
وتعبر الملكة إليزابيث الثانية الجالسة على العرش البريطاني عن احترامها الشديد هي والعائلة المالكة للإسلام ولرعاياها من مواطنين مسلمين يعيشون في البلاد، ويخضعون للقانون الذي يطبق على الجميع دون استثناء.

شارك