أحمد الوائلي.. خطيب المنبر الحسيني

الثلاثاء 03/سبتمبر/2019 - 11:15 ص
طباعة أحمد الوائلي.. خطيب علي رجب
 
أحمد الوائلي عرف بخطبه وشعره لأهل البيت، وكان أحد أهم خطباء المنبر الحسيني في النجف الأشرف، ويتميز بآرائه المعتدلة، ويدعم التقريب بين المذاهب ويرفض سب الصحابة.

حياته

حياته
ولد الشيخ أحمد بن الشيخ حسون بن سعيد بن حمود الليثي الوائلي الكناني، في النجف يوم الاثنين 17 ربيع الأول 1347 هـ/3 سبتمبر 1928م. ولقبت أسرته بـ"آل حرج" وحرج هو اسم الجد الأعلى لها، وهو أول من نزح من الغراف بلدهم الأصلي وهبط في النجف الأشرف على إثر معركة بينه وبين بعض العشائر، ففر إلى النجف واتخذها موطناً ومسكناً له.

تعليمه

تعليمه
بدأ مسيرته التعليمية في النجف بمكاتب القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم.
وانتسب إلى المدار الحكومية، فالتحق بمدرسة الملك غازي الابتدائية، ثم دخل في مدارس منتدى النشر حتى تخرج منها في عام 1962، ثم حصل على شهادة الماجستير في العلوم الإسلامية من معهد الدراسات الإسلامية التابع لجامعة بغداد عن رسالته (أحكام السجون بين الشريعة والقانون) سنة 1969م، ثم حصل على شهادة الدكتوراه من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة عن أطروحته (استغلال الأجير وموقف الإسلام منه) سنة 1972 م. وأكمل أبحاث ما بعد الدكتوراه ليحصل على درجة الأستاذية ليدرس الاقتصاد حاصلًا على الدبلوم العالي من معهد الدراسات والبحوث العربية التابع لجامعة الدول العربية عام 1975 م .
أما الدراسة الحوزوية الإسلامية (الدينية) فقد درس علوم القرآن وحفظ آياته على يد الكتاتيب من قبل أستاذه الشيخ علي قفطان في مسجد الشيخ علي نواية على سفح جبل الطمة بالنجف. ومن ثم درس مقدمات العلوم العربية والإسلامية كاللغة العربية وعلومها والفقه والعقائد والأخلاق وكان أساتذته في هذه المرحلة كل من: الشيخ علي ثامر- الشيخ عبدالمهدي مطر- الشيخ هادي القرشي. ثم أتم مرحلة السطوح العليا بدراسته لأصول الفقه والفقه المقارن والفلسفة والمنطق، ومن أساتذته في هذه المرحلة: الشيخ علي سماكة- السيد علي مكي العاملي- السيد محمد تقي الحكيم- الشيخ علي كاشف الغطاء- الشيخ محمد حسين المظفر- الشيخ محمد رضا المظفر- الشيخ محمد تقي الأيرواني. ثم مرحلة البحث الخارج بحضور المباحث الفقهية ومباحث الأصول الفقهية لكبار المجتهدين من المراجع في وقتها أمثال أبو القاسم الخوئي ومحسن الحكيم ومحمد باقر الصدر، وقطع الأستاذ الوائلي شوطاً من حياته الدراسية التي يعتز بها في ظل هذه الكوكبة اللامعة.
ودرس الوائلي دراسات الجوامع (الحوزة) "ثلاث مراحل" المرحلة الأولى (مرحلة الأوليات)، المرحلة الثانية (مرحلة السطوح)، المرحلة الثالثة (البحث الخارج)، واستمر فيها عشرين عاماً.

في الحوزة

في الحوزة
ارتقى منبر الخطابة في سن الرابعة عشر حتى صار عميد المنبر الحسيني، حيث أنشأ مدرسة خطابية جديدة مختلفة عن سابقاتها بجمعه بين البحث العلمي والخطابة المؤثرة والشعر الأدبي. وقد استقطب إليه شريحة واسعة من المستمعين على مدى ثلاثة أجيال. تتلمذ على أيدي رواد الخطابة في ذلك العصر ومنهم: والده الخطيب الشيخ حسون الوائلي- الشيخ محمد علي القسام- الشيح محمد علي اليعقوبي- الشيخ مسلم الجابري- الشيخ محمد الكاشي- الشيخ جواد القسام- السيد باقر سليمون البهبهاني- السيد حسن شبر- الشيخ عبود النويني- الشيخ مهدي البديري.
وكانت مجالسه الابتدائية في النجف والكوفة والحيرة والفيصلية من بداية الأربعينيات من هذا القرن، واستمر يقرأ في مختلف المناطق العراقية كالبصرة والشطرة والناصرية والحلة وبغداد والمجر الكبير والسماوة والنجف وكربلاء وبعض القرى والمدن العراقية الأخرى. حتى عام 1951، وفيها دعا للقراءة في الكويت في الحسينية الخزعلية بمناسبة العشرة الأولى من شهر محرم.
واستمر في مجلسه هذا تسع سنوات بعدها انتقل إلى البحرين في عام 1960م حتى عام 1965م في مأتم ابن سلّوم، ثم عاد إلى الكويت واستمر حتى منتصف الثمانينات، ثم مضى إلى العاصمة البريطانية وقرأ فيها مجالس عاشوراء.
أما في العشرات الأخرى من الشهر فإنه يوزعها على أقطار وأمصار مختلفة عراقية وغير عراقية، أما في شهر رمضان فكانت مجالسه المشهودة في بغداد، ثم انتقل إلى مسجد الإمام علي بن أبي طالب في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة حتى عام 1995م.

الوائلي والسياسة

الوائلي والسياسة
لقد برز الوائلي في فترة زمنية حساسة شهدت سيطرة الاتجاهات المادية على الساحة، وكان المد الشيوعي والقومي لهما تأثير كبير على الثقافة العامة. 
فتصدى لوائلي لسياسية الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم، عقب نجاحه في إسقاط النظام الملكي، وتقريب الفكر الشيوعي في العراق، فرأى الوائلي أن قاسم يغير الهوية الإسلامية للعراق، فخاطبه في قصيدة شجاعة جريئة تحذره من سياسته في العراق.
ونفس الموقف اتخذه الوائلي مع عبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف، الذي وصفه الشيخ بأنهم طائفيين خلال سياستهم في حكم العراق، فانتقد سياستهم في قصيده مشهورة في مهرجان الأدباء العرب عام 1965م.
ومع بداية حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، غادر الوائلي النجف الأشرف إلى سوريا سنة 1979م بعد سياسية صدام بالتضييق على رجال الدين.

الصراع الشيعي السني

الصراع الشيعي السني
وكان الوائلي له العديد من المواقف المعتدلة فيما يتعلق بالخلاف السني الشيعي، وسب الصحابة، معتبرًا دائمًا أن الخلافات الإسلامية تفيد الاستعمار وتهدد وجود الأمة، وكان من الداعمين لجهود التقريب بين المذاهب الإسلامية.
يقول الوائلي: "الفروق الموجودة بين المذاهب الإسلامية ككل ومنها ما هو بين الشيعة والسنة فروق ناتجة عن أسباب… السبب الأول هو الفهم الخاطئ للأدلة العقائدية التي تتعلق بالإمامة التي تلي النبوة مباشرة، هل تكون الإمامة بالانتخاب، ويقال: إن رسول الله صلى عليه وآله وسلم لم يستخلف أحدًا وترك الأمر للمسلمين، والمسلمون التجئوا إلى منهج الشورى، أو إن القرآن الكريم له منهج والسنة النبوية الشريفة لها منهج في اختيار الإمام من بعد الرسول؟ أهل السنة يذهبون إلى أن النبي انتقل إلى جوار ربه ولم يرشح أحداً… سوى أنهم استنتجوا من أمره بأن يصلي في الناس أحد الصحابة وكانت السيدة عائشة قالت: ائتمروا أبا بكر فليصلّ في الناس، وصلى أبوبكر وقال المسلمون: ارتضاك رسول الله لديننا فكيف لا نرتضيك لدنيانا؟ هذا هو الرأي الذي ذهب إليه أهل السنة وقد يستدل بعضهم بآيتين هما في الواقع الأمر غريبتان على الاستدلال، الأولى هي: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} والآية الثانية {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} صدق الله العظيم. فليس للآيتين علاقة بنظرية الحكم، أما رأي الإمامية فالخلافة بالنص وبالجعل وهو رأي الشيعة. وهم يستدلون بآيات كثيرة منها: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}، {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَْرْضِ} صدق الله العظيم. هذا هو السبب الأول «المنهج إلى الإمامة» ولو اقتصر الأمر على المناقشة بفهم الأدلة لهان الأمر، ولكن تدخلت العوامل السياسية والعوامل القبلية وخلفيات أخرى فتضخمت الاختلافات فالسياسة ما دخلت شيئاً إلا وأفسدته. كما أن من أسباب الخلاف يرجع إلى مناهج في الفقه والعقائد عند أهل السنة ومناهج في الفقه والعقائد عن الشيعة".
ورأى الوائلي أمن من يكفر السنة من أهل الشيعة هو جاهل، ويقول: "هذا الشيعي جاهل ولا يعقل شيئاً من الدين فمن ينطق بالشهادتين فهو مسلم والذي يكفر مسلماً هو الكافر!!".
كما يرفض الوائلي شتم الصحابة، وكان يترضى عن الخلفاء أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب، ورأى أن الشتم والسب لم يكن موجودًا حتى خلافة معاوية، ولكن عقب سب معاوية الإمام على رد بعض الشيعة بسب الصحابة، ويقول: "أنا دائمًا أقول وأنا على المنبر إنه منذ أن جاء الإسلام إلى خلافة معاوية بعد مقتل الإمام علي هذا التاريخ كان فيه شيعة، وأنا أتحدى أن يكون في هذا التاريخ أي شيعي شتم الصحابة خلال هذه الفترة. ولكن عندما جاء معاوية بن أبي سفيان إلى الحكم وجاء الأمويون وأخذوا يشتمون الإمام علياً من على المنابر 80 سنة، تولدت بعض ردود الفعل عند البعض فشتموا الصحابة".
وكان الوائلي مع التقريب بين المذاهب الإسلامية وخاصة السنة والشيعة، ويري ان استمرار الخلاف هو يفيد أعداء الامة الإسلامية وخاصة المستعمرين، فيقول:" ان المستفيد من الخلافات بين السنة والشيعة قطعاً هو الاستعمار، والاستعمار يغذي الخلاف بين السنة والشيعة لأنه ليس من المعقول أن يستمر الخلاف بين السنة والشيعة أن الإمام «علي تقاتل مع معاوية» وإنما هناك مصالح عند البعض ولا يريد أن يتخلى عنها فهو يؤجج الفرقة والخلاف حتى يضمن مصالحه".

شعره

قدم قصائد خالدة من عيون الشعر العربي وقد تضمن ديوانه العديد من الأغراض كان أهمها مدح أهل البيت ورثاؤهم، والذي احتل القسم الأكبر من ديوانه وهو رثائياته المفجعة لسيد الشهداء والتصوير المؤلم لواقعة الطف بعد سرد نبذة قصيرة عن حياة الشاعر.
ورسم الأستاذ الوائلي قصائده المنبرية بريشة الفنان المتخصص الخبير بما يحتاجه المنبر الحسيني من مستوى الشعر السلس المقبول جماهيرياً وأدبياً، فكانت قصائده في أهل البيت طافحة بالحرارة والتأثير.
ومن شعره قصيدة (حمد) وقصيدة (سيارة السهلاني) وقصيدة (شباك العباس) وقصيدة (سوق ساروجه) وقصيدة (داخل لندن) وقصيدة (وفد النجف) وكلها من القصائد الرائعة. ويجري الشعر على لسانه مجرى السهل الممتنع بل ويرتجله ارتجالاً.
ورسم الأستاذ الوائلي قصائده المنبرية بريشة الفنان المتخصص الخبير بما يحتاجه المنبر الحسيني من مستوى الشعر السلس المقبول جماهيرياً وأدبياً، فكانت قصائده في أهل البيت طافحة بالحرارة والتأثير.
وللوائلي دواوين صغيرة مطبوعة تحت عنوان الديوان الأول والديوان الثاني من شعر الشيخ أحمد الوائلي، وقد جمعت بعض قصائده التي تنوعت في مضامينها في ديوانه المسمى باسم (ديوان الوائلي) والتي كانت من غرر أشعاره في المدح والرثاء والسياسة والشعر الإخواني. 
وهي أكثر من أربعين بيتاً طبعت في كتاب شعراء الغري للخاقاني مع مجموعة أخرى من شعره القديم.
وله قصيدة في رثاء علي الأكبر في خمس وأربعين بيتاً لم تطبع كذلك في ديوانه، طبعها السيد المقرّم في كتابه (علي الأكبر) .

مؤلفاته

مؤلفاته
ومن أهم مؤلفاته والتي تناول فيها جوانب مختلفة وطرق أبواباً شتى: هوية التشيع- نحو تفسير علمي للقرآن- من فقه الجنس في قنواته المذهبية- ديوان شعر2،1- أحكام السجون بين الشريعة والقانون- استغلال الأجير وموقف الإسلام منه- تجاربي مع المنبر- دفاع عن الحقيقة- المجالس الحسينية لخادم العترة النبوية- روائه محاضرات الوائلي- الموسوعة المنبرية في المجالس الرمضانية- محاضرات الوائلي.
وله مؤلفات مخطوطة هي: الأوليات في حياة الإمام علي- الخلفية الحضارية لمدينة النجف- مباحث في تفسير القرآن الكريم.

وفاته

وفاته
أصيب الشيخ أحمد بن حسون الوائلي بمرض السرطان ثلاث مرات وشفي منه، ثم رجع إلى العراق بعد سقوط نظام صدام حسين. وقد توفي في يوم الاثنين 14 جمادى الأولى 1424 هـ/14 يوليو 2003م، في الكاظمية بمدينة بغداد، وشيع إلى النجف مرورا بكربلاء ومن ثم دفن في مقبرته الخاصة إلى جوار كميل بن زياد النخعي.

شارك