سعيد حوى .. صقر الإخوان السوري

الثلاثاء 27/سبتمبر/2022 - 10:10 ص
طباعة سعيد حوى .. صقر الإخوان حسام الحداد
 
حمل دعوة جماعة الإخوان إلى سوريا عدد من علماء الدين السوريين الذين درسوا في القاهرة وتتلمذوا على يد حسن البنا، فتأثروا بمنهجه في التفكير ورؤيته للإصلاح، وكان في مقدمتهم مصطفى السباعي، وعبد الفتاح أبو غدة.. كان سعيد حوى من أهم من حمل هذا اللواء من بعدهم حيث تميز بغزارة الإنتاج وكثرة النشاط. 
السباعي والبنا
السباعي والبنا
ومنذ الستينيات من القرن الماضي، وجماعة الإخوان السوريين تعاني من ثنائية السباعية (مصطفى السباعي) والحامدية (محمد حامد)، ففي حين غلب على الاتجاه السباعي، طابع الاعتدال والمشاركة، مع القوى السياسية والجماعات الدينية الأخرى ، بتأثير الانفتاح الدمشقي، والبعد المديني لها، غلب على الاتجاه الحامدي ، طابع التشدد والانغلاق، بفعل بيئة حماه المعزولة، عن الحراك السياسي في البلاد، وأيضا بتأثير العلاقة بين دمشق والقاهرة – عبد الناصر ، حيث انحازت السباعية للناصرية ومشروعها الوحدوي ، في حين استجابت الحامدية، للصراع القومي – الإخواني في مصر وامتداداته في الإقليم ، وقد شكل العصيان المدني في حماه عام 1964 م، الذي قاداه الشيخين مروان الحديد وسعيد حوى ، تلامذة الشيخ محمد حامد، بداية الصراع البعثي – الإخواني الدموي، الذي وصل الى مرحلة انشقاق فرع حماه عن الجماعة عام 1969 م، ثم تشكيل الطليعة المقاتلة عام 1975 م.
وكانت الانتفاضة المسلحة للطليعة المقاتلة لجماعة الاخوان، بدأت إرهاصاتها الأولى عام 1975 م ، بجملة من الاغتيالات ، طالت العديد من الشخصيات البعثية والعلوية من الرموز الأمنية والعسكرية والكفاءات العلمية ، وفي عام 1980 م ، قامت الطليعة المقاتلة ، بمحاولة اغتيال الرئيس السوري حافظ الأسد ، اثناء توديعه لأحد الرؤساء الأفارقة ، من خلال تفجير قنبلتين يدويتين ، نفذها أحد حراس الرئيس، الذي كان ينتمي للطليعة المقاتلة ، تلاها بعد عدة أيام، قيام مجموعة من سرايا الدفاع ، بقيادة رفعت الاسد، بتنفيذ مجزرة سجن تدمر، والتي ذهب ضحيتها المئات من المعتقلين السياسيين، أغلبهم من جماعة الإخوان المسلمين، ثم تنامت الانتفاضة المسلحة على شكل تفجيرات ، طالت العديد من المدن السورية ، والتي أودت بحياة المئات من المدنيين، وكانت الانتفاضة المسلحة قد بلغت ذروتها ، وبقيادة عدنان العقلة (حلب) ، فيما سمى بمجزرة مدرسة المدفعية في حلب عام 1979 م، حين قام الضابط ابراهيم يوسف من الطليعة المقاتلة ، بتنفيذ مجزرة بحق طلاب المدرسة من الطائفة العلوية ، ذهب ضحيتها العشرات .
سعيد حوي
سعيد حوي
فمن هو مؤسس الطليعة المقاتلة في حماه وما هي ملامح شخصيته ؟ انه سعيد بن محمد ديب حوّى النعيمي - المعروف بسعيد حَّوى- ولد (1354 - 1409 هـ/1935 - 1989 م) ، في مدينة حماة بسورية في 28 جمادى الآخر سنة 1354 هـ الموافق ل 27 سبتمبر 1935م)، ونشأ في حماة لعائلة معروفة، فكان والده من رجال حماة، وله مشاركات واسعة في مواجهة الاحتلال الفرنسي لسوريا. وقد توفيت والدة سعيد حوى وهو في الثانية من عمره، فتعهدته جدّته بالتربية والتهذيب. إلى جانب دراسته عمل مع والده منذ صغره على بيع الحبوب والخضار والفاكهة، وكان من صغره مولعاً بالمطالعة والقراءة، وحفظ القرآن، وكانت تتولى تحفيظه سيدة كفيفة من أقربائه.
التحق سعيد حوى بمدرسة ابن رشد الثانوية، وبدا عليه التميز في عدة مجالات أبرزها تمكنه من الخطابة. في هذه الفترة المبكرة من حياته كانت سورية تموج فيها أفكار كثيرة وتيارات فكرية متعددة للقوميين والاشتراكين والبعثيين والإخوان المسلمين، لكن بحكم تكوينه الفكري الديني فقد انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين سنة (1372 هـ الموافق ل 1952م) وهو لا يزال في الصف الأول الثانوي. ويقول عن نفسه في هذا السياق  في كتابه – هذه تجربتي -"كان موجهي في الأُسرة الإخوانية الأستاذ مصطفى الصيرفي، وتأكدت تلمذتي على يد الشيخ محمد الحامد في هذه المرحلة ثم أصبحت مسئولاً عن الطلاب في مدينة حماة، وكان لي دور رئيسي في ثلاث مظاهرات طلابية:  الأولى: حين طالب الإخوان المسلمون في سورية بإدخال نظام الفتوة في المدارس الثانوية،  والثانية: احتجاجاً على إعدام الإخوان المسلمين في مصر، والثالثة: في ذكرى وعد بلفور، وكنت المتحدث الرسمي في هذه المظاهرات عن الإخوان المسلمين." 

في رحاب الجامعة وحلقات الدرس

مصطفى السباعي
مصطفى السباعي
التحق سعيد حوى بجامعة دمشق سنة 1376 هـ الموافق ل 1956م، ودخل كلية الشريعة بها، وتتلمذ على عدد من أهم أستاذة الشريعة وفي مقدمتهم الدكتور مصطفى السباعي أول مراقب لجماعة الإخوان بسورية، والفقيه مصطفى الزرقا، وفوزي فيض الله، ومعروف الدواليبي. كما درس على يد عدد كبير من الأساتذة، منهم الشيخ محمد الحامد، والشيخ محمد الهاشمي، والشيخ عبد الوهاب دبس، والشيخ عبد الكريم الرفاعي. تخرج سعيد حوى في الجامعة سنة 1381 هـ الموافق ل 1961م، وبعد عامين التحق بالخدمة العسكرية ضابطًا في كلية الاحتياط، وتزوج في هذه الفترة، فأنجب أربعة أولاد.

في ساحات العمل الدعوي

سيد قطب
سيد قطب
بعد خروجه من الجيش سافر إلى المملكة العربية السعودية سنة 1386 هـ = 1966م وعمل مدرسًا للغة العربية والتربية الإسلامية، ومكث هناك أربع سنوات عاد بعدها إلى سورية، حيث اشتغل بالتدريس في مدارسها لمدة ثلاث سنوات حتى تعرض للاعتقال والسجن لمدة خمس سنوات وذلك بسبب مشاركته في البيان الذي صدر في سنة (هـ1393= 1973م) مطالبًا بإسلاميّة سورية ودستورها. وكما فعل سيد قطب في مصر حال دخوله السجن فاستغل سعيد حوى هذه الفترة التي قضاها في السجن، وألف عددًا من الكتب، أهمها "الأساس في التفسير" الذي طبع في أحد عشر مجلدًا.

المشاركة في قيادة الإخوان

المشاركة في قيادة
بعد خروجه من المعتقل، تولى مسؤولية قيادة جماعة الإخوان في ظروف بالغة الحرج، حيث المراقبة والتقييد من السلطات هناك في الفترة من سنة (1979م) إلى سنة(1982م)، ثم ترك ذلك إلى المشاركة في قيادة التنظيم العالمي لقيادة جماعة الإخوان من سنة (1982م) إلى سنة (1984م)، ثم عاد إلى المشاركة في قيادة الإخوان في سورية من سنة (1985م) حتى سنة (1987م)، حيث أجبرته ظروفه الصحية على اعتزال العمل القيادي، بسبب إصابته بشلل جزئي، بالإضافة إلى أمراضه التي تكالبت عليه، كالسكري والضغط وتصلب الشرايين والكلى وضعف البصر، ثم لم يلبث أن دخل في غيبوبة الموت من (ديسمبر 1988م) حتى (9 من مارس 1989م) حيث توفي بعد معاناة وصراع مع المرض.

زياراته ورحلاته:

الإمام أبوالأعلى
الإمام أبوالأعلى المودودي
كما كانت له زيارات متعددة إلى كثير من البلاد العربية والإسلامية والأوروبية والأمريكية، وقد زار باكستان أكثر من مرة حيث قابل الإمام أبوالأعلى المودودي في الزيارة الأولى واستفاد من توجيهاته وإرشاداته في مجال الدعوة الإسلامية والعمل الجماعي.
وفي الزيارة الثانية لباكستان حضر تشييع جنازة المودودي، حيث كان و القرضاوي وسيف الإسلام البنا، وعبد العزيز المطوع وغيرهم، واجتمع بقادة الجماعة الإسلامية بباكستان، ثم ذهب إلى لاهور حيث التقى قادة المجاهدين الأفغان وحثّهم على التعاون والعمل المشترك ونكران الذات وإخلاص النية لله تعالى وجعل الجهاد خالصاً لوجه الله وفي سبيله وألا يكون للنفس فيه حظ.
وفي أواخر شهر مايو سنة 1979م سافر إلى إيران ضمن وفد إسلامي، حيث التقى الخميني ووزير الخارجية آنذاك إبراهيم يزدي وكمال خرازي وقام بشرح حقيقة ما يجري في سوريا، وناشدهم حق الأخوة الإسلامية نحو إخوانهم المسلمين في سوريا.

وفاة سعيد حوى

وفاة سعيد حوى
بعد معاناة طويلة مع المرض توفى سعيد حوى في المستشفى الإسلامي بعمان في 1989م، ودفن في مقبرة سحاب جنوب عمان بالأردن. وقد رثاه زهير الشاويش بقوله: "إن سعيد حوى كان من أنجح الدعاة الذين عرفتهم أو قرأت عنهم، حيث استطاع إيصال ما عنده من رأي ومعرفة إلى العدد الكبير من الناس، وقد مات وعمره لم يتجاوز الثالثة والخمسين، وهو عمر قصير، وترك من المؤلفات العدد الكبير، مما يلحقه بالمكثرين من المؤلفين في عصرنا الحاضر"

شارك