صالح سرية.. "الكارزما" .. ونهج "الثورة الإسلامية المسلحة"

السبت 23/يوليو/2016 - 02:24 م
طباعة صالح سرية.. الكارزما
 
 صالح عبد الله سرية الأردني الجنسية من أصل فلسطيني رأس تنظيم الفنية العسكرية، والمدبر الأساس له، وهو من مواليد قرية إجزم التابعة لقضاء مدينة حيفا الفلسطينية وتعلم فيها حتى نكبة عام 1948 ليهاجر مع أسرته إلى العراق، وأكمل دراسته الثانوية هناك.
نشأته الإخوانية 
انضم في بداية حياته لجماعة الإخوان المسلمين في العراق؛ ليدخل كلية الشريعة بجامعة بغداد بوساطة مباشرة من مرشد جماعة الإخوان المسلمين هناك، وقيل إنه التحق بكلية التربية في جامعة بغداد؛ حيث كان من العناصر النشطة فيها، ونال درجة الماجستير هناك عن أطروحته "تطوير التعليم الصناعي في العراق" (بغداد: دار الجاحظ، 1969)، والتي تعد من أوائل رسائل الماجستير التي تمنحها جامعة بغداد.
وسرعان ما أسس مجموعة فلسطينية بالعراق سماها "جبهة التحرير الفلسطينية" واستمر نشاطه متصاعدا حتى قيام ثورة 1958 بقيادة عبد الكريم قاسم، وبعد حدوث خلاف بين قاسم والإخوان لجأ إلى العمل السري، وقام بعدة عمليات ضد اليهود العراقيين من قتل واستيلاء على أموال لتمويل مجموعته بالأسلحة وحاول سرية التقرب من عبد السلام عارف بعد انقلابه على قاسم، لكنه فشل وتم اعتقاله عام 1965 وبعد الإفراج عنه حصل على الماجستير في الشريعة، وابتعد عن العمل السياسي لفترة، وبعد هزيمة 1967 عاد لنشاطه الفدائي وانضم إلى المجلس الوطني الفلسطيني، وحضر اجتماع المجلس بالقاهرة عام 1968 وبعد أن اتهم بالاشتراك في محاولة اغتيال أحمد حسن البكر، فرّ إلى سوريا، فالأردن وارتبط بحزب التحرير الإسلامي الذي أسسه "تقي الدين النبهاني" عام 1950، ثم جاء إلى مصر عام 1971 وحصل على درجة الدكتوراه في التربية من جامعة عين شمس عام 1972، وعمل بمنظمة التربية والثقافة والعلوم (الأونيسكو) بجامعة الدول العربية بالقاهرة.
لم يضيّع صالح سرية حال وصوله إلى القاهرة أي وقت، فاتجه مباشرة إلى منزل السيدة زينب الغزالي، والتي كان قد تعرف إليها في زيارة سابقة إلى القاهرة عن طريق طليقها الشيخ "حافظ التيجاني"، ونزل ضيفًا عليها مع زوجته العراقية بشرى النعيمي و9 من أبنائه ولعبت زينب الغزالي دورًا أساسياًّ في تقديمه إلى المرشد العام المستشار "حسن الهضيبي" وتعريفه بمجموعات الشباب الجديد ومنهم "طلال الأنصاري"، و"إسماعيل طنط. شيوخه 
يعد السلفي عبد الكريم الصاعقة ومحمد محمود الصواف من الشيوخ الذين تلقى على ايديهم العلوم الشرعية منذ عام 1956م. 
تأسيس تنظيم الفنية العسكرية 
سرعان ما أدرك صالح سرية أن الإخوان المسلمين في مصر غير راغبين أو قادرين على المواجهة مع نظام السادات، وذلك بعد لقائه ببعض قادتهم وعلى رأسهم المرشد العام، وكذلك لقاءاته مع كثير من قياداتهم أمثال الشيخين محمد الغزالي والسيد سابق، فعمل على تأسيس تنظيم مستقل يهدف للخروج على السادات. إلا أن هناك مفاجأة فجرها طلال الأنصاري في مذكراته، يرددها قادة الفنية العسكرية، وهو أن تنظيم الفنية العسكرية وحركته كانت في الأساس ضمن تحرك كبير من الإخوان المسلمين لمحاولة تقويض نظام السادات ولكن بطريقة مختلفة، فلو نجح الشباب المنظم الذي تلقاه صالح سرية من الإخوان عن طريق زينب الغزالي وصنع انقلابا ناجحاً تبناه الإخوان وسيطروا بذلك على الحكم، ولو فشلت المحاولة أنكرها الإخوان وقالوا إنها محاولة فاشلة من شباب متحمس غير مسئول ويتحمل هم نتيجة فعلهم وحدهم.
جمعت حركة الفنية العسكرية قادة المجموعات الشبابية الجهادية في ذلك الوقت، فمنهم من كان اتجاهه سلفياً مثل "إسماعيل الطنطاوي" ومنهم من يرفض فكرة الانقلاب العسكري، ويدعو إلى حرب عصابات طويلة الأجل مثل "يحيى هاشم" وهو وكيل نيابة بدأ نشاطه السياسي عام 1968م بقيادة مظاهرة من مسجد الحسين بالقاهرة بسبب هزيمة يونيو عام 1967م.
 وعقب فشل عملية الفنية العسكرية أدلى صالح سرية باعترافات مثيرة، منها قوله: «أنا اللي أنشأت هذا التنظيم.. وأنشأت فكرته وأنا خارج مصر.. ودي مسألة في دمي.. وجيت مصر سنة 1971.. وسنة 1973 في أوائلها بدأت أجند أعضاء له في مصر بقصد قلب نظام الحكم والإطاحة بالمسئولين فيها.. وتكوين حكومة برئاستي»، ويشرح ص 510 مفهوم القوة اللازمة لتحقيق هذا الهدف، فيقول: «وأقصد بالقوة.. القوة المسلحة التي تعد إعدادًا كافيًا لأفراد التنظيم بأن يتسلحوا في البداية بأي شيء مثل الخناجر والبلط.. وعن طريق التكتيك السليم وعنصر المفاجأة يستطيع هؤلاء الأفراد مهاجمة أي مخزن ذخيرة ويستولون على ما فيه من سلاح.. وبذا يستطيعون بعد ذلك أن ينتقلوا إلى مجالات أكبر يكون فيها رءوس البلد.. وفي مقدمتهم بطبيعة الحال السيد رئيس الجمهورية وأعضاء الجهاز التنفيذي.. ويستولوا على هذا المكان.. ويعتقلوا رئيس الجمهورية وقادة البلد؛ وبهذا نضمن السيطرة على البلد».
للمزيد عن عمليه الفنيه العسكرية ................ اضغط هنا
ثم يذكر في ص 518: «وفي يوم الثلاثاء 16-4-1974 قرأت في الصحف بأن فيه مؤتمر سيعقده رئيس الجمهورية مع أعضاء مجلس الشعب بمقر اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي قبل ظهر الخميس 18-4-1974.. وعلى هذا الأساس فقد قررت القيام بالعملية يوم الأربعاء ليلا»، ويستطرد في القول ص 530: «بمجرد دخولنا القاعة تسارع مجموعتان منا بقيادتي شخصيًّا إلى منصة رئيس الجمهورية ونعتقله على الفور.. وفي هذا الوقت فيه مجموعتان أخريان سوف تتجه إحداهما إلى يمين القاعة والأخرى إلى يسارها للسيطرة على القاعة.. ثم أتقدم إلى الرئيس بمطلب التنازل عن الرئاسة.. وأكرهه بالقوة المسلحة على التخلي عن رئاسة الجمهورية.. وأن يذيع بنفسه بيانًا على الشعب بالتخلي عن الرئاسة.. فإن رفض أمرنا وزير الإعلام أو غيره من المختصين في الإذاعة تحت ضغط القوة المسلحة بإعلان وقوع ثورة مسلحة استولت على الحكم في البلد»، ويقرر في موضع آخر ص 533 وبعد ذلك أجري بصفتي رئيسًا للجمهورية تشكيل وزارة جديدة.
ولم تكن لدى صالح سرية أي خطة أو برنامج كان يعتزم تطبيقه في حالة نجاحه في تحقيق حلمه في الاستيلاء على نظام الحكم بالقوة، فقد سئل ص 546 عن الأفكار التي كان ينوي تنفيذها عند ذاك، فأجاب: "معنديش أفكار محددة".
واستغرقت تحقيقات القضية حوالي 60 يومًا، وقدمت النيابة العامة في الجناية رقم 81 لسنة 1974 أمن الدولة العليا- إلى محكمة أمن الدولة العليا 92 متهما، معظمهم طلاب بالجامعات المصرية وبالكلية الفنية العسكرية، يتصدرهم زعيم التنظيم صالح عبد الله سرية، وأمراؤه الأربعة طلال عبد المنعم الأنصاري، كامل محمد عبد القادر، وحسن محمد هلاوي وكارم عزت حسن عبد المجيد الأناضولي، ووجهت للمتهمين من الأول وحتى الرابع والسبعين التهم الآتية:
1- محاولة تغيير دستور الدولة وشكل الحكومة فيها بالقوة.
2- تشكيل تنظيم سري مسلح يستهدف إسقاط الحكومة القائمة بانقلاب مسلح للاستيلاء على زمام الحكم في الدولة، وقد تولى المتهمون الخمسة الأوائل قيادة هذا التنظيم.
3- وقعت نتيجة ذلك جرائم القتل العمد والشروع فيه مع سبق الإصرار.
4- جرائم سرقة أسلحة جنود الحراسة.
5- احتلال مبنى الكلية الفنية العسكرية.
وأسندت إلى المتهمين من الخامس والسبعين وحتى التسعين ارتكاب جريمة الاشتراك في اتفاق جنائي مع المتهمين السالف ذكرهم، وأسندت إلى المتهمين الأخيرين الضابطين بالقوات المسلحة جريمة عدم إبلاغ السلطات المختصة بأمر هذا التنظيم الإرهابي رغم علمهما به.
 وعقدت محكمة أمن الدولة العليا برئاسة المستشار برهان العبد وعضوية المستشارين عبد اللطيف المراغي ووجدي عبد الصمد- عدة جلسات لنظر القضية استمعت خلالها إلى مرافعات النيابة العامة والدفاع عن المتهمين.
وقد شهدت جلسات المحاكمة واقعتين مثيرتين، الأولى عندما وجه وكيل النائب العام حديثه في المرافعة لصالح سرية، قائلا: "وإليك يا صالح. أما زلت تزعم أنك قد ابتغيت بعملك الرخيص.. أن تقيم دولة الإسلام في أرض السلام.. هل صدقت نبوءة المهدي المنتظر يا صاحب الأحلام.. من أنت أيها الإرهابي المتآمر.. أما كان الأحرى بك أن تتآمر على أعداء بلادك.. أعدائنا.. أعداء الدين، بدلا من أن تسفح دماء المسلمين في ديار المسلمين.. هل تعرف من أنت..؟؟».
وفوجئ الحاضرون بالقاعة بقوله صائحًا: «أنا كنت هحكمكم وأحاكمكم».
الحكم عليه 
أصدرت المحكمة حكمها بإعدام كل من صالح سرية وطلال الأنصاري وكارم الأناضولي وبمعاقبة قيادات التنظيم بعقوبات تتراوح بين الأشغال الشاقة المؤبدة والسجن، وبالبراءة لأربعين متهمًا من بينهم المتهم حسن هلاوي أمير التنظيم بالقاهرة.
وقد استندت في حكمها بتبرئة هذا العدد الكبير من المهتمين إلى عدم كفاية الأدلة بالنسبة لبعضهم، ولصغر سن البعض الآخر، وقام الرئيس السادات بتخفيف عقوبة الإعدام الصادرة في حق المتهم طلال الأنصاري إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، نتيجة وساطة والده الشاعر السكندري عبد المنعم الأنصاري، بينما تم تنفيذ حكم الإعدام على كل من صالح سرية وكارم الأناضولي.
قالوا عنه 
كان سرية يتمتع بشخصية كاريزمية فقد كان له تأثير قوي على كل من يلتقي به، فقد قال عنه "أيمن الظواهرى" زعيم تنظيم القاعدة في كتابه "فرسان تحت راية النبي": إن صالح سرية كان محدثاً جذاباً ومثقفاً على درجة عالية من الاطلاع والمعرفة، وكان حاصلاً على درجة الدكتوراه في التربية من جامعة عين شمس، كما كان متضلعاً في عدد من العلوم الشرعية، وإنه التقاه مرة واحدة أثناء أحد المعسكرات الإسلامية في كلية الطب، وحين دعاه أحد المشاركين في المعسكر إلى إلقاء كلمة في الشباب، وبمجرد استماعي لكلمة هذا الزائر أدركت أن لكلامه وقعاً آخر، وإنه يحمل معاني أوسع في وجوب نصرة الإسلام. وقررت أن أسعى للقاء هذا الزائر، ولكن كل محاولاتي للقائه لم تفلح.
كما يقول عنه رفيقه والقيادي الثانى بالتنظيم "طلال الأنصاري" في كتابه "صفحات مجهولة من تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة": "كان صالح سرية شخصية كاريزمية، لا يملك من يقابله فكاكا من أن ينبهر به.. خلقه.. شخصيته.. علمه.. قدرته الفائقة على الإقناع بأبسط الطرق وأيسرها، وقدرته على صياغة أعقد القضايا وعرضها في كلمات بسيطة وموجزة".
للمزيد عن مذكراته وحياته ............. اضغط هنا
 مؤلفاته
 تلخصت أفكار صالح سرية في وثيقة فكرية مهمة بعنوان رسالة الإيمان قام فيها بتلخيص أهم الأفكار المتعلقة بالجوانب السياسية على النحو التالي: 1- الجهاد هو الطريق لإقامة الدول الإسلامية.
2- الحكم بتكفير الحكام وجاهلية المجتمع واعتباره دار حرب.
 3- كل من ينفذ أوامر الدولة الكافرة ضد الإسلام والحركة الإنسانية فهو كافر.
4- التفريق بين الامتناع الجماعي والامتناع الفردي بمعنى أن الترك. الجماعي لأي ركن من أركان الإسلام كفر. 
 ومن مؤلفاته كتاب "بين الاتباع والتقليد". 

شارك