مراجعات الاخوان بين الوهم والحقيقة

الإثنين 20/مارس/2017 - 02:21 م
طباعة مراجعات الاخوان بين حسام الحداد
 
تعددت الدراسات في الآونة الاخيرة وأراء المهتمين بحركات الاسلام السياسي حول "مراجعات الاخوان" هل تؤدي الى هدم التنظيم الدولي للجماعة وان تتحول الجماعة فقط الى جماعة دعوية لا دخل لها في الشأن العام، أم انها سوف تقوم بفصل السياسي عن الدعوي الديني كما طالب الغنوشي في تونس وجمال حشمت القيادي الاخواني الهارب لتركيا؟ وغيرها من الاسئلة التي تم مناقشتها في بوابة الحركات الاسلامية في حينها، الا ان الدعوة للمراجعات قد ظهرت على السطح مرة اخرى حيث 
أعلنت جماعة الإخوان «جبهة محمد كمال» إجراء مراجعات فكرية، عقب دراسة وضع الجماعة والمواقف التي مرت بها منذ اندلاع ثورة ٢٥ يناير حتى الآن.
وقالت الجبهة المعروفة باسم «القيادة الشبابية»، في بيان لها، أمس، إن قيادات التنظيم بذلت جهوداً لخروج نسخة أولية لتلك المراجعة، تحت عنوان: « تقييمات ما قبل الرؤية.. إطلالة على الماضي »، وأشار إلى أن المراجعة جاءت من خلاصات لدراسات وأبحاث وورش عمل قام بها عدد من المتخصصين في علوم الاجتماع والسياسة والقانون والشريعة، بمشاركة بعض كوادر الإخوان بالداخل والخارج، واستدل ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، التي تؤكد وجود أوامر ربانية تحرض على وجوب المراجعة والتقويم والاعتبار حتى تنال الأمة الخيرية التي ارتضاها لها رب العالمين- حسب البيان.
وأضاف أن الجبهة تواصلت مع ما يزيد على ١٠٠ من المفكرين والسياسيين وأصحاب الرأي والشخصيات العامة والعلماء والمهتمين بالشأن الإخوانى، وسلمتهم نسخاً من هذه التقييمات للمشاركة الفعالة بالرأي والمشورة والنقد البَنَّاء. ونفت الجبهة أن تكون تلك المراجعات لتصفية حسابات أو تتضمن أي نقد شخصي لأحد أياً كان منصبه داخل الجماعة.
ويتضمن الملف أربعة محاور رئيسية، هي غياب ترتيب الأولويات في العمل العام وأثر ذلك على الثورة، والعلاقة مع الثورة، والعلاقة مع الدولة، والممارسة الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين.
وتحدثت الورقة الأولى لملف المراجعة عن ما وصفته بغياب ترتيب أولويات الإخوان في العمل العام وانعكاس ذلك على الثورة، لافتة إلى غياب العلاقات المتوازنة مع الكيانات المجتمعية الأخرى من الناحية التكاملية أو التنافسية أو الندية، وغياب مشروع سياسي متكامل للتغيير وإدارة الدولة، وغياب التعامل الأكاديمي المتخصص في إدارة وتحليل المعلومات.
وعن علاقة الإخوان مع ثورة يناير، أشارت الورقة الثانية للتقييمات إلى ضعف التصورات الفكرية والسياسية تجاه الثورة، واضطراب الخطاب الإعلامي قبل وفي أثناء وبعد الثورة، وعدم الاستفادة المثلى من الرموز الثورية وتقديم التنظيميين عليهم، وعدم الجاهزية السياسية لإدارة مرحلة الثورة الانتقالية، وعدم الانتباه لخطورة انفراد العسكر بوضع الأسس والأطر الحاكمة للمرحلة الانتقالية.
وعرض المحور الثالث طبيعة العلاقة بين الإخوان والدولة، من خلال طرح عناصر رئيسية، هي: العمل السياسي تحت السقف والأفق الذي فرضته الدولة وعدم محاولة رفع سقف ذلك أو تجاوزه، والرضا بكون جماعة الإخوان ملفا أمنيا طوال الوقت وعدم السعي لنقله إلى ملف سياسي، وغياب أي مؤشرات للطموح السياسي عمليا أو في مساحة تطوير الفكر السياسي أو التنظير له، وعدم انتهاز فرص الانفتاح والتمدد فيها، وعدم العمل الجاد لجعل حرمان منتسبي الإخوان من الوجود في المؤسسات العامة للدولة؛ كقضية رأي عام ضاغط أو مطلب عادل والاستسلام في ذلك للواقع.
أما الورقة الرابعة والأخيرة، فقد تحدثت عن علاقة جماعة الإخوان بذراعها السياسي حزب “الحرية والعدالة”، متطرقة إلى ما وصفته بـ “التداخل الوظيفي والمقاصدي بين الحزبي التنافسي والدعوي التنظيمي”، وتحدثت عن مدى جاهزية الجماعة السياسية، والتقصير في صناعة وتطوير القيادات والكوادر الحزبية، والتقصير في الإعداد لإدارة الدولة، والوقوع في مصيدة الأخونة.
إبراهيم منير، أمين
إبراهيم منير، أمين التنظيم الدولي للإخوان
وفى المقابل، قال إبراهيم منير، أمين التنظيم الدولي للإخوان، والمحسوب على جبهة «محمود عزت»، إنه لا يعرف شيئا عن المراجعات.
وأضاف أن هناك خلافات داخل الجماعة حول إدارتها، ووصفها بـ«الأمر الطبيعي». وشدد خالد الزعفراني، القيادي الإخوانى المنشق، على أن التنظيم الإخوانى لن يتراجع عن أفكار سيد قطب.
وقد اعتادت الجماعة تبني أفكارا تحدث كثيرا من التساؤلات وضجيجا مجتمعيا دون مضمون واضح او محدد المعالم فالمراجعات المنتظرة، بحسب البيان، لن تتناول قرارات الجماعة، خلال فترات حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، ولن تُقدم تقييما ونقدا للوزارة التي ضمت العديد من أعضاء الإخوان البارزين، مرورا بالبرلمان الذي ترأسوه وشكلوا فيه بالتحالف مع السلفيين أغلبية يمكنها تسويغ مستقبل البلاد، حسبما ترغب وتريد، ما يعني أننا أمام عرض وهمي جديد من تلك العروض التي دأبت عليها الجماعة خلال الفترات الماضية. 
طارق أبو السعد، القيادي
طارق أبو السعد، القيادي السابق بالجماعة
طارق أبو السعد، القيادي السابق بالجماعة، أكد أن بيان المراجعات الذي أصدره ما يسمي بالمكتب العام للجماعة، مليء بالمغالطات، ويعطي إشارات غير موفقة، موضحا أن الـ 100 شخصية عامة، التي أعلنت الإخوان الاحتكام إليهم في تمرير مراجعاتها، مقربين منهم وأتباع لهم، موكدًا أنها محاولات عدمية لاستهلاك الوقت للإيحاء للشعب أن الجماعة مهتمة بإعادة تقييم أفكارها، عبر مختصين من خارج عباءتها. 
وشدد القيادي السابق بالجماعة، على أن أي مراجعات تجري دون أن تناقش أساس نشأة الإخوان، وأحداثها التاريخية وأفكارها وجذورها، التي أسُست على سرية تنافي السلوك العام والدولة والقانون، لن تكون إلا قشورا لا يعول عليها. 
وأوضح أبو السعد أن البيان يعبر بشكل واضح عن أفكار «التيار الثالث» في الإخوان، وهي الفئة التي تمني نفسها بأن تعود إلى مربع ما قبل 25 يناير، جماعة غير شرعية، لكنها صاحبة قبول في الواقع، ولها تواجد على الأرض ومخالفتها السياسية والقانونية محدودة، مشيرا إلى أن الزمن لا يعود للوراء، وما كان يمكن قديما لم يعد يصلح للوقت الحالي.
طارق البشبيشي، القيادي
طارق البشبيشي، القيادي السابق بالجماعة
بينما أكد طارق البشبيشي، القيادي السابق بالجماعة إن مراجعات الكماليون المنتظرة، تجسيد للصراع المحتدم الآن داخل التنظيم، موضحا أنها مجرد محاولات من تلك الجبهة، للخروج من حالة الهزيمة النفسية التي مُنيت بها، بعد مقتل زعيمها محمد كمال، وتصفية أغلبية كوادرها الذين يطلق عليهم اللجان النوعية، موضحا أنها أوهام وشعارات فارغة ليس لها أي قيمة.
وأضاف: التنظيم الإخوانى، فكرة ضد الأوطان، وتتخذ التقية منهجًا حتى اللحظة المناسبة لتبنى العنف الشامل ضد الدولة والمجتمع مؤكدا أنه كان واضحا في حديث حسن البنا خلال رسالة المؤتمر الخامس، متسائلا: هل سيقوم الكماليون بانتقاد حسن البنا وأفكاره أم سيلتفون من أجل الخداع والخروج من أزمتهم.
وأوضح البشبيشي، أن الكماليين لم ينكر أحد منهم التنظيم الخاص وأعمال الإرهاب والعنف والقتل والتخريب التي مارسها الإخوان في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، مردفا: ماذا ننتظر منهم بعد ذلك. 
سامح عيد، الباحث
سامح عيد، الباحث في شئون الجماعات الإسلامية
بينما قال سامح عيد، الباحث في شئون الجماعات الإسلامية: إن حديث الإخوان عن إجراء مراجعات ليس جديدا، والاهتمام به مضيعة للوقت.
وأكد «عيد» أن أي مراجعات مزعومة دون إدانة العنف بشكل واضح، وتصحيح موقف الجماعة من مؤسسات الدولة المصرية التي تعاديها، ستكون هي والعدم سواء، والالتفات إليها نوع من تضييع الوقت ليس أكثر. 
فهل تكون هذه المراجعات بداية لحل وتفكيك التنظيم خصوصا مع كثرة الخلافات والصراعات على قيادة الجماعة والتي باتت منقسمة على نفسها وتعاني من ضربات داخلية وخارجية وفقدت العديد من اجنحة التنظيم الدولي؟ 
ان البعض من ناشطي ومنظري الجماعة طرحوا هذا التصور مؤخرا، لكن الشكوك أحاطت به على الفور، وأكد الكثير من خبراء الإسلام السياسي أن الجماعة، كعادتها دائما، تناور، إذ أن التنظيم هو حياتها ولا حياة لها من دون التنظيم. وقدأجمع مراقبون على أن اقتحام البعض من قيادات وحلفاء جماعة الإخوان لملفات كان من قبل محظور إثارتها، كالجدل الدائر حول فكرة حل التنظيم، يعكس مدى عمق أزمة الجماعة، والرغبة في الخروج منها، ولو بإثارة أفكار كانت من قبل ضمن المحرمات والمحظورات.
وألمح البعض إلى أن هذه الأفكار، التي كانت قد طرحت سابقا من قِبل كتاب ومفكرين، من الوارد أن تكون قد مررها قادة نافذون بالجماعة في محاولة للهروب إلى الأمام والقفز على الأزمة الداخلية التي يعانيها التنظيم من جهة، وكخطوة لحل أزمة التنظيم مع الدولة والمجتمع من جهة أخرى.
عصام العريان
عصام العريان
هيثم أبوخليل، القيادي بجماعة الإخوان، أعاد نشر مقالات قديمة تعود إلى عام 2009 كتبها عصام العريان، أحد قادة الإخوان المسجونين، طرح فيها فكرة تفكيك التنظيم، واعتبر أبو خليل أن هذا الطرح يمثل أهم ما كتب العريان قبل أن تلتهمه طواحين التنظيم وتعقيداته خاصة مع دخوله مكتب الإرشاد.
وطالب أبو خليل بتنفيذ الفكرة، وقال إن “وجود التنظيم يترتب عليه النزوع إلى الغلو والتشدد بدلا من الوسطية والمرونة، والتنظيم عادة ما يدفع إلى الانغلاق والعزلة، فضلا عن قابليته لممارسة العنف في أي مرحلة، دفاعا عن وجوده إذا ما تعرض للخطر”.
وقد نشرت العرب اللندنية تقريرا عن تفكيك الجماعة يؤكد ان هذه الفكرة سبق أن طرحها في السابق البعض من قادة ومنظري الجماعة المتشددين، واستدعى أحدهم شعار جماعة الإخوان “الإسلام هو الحل” لينسج على منواله شعارا يضع التنظيمات أمام واقع إصلاح أوضاعها أولا قبل التفكير في إصلاح المجتمعات، وهو شعار “الحل هو الحل”، وكان منهم عبدالله النفيسي في الكويت وجاسر عودة في قطر وعبدالستار المليجي في مصر.
وبرأي هؤلاء، فإن تجاوز مرحلة التنظيمات والبدء في شراكة مع الدولة الوطنية هما سر نجاح “الإسلاميين” بالمغرب وتونس عندما مارسوا السياسة بتكاملية مع مختلف التيارات، وشددوا على صعوبة إدماج الإسلاميين في المجتمع طالما ظلت تنظيماتهم على شكلها وإطارها التقليدي الأبوي القبلي المنفصل عن الدولة ومصالحها العامة.
وحل التنظيمات لنفسها تلقائيا، ليس أمرا جديدا، وكان قد طُرح للنقاش منذ سنوات والآن يُعاد طرحه بقوة مع أزمة تنظيم الإخوان المستعصية بمصر، بالمقارنة مع نجاح كيانات محسوبة على الحالة الإسلامية في البعض من الدول العربية، يقل فيها الحضور التنظيمي لصالح العمل العام المفتوح.
وتعقيبا على مطالبات قيادات من الإخوان في الخارج بضرورة حل التنظيم نهائيا، أكد خبراء في شؤون الحركات الإسلامية، أن حل التنظيم لو تحقق، فسيكون خطوة تكتيكية مرحلية على خلفية الأزمة التي يحياها التنظيم، ولن يكون خيارا استراتيجيا أو معالجة بنيوية دائمة من شأنها زعزعة العلاقات البينية في جوهر بناء الجماعات الراديكالية بالدول العربية.
ويقول تقرير العرب اللندنية انه وبحسب بعض المختصين، فإن جماعة الإخوان بمصر نجحت قبل عام 2011 في بناء تنظيم عملاق تتفاوت التقديرات بشأن عدد أعضائه ما بين مئة ألف إلى نصف مليون عضو عامل، يدفعون الاشتراكات المالية الشهرية وينتظمون في الأسر التي هي أصغر وحدة تنظيمية، ويعقدون لقاءات أسبوعية، إضافة إلى اجتذاب مؤيدين ومتعاطفين يزيد عددهم عدة مرات على عدد الأعضاء، لكن تلك التقديرات تأثرت بشكل كبير بعد صعود الإخوان للسلطة ثم عزلهم عنها.
الإخوان اختصروا مشروعهم في بناء تنظيم حديدي خارج القوانين المنظمة، وصاغوه على مثال الدولة نفسها، حتى في أدق تقسيماته الإدارية التي كانت تتفق مع التقسيمات الإدارية للدولة المصرية.
مكتب الإرشاد في الجماعة يوازي مجلس الوزراء، ومجلس شورى الجماعة يقوم بمهام البرلمان، ومكاتبها الإدارية بمثابة المحافظات، والمناطق تنطبق حدودها مع الدوائر الإدارية الانتخابية تماما، وهكذا صار التنظيم دولة داخل الدولة، بحيث أنه إذا احتاج (التنظيم)، وقت احتدام الصراع، إلى جيش وجهاز أمني يحميه قام بإنشائه، كما أنشأوا ما عُرف بـ”جهاز أمن الدعوة” كوحدة استخباراتية لجمع المعلومات على غرار جهاز أمن الدولة المصري السابق (الأمن الوطني حاليا).
وأوضح مراقبون أن الوضع القائم وما آلت إليه الصراعات أخيرا في المشهد المصري يدفعان جماعة الإخوان إلى التمسك أكثر بتنظيمها وليس العكس، لأن التحول للعمل العام دون وجود “التنظيم”، سيفقد الجماعة ما كانت تناور به وتحفظ به قاعدتها الشعبية، سواء على مستوى الخطاب الأيديولوجي أو من خلال اجتذاب الجماهير عبر الخدمات الاجتماعية والخيرية.
لذلك استبعد خبراء أمنيون أن تقوم جماعة الإخوان بحل التنظيم من تلقاء نفسها، لأن المواجهة التي تخوضها الجماعة مع الحكومة المصرية تعطي الأولوية للحفاظ على نصرة الجماعة، وتجعل التماسك التنظيمي أولوية مطلقة، كثابت استراتيجي يعبر عن منهج متجذر في عقيدة الإخوان كجماعة تطرح نفسها بديلا كاملا للدولة بكل أجهزتها، ولذلك فإن المواجهة بينهما حتمية ومزاعم حل التنظيم تأتي غير منسجمة مع هذا السياق، إلا إذا وردت في إطار المناورات التكتيكية. 
محمد مرسى
محمد مرسى
وبالتالي فان فكرة المراجعات وجديتها درب من دروب الوهم التي تصدره الجماعة للشعب المصري قبل تصديره للنظام الحاكم، فهي تحاول بهذه المراجعات استمالت اكبر قدر من الجمهور لها دون تقديم مراجعات حقيقية وان هذه المراجعات انما هي شبيهة الى حد كبير بمشروع النهضة الذى روج له محمد مرسى في بداية حكمه.
ولقد استبعدت مصادر سياسية بالقاهرة، أن تكون مثل هذه الخطوة محل حفاوة من أجهزة الدولة، أو من الأطياف السياسية والفكرية المصرية، وكشف سياسيون عن أن النظام المصري والبعض من القوى السياسية يهمهما بقاء جماعة الإخوان كما هي من دون تطوير، في إشارة إلى أن تلك الوضعية تعمق من عزلة الجماعة السياسية والمجتمعية.
بقاء الجماعة على حالتها التنظيمية المغلقة، يفقدها المرونة والقدرة على التأقلم السياسي والمجتمعي، بما يعزز من قدرة الحكومة وأجهزتها على محاصرتها وتحجيم دورها وتأثيرها في الشارع السياسي، بما يؤجل إلى أبعد مدى عودتها من جديد للتأثير في مجريات المشهد السياسي.
موضوعات ذات صلة

شارك