دراسة "من الأشبال إلى الأسود: نموذج المراحل الست لدمج الأطفال داخل الدولة الإسلامية"

الأربعاء 14/يونيو/2017 - 11:27 ص
طباعة دراسة من الأشبال
 
كشفت دراسة حديثة عن المراحل الست لتنشئة الأطفال في داعش بعد ان  أدى التراجع الميداني لتنظيم "داعش" في أماكن تمركزه الرئيسية في سوريا والعراق، والخسائر المتتالية في صفوف قياداته وكوادره، إلى اتجاه التنظيم لتجنيد الأطفال، والاستعانة بهم في العمليات العسكرية لتعويض النقص في صفوف التنظيم.
 وجاءت الدراسة تحت عنوان"من الأشبال إلى الأسود: نموذج المراحل الست لدمج الأطفال داخل الدولة الإسلامية"، التي أعدها كل من "جون جي هورجان" و"ماكس تايلور" و"ميا بلوم" و"تشارلي وينتر"، وقد تم نشر هذه الدراسة في دورية "دراسات الصراع والإرهاب" في عام 2017 وتم عرضها فى من قبل  نهاد محمود، الباحثة في العلوم السياسية  بمركز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة . 
تُركز الدراسة على أن تنشئة الأطفال داخل الجماعات الدينية المتطرفة غالبًا ما تتم في سياق ما يُعرف "بمجتمعات الممارسة" (Community of Practice)، والذي تحدث عنها وطورها كل من فينجر ولافي عام 1988، ويركز هذا المفهوم على العادات والمعرفة التي يكتسبها الوافدون الجدد للانخراط في المنظمة، والصعود إلى مركزها.
وأكدت دراسات أخرى أن الالتزام الصارم لعقود طويلة بممارسات بعينها يؤدي إلى ترسيخ مجموعة من العادات لدى الفرد، وهو ما يُعدُّ الأساس الذي تقوم عليه "جماعة الممارسة"، وهو ما تحاول بعض الجماعات الإرهابية -مثل داعش- الاعتماد عليه، خاصة مع الأطفال الذين يكونون أكثر استعدادًا للانخراط في مثل هذه الجماعات واكتساب عادات جديدة.
تنبأت بعض الدراسات منذ عام 1996 بأن الإيذاء والاستغلال المتعمد للأطفال قد يصبح في وقت لاحق أحد أهم العوامل التي تُحدد مسار العنف، سواء من قبل الدولة أو فاعلين غيرها، ومثال على ذلك ما حدث في مجزرة بيشاور التي اندلعت بباكستان عام 2014، حين قام مسلحون ينتمون إلى حركة "طالبان" بشن هجوم على إحدى المدارس التي يديرها الجيش الباكستاني في مدينة بيشاور، والذي نتج عنه مقتل 132 تلميذًا. وفي محاولة منهم للتبرير صرحوا بأنهم قاموا بهذا الهجوم ردًّا على الجيش الباكستاني الذي قام باستهداف عائلاتهم وذويهم، حيث إنهم أرادوا أن يُشعروهم بالآلام التي شعروا بها عقب فقدان ذويهم.
وهي النبوءة التي ثبتت صحتها فيما بعد، فقد وثَّق كتاب "الأطفال أثناء الحرب" لـبيتر دبليو سينجر" Peter W. Singer ما يحدث للأطفال خلال الحروب والنزاعات؛ حيث ذكر أن عدة دول تقوم بإشراك الأطفال كمقاتلين خلال الصراعات التي تنخرط فيها. فمثلا كان "جيش الرب" (إحدى حركات التمرد المسلحة بأوغندا) يتألف تقريبًا من المقاتلين الأطفال بينما شارك في رواندا آلاف من الأطفال دون سن الرابعة عشرة في الإبادة الجماعية الرواندية. وفي السودان قُدر عدد الذين حاربوا أثناء الحرب الأهلية بمائة ألف طفل.
ونتيجة لكل هذا فقد حظيت قضية تجنيد الأطفال باهتمام دولي واسع النطاق تجسد عام 2007 في مبادئ باريس التابعة للأمم المتحدة بشأن انخراط الأطفال في الصراعات المسلحة، حيث جاء من أبرز مبادئها اعتبار أن استخدام الأفراد دون الخامسة عشرة عامًا في الصراعات المسلحة يُعد جريمة حرب من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
كما قد يتم توظيفهم كدروع بشرية، واستخدامهم كأهداف سهلة للقنص في الصراعات المسلحة؛ فقد كشف تقرير صادر عن مجموعة أبحاث أكسفورد عام 2013 أن ما يزيد عن 11 ألف طفل قد لقوا حتفهم خلال النزاع السوري، كما توصل إلى أن أعلى معدل لوفاة الأطفال جاء من نصيب المدينة السورية حلب، حيث لقي أكثر من ألفي طفل بها حتفه، وأبرز التقرير أن القناصة الداعمين للنظام السوري قاموا عمدًا باستهداف ما يقرب من 400 طفل.
ترى الدراسة أن السبب الرئيسي لانضمام صغار السن إلى هذه الجماعات أنهم ببساطة أطفال لا يدركون خطورة ما يُلقون بأنفسهم فيه، كما أن أعضاء هذه الجماعات لا يجدون صعوبة كبيرة في إقناعهم، فمحاولات بسيطة تكفي لانضمامهم، خاصة إذا تم استغلال ظروف حياتهم القاسية التي يمرون بها والتي يريدون الفرار منها، إذ يعتقدون أنهم بسلوكهم هذا الطريق سيتمكنون من توفير الأموال اللازمة لهم ولأسرهم.
وليس أدل على ذلك مما يحدث في اليمن اليوم، فمتابعة ما يجري هناك تكشف أن تفاقم ظاهرة الفقر لديهم شكّلت أحد أهم أسباب انضمام الأطفال إلى الجماعات المسلحة، لا سيما عقب إغلاق معظم المدارس التي كانوا يلتحقون بها، إضافةً لذلك فقد يقبلوا الانخراط في الجماعات المسلحة فقط لأن أقرانهم انضموا إليهم.

وتتمثل دوافع الجماعات الإرهابية في تجنيد الأطفال: التكلفة المنخفضة التي ينفقونها عليهم مقارنة بما يتكبدونه في حال تجنيد الكبار البالغين، كما أن ما يُرجِّح كفة الأطفال في التجنيد قدرتهم على إنجاز بعض المهام الموكلة إليهم بكفاءة أكثر من الكبار الذين قد يثيرون الشك أثناء أدائها مما يُفشل المهمة برمتها، وعليه تستغلهم الجماعات في المهام الدقيقة، كالتسلل بالأسلحة الخفيفة عبر نقاط التفتيش والقواعد العسكرية.
في إطار تركيز الدراسة على "داعش" كمثال لما تقوم به الجماعات المسلحة من تجنيد للأطفال، يتم التعرض بشكل أساسي إلى المراحل التي يعتمدون عليها من أجل إدماجهم داخل التنظيم، والتي تتمثل فيما يلي:
1- الإغواء Seduction: حيث يقوم خلالها التنظيم بعرض أفكاره وممارساته لأول مرة على الأطفال، وذلك عبر لقاءات غير مباشرة تجمعه بهم في مناسبات عامة يلتقون خلالها بأفكار بعض الأعضاء داخل التنظيم.
2- التعليم Schooling: والتي يتم خلالها تلقين الأطفال بشكل مكثف مبادئ وممارسات التنظيم، إضافةً إلى مقابلتهم المباشرة بالقادة المسئولين عن التنظيم.
3- الاختيار Selection: يتم وفقًا لاهتمامات وكفاءة كل طفل حيث يتم استقطابهم للتنظيم وتدريبهم وإعطاؤهم مهام مختلفة يتم من خلالها اكتشاف قدراتهم.
4- الإخضاع Subjugation: حيث يتعرضون لتدريبات مكثفة جسدية ونفسية تتضمن قدرًا كبيرًا من الوحشية، ويتم خلالها عزلهم عن أسرهم، وإرغامهم على ارتداء زي موحد، وتعميق الالتزام داخلهم بقيم الولاء والتضحية والتضامن الذي ينتج عن المشقة المشتركة التي يواجهونها.
5- التخصص Specialization: في هذه المرحلة يسعي أعضاء التنظيم إلى تعزيز الخبرات التي تم اكتسابها خلال فترة التدريب، بالإضافة إلى اجتيازهم المزيد من التدريبات المتخصصة.
6-  التعيين Stationing: حيث يتم خلاله تعيين كل طفل في الدور الملائم له وفقًا لكل ما سبق، مع اختيار بعض الأطفال للمشاركة في المناسبات العامة من أجل ترشيح واستقطاب أعضاء جدد.
ختامًا، يجب وضع الخطط والبرامج التي تعمل على إعادة إدماج هؤلاء الأطفال في المجتمع مرة أخرى، ومنع أية محاولات لتجنيدهم، والعمل على إيجاد حلول للمشكلات الاجتماعية والمادية التي تواجه الأطفال وتدفعهم لذلك الطريق، بالإضافة إلى الحرص على تلقينهم التعليم الجيد والتدريب المهني وكافة المهارات الحياتية التي تعدهم جيدًا لمواجهة التطرف الفكري، على أن يتم كل ذلك تحت إشراف مراكز الرعاية المتخصصة.
المصدر:
John G. Horgan , Max Taylor, Mia Bloom & Charlie Winter, “From Cubs to Lions: A Six Stage Model of Child Socialization into the Islamic State”, Studies in Conflict &Terrorism, Vol. 40, 2017

شارك