قراءة جديدة للعلاقة بين الدين والدولة في الإسلام

الأحد 26/مايو/2019 - 01:41 م
طباعة قراءة جديدة للعلاقة حسام الحداد
 
يهدف البحث المعنون "الإسلام وأصول الحكم: بحث في جدلية الدّيني والسياسي في الفكر العربي المعاصر"، للباحث المغربي جمال العزاوي ، يشغل منصب أستاذ الفلسفة بسلك الثانوي التأهيلي في القنيطرة، إلى دراسة العلاقة الجدلية القائمة بين الدّين والدّولة في الإسلام المبكّر، وإبراز كيفيّات انعكاسها على الفكر العربي المعاصر. ويركز في ذلك على نص "الإسلام وأصول الحكم" للشيخ الأزهري علي عبد الرّازق، الذي تكفل بإعادة استقراء الأسس التاريخية والسياسية والدّينية، التي شكّلت المبدأ المطلق لقيام التجربة السياسية العربية ـ الإسلامية في شموليتها؛ وذلك بهدف إدراك مختلف الآليات الاستدلالية التي توسّل بها، في إطار تفعيل جدله الفكري مع مجمل تيّارات الإسلام السياسي؛ بهدف تقويض ادعاءاتها القائمة على اعتبار أن مفهوم الخلافة هو النواة الصلبة المؤسّسة لعمق الصّيرورة التاريخية والدّينية والسياسية للاجتماع العربي ـ الإسلامي في كليته. تلك الادعاءات التي جعلت مختلف تيّارات الإسلام السياسي تنطلق من رؤى ماضوية استندت في مجملها على سرديات كبرى يمكن اختزالها في حتمية إعادة إحياء (دولة الخلافة على مِنهاج النّبوّة)؛ باعتبارها الدولة المثال المكلفة بحراسة (الدّين والدنيا)، والنموذج الأسمى القادر على تحقيق انفلات الاجتماع الإسلامي من مختلف أزمات الفوات الحضاري الذي يعاني منه.
ويؤكد الباحث أنه على أساس ما سلف، يمكن القول إنّ نفي التداخل الماهوي بين الدّين والسياسة في الإسلام المبكّر شكّل منتهى المشروع الفكري الرّازقي، وهو ما سنحاول استئناف توضيحه، من خلال ثلاثة محاور أساسية: الأول، يُعنى ببيان قضية مركزية تتمثّل في كون نص "الإسلام وأصول الحكم"، قد كان موجّها بهم معرفي تأصيلي، ينبني جوهريًا على بيان قصور المنطق الذرائعي الذي توسّلت به تيّارات الإسلام السياسي، وهي في إطار التّدليل على أن مفهوم الخلافة هو المفهوم الشّرعي الذي عن طريقه تتاح إمكانية التملك المعرفي التّاريخي والسّياسي العربي ـ الإسلامي. أما المحور الثاني، فقد جعلناه منصبًّا حول إيضاح امتناع النّص الدّيني والسنّة النّبوية، عن تقديم أيّ دليل شرعي واضح يحدّد بكيفيّة شفّافة معالم تأسيس الدّولة الإسلامية؛ وذلك بهدف إبراز أن مقولة (دولة الخلافة حارسة الدّين والدنيا) ما هي إلا مقولة سيّاسية، كان من وراء استثمارها نظريًا ومُمارسيًا من قِبل تيّارات الإسلام السيّاسي، العمل على تحويل عقيدة الإسلام إلى أيديولوجيا سياسية. أما المحور الثالث، فسيكون مخصّصًا لبيان أن الإسلام رسالة لا حكم، ودين لا دولة. وذلك من أجل إبراز أن القول بتأسيس (دولة الخلافة على مِنهاج النّبوّة) كما تدّعي ذلك مختلف تيّارات الإسلام السّياسي، هو قول ينفي ذاته بذاته؛ على اعتبار أن نهج النبي محمّد، لم يكن نهجًا يتغيّا تأسيس كيان دولتي، بقدر ما كان مُبلغا لرسالة دينيّة روحية محضة، وهو ما يدل على أن المشروع الفكري الرّازقي، بفضل انفلاته من مأزق أسْطرة التاريخ السيّاسي العربي ـ الإسلامي، والتعالي بشخوصه المؤسّسة له، قد شكّل أولى المشاريع الفكرية الرّامية إلى تحديث النظرية السّياسية العربية ـ الإسلامية في شموليتها، ومُمارستها من داخل الفكر العربي المعاصر، وعلمنتها.

شارك