«مجرد ذكريات».. يكشف دور اليسار في مواجهة العدوان الثلاثي.. وتخاذل الإخوان

السبت 17/أغسطس/2019 - 10:15 ص
طباعة «مجرد ذكريات».. يكشف حسام الحداد
 
فى كتابه المهم «مجرد ذكريات»، يقول الدكتور رفعت السعيد لقد كان رد الفعل الإخوانى على العدوان الثلاثى عام ١٩٥٦ غريبًا، ففى حين كان الشيوعيون يرفعون شعار «الدفاع عن الوطن» رفع الإخوان شعار «لا عدوان إلاّ على الظالمين».
«يتحول السياسي، إذ يطلق شعاراته إلى ممثل يتلبسه الدور المسرحي، فيفعل المستحيل كى يتقن أداء الدور، ومن هنا... فأنت قد ترفع شعارًا سياسيًا لا يلبث أن يتلبسك فيستبد بك» ١٧٢ ص.
لهذا كانت عاطفة اليساريين مشدودة إلى الوطن، ومواجهة العدو، وكان الإخوان المسلمون بين منشق، وأكثرهم ضباط سابقون فى الجيش» مثل فؤاد جاسر - حسين حمودة - جمال ربيع» أوجعتهم عقيدتهم العسكرية إذ وجدوا قيادتهم الإخوانية تمتلىء سرورًا بالعدوان على جيشهم ووطنهم» ١٧٢ص.
وانقسم الإخوان إلى جماعة ترى نفسها «جماعة المسلمين وأخرى ترى نفسها جماعة من المسلمين»، وفسّر شيخ الجماعة «شريت» منامًا يبشر فيه بسقوط عبدالناصر فى عدوان ١٩٥٦م. التعبير الطبقى لجماعة الإخوان:
كان السجن صورة مصغرة للمواقف الطبقية لكلا التيارين السياسيين، اليساريين والإخوان المسلمين، ففى حين كان الشيوعيون فى مأكلهم وعلاقتهم قائمة على إلغاء التمايزات بينهم، ليس انعكاسًا لتنظير وإنما حالة فطرية طبيعية تفرضها ظروف السجن، كان الإخوان يبنون مجتمعًا طبقيًا داخل السجن.
فرأس المال الذى كان يأتى إلى السجناء اليساريين من أهاليهم كان يجرى تأميمه «ليس قسرًا، ولا إعمالًا لما فى الكتب من نصوص، وإنما لنوازع فطرية، ففى مكان كهذا هل يطاوعك قلبك أن تنزوى فى ركن خيمة يعيش فيها عشرة أشخاص لتأكل منفردًا، أو تشرب شاى وحدك، أو تدخن سيجارة دون غيرك» ١٨٠ص.
لكن الإخوان فى الطرف الآخر، استندوا إلى فهمهم الخاص للحلال والحرام، وخصصوا زكاة للجماعة وليس للفقراء، أقاموا مجتمعًا غريبًا أساسه التمايز بين الأغنياء والفقراء، وسادة وخدمًا، فقد وصل الأمر بالأستاذ حامد أبوالنصر، المرشد العام للإخوان فيما بعد «بأن اكترى خادمًا من بين إخوته السجناء، ألبسه طربوشًا أحمر، وحزامًا أحمر وأوقفه بباب خيمته، ليلبى كل ما يأمر به "أليس هذا حلال فى الإسلام؟" ونبت فى داخل المجتمع الجديد "مجتمع «الإخوان» شوك مستسلم يعمل فى كل المهن المفترضة وغير المفترضة، حتى من يغسل الملابس بأجر وآخر يكويها، وثالث يعد الطعام للسادة.
باختصار أقام الإخوان متسلحين بمنطق الحلال والحرام مجتمعًا طبقيًا وحشيًا، وقد ساد منطق الحلال والحرام افتقدت بعض التصرفات إمكانية التلاؤم حتى مع القيم. فواحد من قادتهم زارته زوجته، وبجوار غرفة المأمور، أى بجوارنا جميعًا أقاموا خيمة مستعجلة، وأوقفوا أمامها حارسًا كى يختلى الرجل بزوجته، أليس هذا حلالًا؟
وككل المجتمعات الطبقية احتاج الأمر إلى جهاز أمن ورجال الجهاز السرى لجماعة الإخوان جاهزون، يراقبون الحاجز الممتد بيننا وبينهم» ١٨١ص. وبسبب الخلاف حول موضوع: هل هم جماعة المسلمين أم جماعة من المسلمين، فقد قام جهاز الأمن الذى شكلوه داخل السجن بتنفيذ الحد على الشيخ فارس، وهو من مؤسسى الجماعة، ولأنه يقول برأى «إنهم جماعة من المسلمين» فلقد «تولى الأخ مهدى عاكف "أحد قادة الجهاز السري، ولم يزل قائدًا فى صفوف الجماعة حتى الآن" إقامة الحد. لا يوجد سيف كى يضرب بحده، فانتزع من الأرض وتدًا من ذلك الذى يثبتون فيها الخيام، وشج به رأس المارق الشيخ فارس» ١٨٣ ص.
لقد كان العدوان الثلاثى مؤلمًا على اليساريين خوفًا على الوطن، فقرروا المشاركة الوجدانية، ولو بأسلحة من خشب، مع تمارين يومية داخل السجن، أما الإخوان باستثناء من شق عصا الطاعة وخرج عن الجماعة فقد «كانوا يعولون بهتافات مدوية كلما استمعوا عبر الراديو "الذى يملكونه سرًا مثلنا" ما يفيد بانتصار العدو، وكانوا سعداء بهزيمة الوطن، ويهتفون من أعماقهم فى سرور فاضح «الله أكبر، ولا عدوان إلاّ على الظالمين» وهذا الفعل الفاضح ضد الوطن كان إيذانًا بانقسامهم إلى مؤيدين ومعارضين «تذكرت هذا الفعل الفاضح عندما قرر متأسلم آخر فى حديث تليفزيوني، ودون خجل أنه سجد لله شكرًا عند سماعه هزيمة عبدالناصر فى ١٩٦٧م» ١٨٣ص.

شارك