داعش من أدلجة البدايات إلى ضبابية النهايات

الثلاثاء 15/أكتوبر/2019 - 09:06 م
طباعة داعش من أدلجة البدايات د. عماد عبد الرازق
 
يتناول هذا الكتاب داعش إلى أين؟ جهاديو ما بعد القاعدة تجربة داعش، ويحلل ظروف ونشأة هذا التنظيم، والخلفيات الاجتماعية والعقائدية والسياسية لقادته وعناصره، كما يلقي الضوء على العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى بزوغ نجم هذا التنظيم على الساحة العالمية؛ خاصة تصاعد الموجة الطائفية في المنطقة، وتعمق مظاهر الفقر والبطالة مقابل انهيار مؤسسات الدولة الوطنية في العراق وسوريا.
كما يتضمن هذا الكتاب إشارات إلى اختلاف تنظيم داعش عن التنظيمات الجهادية الأخرى، والتباين مع تنظيم القاعدة، ثم في النهاية يشير الكتاب إلى قراءة تحليلية عميقة لمستقبل داعش، والسؤال المطروح بقوة في هذا الكتاب من صنع داعش؟ وما حقيقة أفكارهم؟ وما منطلقاتهم الأيديولوجية؟ وما الرؤى المستقبلية لمصيرهم؟ كل هذه التساؤلات سوف تجيب عنها فصول الكتاب الذي بين أيدينا.
هذا الكتاب لمؤلفه د. فواز جرجس، وترجمة د. محمد شيتا، صادر عن مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2016. عدد صفحاته 304 صفحات، ويتضمن مقدمة وثمانية فصول وخاتمة. المقدمة (ص15-35)، أما الفصل الأول والذي يحمل عنوان (العالم من منظار داعش) ص 36-58. أما الفصل الثاني فيندرج تحت عنوان (من أين أتى داعش من الزرقاوي إلى البغدادي) ص59-97. ولقد جاء الفصل الثالث موسومًا بـ(كيف أوصلت سياسات العراق المتعثرة إلى إحياء داعش) ص98-123. أما الفصل الرابع يحمل عنوان (تطور البغدادي من الجندي المغمور إلى الخليفة الدموي) ص124-135. أما الفصل الخامس يحمل عنوان (البعثيون وجهاديو داعش من حول من؟) ص136-157. والفصل السادس بعنوان (كيف عززت الحرب السورية قوة داعش) ص158-185. أما الفصل السابع فهو بعنوان (إخفاقات الربيع العربي والإحباط اللاحق) ص186-202. أما الفصل الثامن والأخير بعنوان (إعادة تعريف الجهاد والتحول من العالمي إلى المحلي) ص202-233. أما الخاتمة فتحمل عنوان (مستقبل داعش) ص234-263.
يشير المؤلف في مقدمة الكتاب إلى أن تنظيم (داعش) هو الذي يتولى الآن قيادة الحركة الجهادية العالمية، وهو بذلك يخلف تنظيم القاعدة، ويلفت الانتباه إلى حقيقة مهمة، وهي أن داعش يمثل خطورة جديدة، وموجة جديدة في الحركة الجهادية العالمية، ثم يعقد مقارنة بين تنظيم (داعش) وتنظيم القاعدة بقيادة أسامه بن لادن، ويرى أن تنظيم القاعدة محدود ولا يملك سيطرة على الأرض، كما أن جنوده لا تتجاوز ثلاثة آلاف مقاتل، ويحميه طالبان في أفغانستان، أما داعش بقيادة البغدادي فهو يمثل الحاكم الأعلى للبلاد، ويظهر تحدي داعش الصريح لقيادة القاعدة وطموحها التوسعي تنظيما مصممًا على فرض إرادته كلاعب رئيسي جديد في المنطقة وكدولة أمر واقع([1]). 
ويلفت المؤلف الانتباه إلى استراتيجية داعش المتمثلة في العمل على تعزيز وتوسعة رقعة الأرض والسلطة اللتين تمتلكهما الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، وتقوم أيضًا تلك الاستراتيجية على تحطيم الحدود الاستعمارية للهلال الخصيب، ويسعى التنظيم من خلال ذلك إلى إحلال الدولة الإسلامية أي الخلافة محل الأنظمة المرتدة، ويرجع المؤلف السبب الجوهري إلى ظهور داعش على الساحة العالمية إلى الظروف المريعة التي تسود المجتمعات العربية في الصراعات والمنافسات الإقليمية والدولية في المنطقة، فأزمتا الحكم والاقتصاد السياسي المستمر منذ عقود هما العامل الأساسي في صعود داعش([2]).
ثم يلقي المؤلف الضوء بتحليل عميق لأسباب عنف داعش الزائد ودموية هذا التنظيم، وتتمثل هذه الأسباب في: 1-انتساب تنظيم داعش إلى القاعدة في العراق، وزعيمها أبو مصعب الزرقاوي الذي مثل جيل ما بعد القاعدة من السلفية الجهادية.
2- عراقية الغالبية العظمى من أفراد تنظيم داعش واستعارته الأدوات البعثية في القمع، أيضًا من أهم العوامل التي قوت وزادت قوة داعش هو عامل العداء للشيعة وإيران([3]).
ثم يمضي المؤلف في تحليل ظاهرة داعش ويصل إلى الفصل الأول (العالم من منظار داعش) ويشير إلى أن (داعش) قد نجح كأيديولوجيا وكحالة أمنية في فرض أجندته في صراع هويات شرسة بين المسلمين السنة والمسلمين الشيعة، ورغم إصرار داعش أنه يعمل من خلال نظام قيم مختلف عن ذاك الذي تروجه الليبرالية الغربية، فإن خطاب التنظيم لا يتضمن أي تجديد في سياسات الهوية وقطبها الصارخ ديني بامتياز، ويشير الباحثون الأكاديميون إلى عدة عناصر في رؤية ونظرة التنظيم لعالم تنحدر من الأيديولوجية (الإبراهيمية) الأصولية، ومن ضمنها الثنائية (الخير المطلق والشر المطلق)، والانتقائية أي انتقاء معتقدات معينة وترك سواها، ومن بين تلك العناصر هناك وجه يبدو ظاهرًا بقوة هو رجعيتها، وتأخذ الرجعية تلك شكل العداء تجاه الحداثة العلمانية، هذا العداء ليس موجهًا فقط ضد أناس من خارج معتقدهم الأصولي، بل حتى ضد أفراد من الجماعات الدينية نفسها.
والسؤال ليس ما إذا كان داعش إسلاميًّا أم لا؟ لكن السؤال هو فهم كيفية أخذ التنظيم وبانتقائية من الشرع ما يخدم أيديولوجيتهم؟ لقد قفز البغدادي ومساعدوه الدعائيون فوق قرون من التفاسير والتفاسير المضادة الإسلامية، فيحصرون أنفسهم في قراءة شكلية حرفية، ضيقة وبائدة للعقيدة الإسلامية([4]). 
ويحلل المؤلف الخطاب الداعشي ويرى أنه خطاب شمولي، يلغي التعددية السياسية، والبغدادي وأركانه يجرمون بل ويجتثون كل فكر حر، وكل فكرة غريبة على أيديولوجيتهم، ويتوصل إلى نتيجة مفاداتها أن داعش محكوم عليه في النهاية كحركة شمولية – دينية أن تدمر نفسها بنفسها، ليس فقط لارتكابها الأفعال الشريرة فحسب، بل لأنه ينقصها الخيال السياسي، ولتعارض أيديولوجيتها مع طرائق عيش المواطنين العاديين والجماعات المحلية، وترتكز أيديولوجية داعش على تطهير الأراضي الإسلامية من المرتدين والهراطقة، وليس في ذهنهم وتفكيرهم الثمن الحضاري والإنساني المدفوع، وبناء على ذلك يقدم داعش نفسه كبديل أصيل أكثر تعبيرًا عن الهوية من نظام الدولة الحالي في الشرق الأوسط. ([5]).
ويؤكد المؤلف على نقطة جوهرية وهي نجاح داعش في جذب شبان من حول العالم، ويرجع السبب في ذلك إلى أن التنظيم يخاطب الشباب السني حول العالم بطرق ووسائل متقدمة يستخدمها في استراتيجيته، فالتنظيم يخاطب الشباب السني بما يتعلق بوضعهم وبهوياتهم، ويلعب على أوتار قلوب الشبان السنة المغربين عن واقعهم، ويقدمون لهم نظرة طوباوية ومشروعًا سياسيًّا هو استعادة الخلافة الضائعة.
ثم يأتي المؤلف في تحليله إلى الفصل الثاني (من أين أتى داعش من الزرقاوي إلى البغدادي)، ويلقي الضوء على صعود نجم داعش، ويرى أن من أهم الأسباب هو احتلال أمريكا للعراق عام (2003)، ثم يرجع في خطوات خلفية إلى الوراء للحديث عن أبي مصعب الزرقاوي، ويلقي الضوء على ملامح شخصيته، باعتباره مؤسس القاعدة في العراق، ويشير إلى أن اسمه الأصلي هو (أحمد فاضل النزال الخلايله) ولد في الزرقا بالقرب من عمان في الأردن، ونشأ في بيئة اجتماعية فقيرة، وأن من أهم نقاط التحول في حياته وفاة أبيه، وبتحليل شخصية الزرقاوي سيكولوجيا نرى أنه حاد المزاج، وليس له اهتمامات دينية، كما أنه كان مدمنًا للكحول، هذا التحليل مهم لمعرفة كيفية قيادته للتنظيم وأفكاره في النظر للأحداث، أما النقطة الثانية المحورية في حياة الزرقاوي هي عندما خرج من السجن في الأردن إلى أفغانستان ليلتحق بالمسيرة الجهادية، ويشير المؤلف إلى أن الزرقاوي بقى في أفغانستان حتى عام 1992 دون أن يفعل شيئًا، ثم عاد إلى الأردن وأسس خلية سلفية جهادية أردنية مع البرقاوي الذي سيأخذ اسمًا حركيًّا فيما بعد هو المقدسي هذه الخلية سميت التوحيد([6]).
ويشير المؤلف إلى حقيقة مهمة وهي أن الزرقاوي لم يكن عضوًا رسميًّا في تنظيم القاعدة المركزية، إلا أنه كان يشارك القاعدة موقفها السلفي الجهادي، ولقد أنشأ زاويته الجهادية في الهرات، وكان المخيم صغير وعاش الزرقاوي عيشة بسيطة تشبها بحياة الرسول، وبسبب سيطرة العناصر العربية وكثرتها في المعسكر من فلسطين وسوريا ولبنان والعراق، أخذت الجماعة اسم (جند الشام)، وبعد الغزو الأمريكي للعراق رحل الزرقاوي إلى العراق، ورغم قلة العدة والعتاد استطاع بناء جماعة سلفية جهادية هي تنظيم القاعدة في العراق.
ويشير المؤلف إلى نقطة محورية وهي أن الصعود السريع للزرقاوي كان ورقة النجاة لبن لادن والظواهري يدخلان من خلالها إلى الأمكنة الأكثر سنية في الإسلام، وإلى النقطة الأكثر سخونة وهي الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني([7]).
ثم يستخلص المؤلف نتيجة مفادتها أن تنظيم القاعدة المركزية وتنظيم القاعدة في العراق هما وجهان لعملة واحدة، مع فارق في الدرجة لا في التكتيكات أو المشروع، فكلاهما غاصا في عروض التوحش والعنف المشهدية، وكلاهما اعتبر الشيعة زنادقة، وهناك حقيقة مؤلمة وهي أن تنظيم القاعدة في العراق بعد موت الزرقاوي وتولي البغدادي قد تحول إلى شبكة تشبه المافيا تضرب وتفجر وتغتال ثم تختفي، وتهاجم العدو من الشيعة والسنة، كما أن البغدادي خليفة الزرقاوي يمثل شخصية مريضة نفسيًّا وأكثر دموية من سلفه الزرقاوي.
ثم يمضي المؤلف في تحليله لظاهرة داعش ويصل إلى الفصل الثالث (كيف أوصلت سياسات العراق المتعثرة إلى إحياء داعش) ويرى أن من الأسباب الهامة التي أدت إلى صعود داعش هي إخفاق المؤسسة العراقية ما بعد صدام وانقسامها، ونزعة المالكي الاستبدادية المتزايدة منذ عام 2010، هذان العاملان يمثلان انفتاح البيئة المناسبة للقاعدة، والدولة الإسلامية في العراق، ويرى المؤلف أن النخبة السياسية قد أخفقت في دفع العراق إلى الأمام، ومساعدته على التخلص من إرث الحكم البعثي، كما أن إخفاق وفشل المؤسسة العراقية عن توفير مشروع وطني جامع وإعادة بناء المشهد السياسي في المقدمة، فبدلًا من الابتعاد عن الاستبداد السياسي وعبادة الشخصية اللتين جسدهما صدام لسنوات، أخفقت الطبقة السياسية التي ورثت هذا النظام فى أن تنهي الطائفية والتفكك الاجتماعي([8]).
ويرى المؤلف أن داعش انتعشت ونضجت فى البيئات الفقيرة، واستغلت التذمر والاضطراب الذي تركته الصحوات في المجتمع السني، كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى صعود نجم داعش وسيطرته على الكثير من الأراضي سواء في العراق أو سوريا، أيضا تشدد المالكي واستخدامه العنف والاستبداد ضد السنة بحكم أنه يمثل الشيعة، وشعور السنة بالاضطهاد والتهميش أدى هذا أن تلعب داعش على ذلك الوتر، وهو ما يفسر فيما بعد عنف داعش ضد الشيعة وإيران.
ثم يصل تحليل المؤلف إلى الفصل الرابع من الكتاب (تطور البغدادي من الجندي المغمور إلى الخليفة الدموي) ويشير إلى أن البغدادي قام بدور حاسم وهام في صعود وبزوغ نجم داعش إلى المستوى الذي نراه في العالم الآن، والسبب في ذلك كما يرى المؤلف يعود إلى مفتاح السر في شخصية البغدادي، وهي الطاعة والولاء المطلق من التنظيم كله، ويتتبع المؤلف قصة صعود البغدادي وبالتالي صعود داعش، ويشير إلى أن اسمه الحقيقي (إبراهيم بن عواد إبراهيم علي البدري السامرائي واسمه الحركي فيما بعد أبو بكر البغدادي، وهو ينحدر من المثلث السني المعروف بتدينه، ثم يتتبع المؤلف أهم المحطات في حياة البغدادي ويرى أن من أهمها غزو أمريكا للعراق، وهذا دفعه إلى التشدد وحمل السلاح ضد أمريكا والشيعة، ثم المحطة الثانية المهمة هي السجن في معتقل (بوكا) وتجربة السجن كما يرى عبد الباري عطوان في كتابه (الدولة الإسلامية) أنتجت الرغبة في نفسه الانتقام من الأمريكان، ثم انضم بعد المعتقل إلى القاعدة في العراق بقيادة الزرقاوي([9]).
وعندما تم اعتقاله من قبل الأمريكان تم تصنيفه على أنه جندي عادي سني، لذا يرسم معاصرو البغدادي صورة له مغايرة لما هي عليه أيديولوجيا الدولة الإسلامية في العراق، يقولون إن البغدادي لا يتميز بشيء دينيًا، ولا في ميادين القتال وهو مقاتل عادي تدبر بفعل طموحه أمر تسلق السلم الجهادي بمساعدة الحظ والظروف الملائمة، فهو متوسط الذكاء دون مهارات قتالية. 
وبحسب المصادر من داخل التنظيم فإن البغدادي أصبح الساعد الأيمن لأبي عمر البغدادي ومن معمودية الدم والنار تعلم البغدادي بسرعة كيف يبقى حيًّا ويصعد السلم من القعر إلى فوق، ويستخلص المؤلف نتيجة مفاداتها أن كل ما قيل عن شخصية البغدادي من تفاصيل هو موضع خلاف؛ لأنه هو رجل الظل بامتياز، ومع ذلك هناك شيء واحد يجمع عليه الجميع هو أن البغدادي أكثر دموية من سلفيه الزرقاوي وأبو عمر البغدادي.
ويقول دعائيو داعش في منشوراتهم إلى تبريراتهم أن قسوة البغدادي دليل على استحقاق منصب الخلافة، ويرى أيديولوجيو داعش أن نصرة الإسلام بحسب البغدادي وجماعته تكون عن طريق الجهاد العنفي والذي يمثل فريضة إلزامية وليست اختيارية، ويخلص المؤلف في نهاية هذا الفصل إلى نتيجة مفاداتها أن ما يعنينا في النهاية ليس تاريخ البغدادي الشخص، بل امتلاكه رؤية استراتيجية سمحت له بتحويل تنظيم هش كان على شفير الانهيار إلى جيش محترف ظهر أن بإمكانه خوض حرب عصابات في الريف، وبهذا المعنى يظهر تفوق البغدادي الواضح على مرشديه أسامه بن لادن والزرقاوي في الخداع الاستراتيجي والمهارات التنظيمية ([10]).
ثم يصل المؤلف إلى الفصل الخامس (البعثيون وجهاديو داعش من حول من؟) وفي هذا الفصل يربط المؤلف بين تنظيم داعش وعلاقته بالبعثيين السابقين في نظام صدام حسين، ويشير إلى وجود علاقة بين الاثنين، و لكن السؤال المحوري من أثر في من، من كان له اليد الطولى في تغيير الآخر هل البعثيون أثروا في داعش أم العكس هو الصحيح؟ تؤكد الشواهد والأدلة الدور الرئيسي لضباط جيش وشرطة سابقين في نظام صدام في تحويل التنظيم من جماعة قريبة من شكل المافيا إلى جيش صغير محترف، وهناك تقديرات بأن 30 في المائة من الكوادر العليا في داعش يحتلها ضباط وجيش وشرطة من رتب عليا كانوا سابقين في جيش صدام، ورغم تلك العلاقة الوطيدة بين الاثنين إلا أن المؤلف يرى ضرورة إخضاع هذه الرواية للتدقيق والنقد بهدف تبين حدودها وحقيقتها، ويشير موقع (Wikibaghday) ويكي بغداد إلى وجود علاقة بين داعش والبعثيين، فيذهبون إلى حد الزعم أن هؤلاء الضباط البعثيين في جيش صدام يسيطرون على التنظيم من خلف الستار، وهم القوة الحقيقية المحركة له، بل يروا أن البغدادي نفسه ليس أكثر من واجهة أمامية للضباط البعثيين الذين صمموا صعوده إلى رأس هرم التنظيم.([11])
ورغم تلك العلاقة إلا أن المؤلف يشير إلى حقيقة جوهرية وهي أن تدفق البعثيين السابقين إلى التنظيم لم يحدث أي تغيير ملحوظ في هويته السلفية الجهادية، وعليه فمن غير المؤكد الخلط بين المردود العسكري الذي جلبه أولئك الضباط للتنظيم وبين زعم المؤامرة البعثية لخطف التنظيم وإدارته من خلف الستار، ويؤكد المؤلف أن تلاقي المصالح أو زواج المصلحة هو الذي جمع بين البعثيين وداعش، فكان هذا الزواج بديلًا عن الانجذاب الأيديولوجي، كما أنه لا يوجد دليل كافٍ على استيلاء البعثيين على داعش إلا أن هذا التنظيم استعار، وفق أكثر من دليل الكثير من أساليب النظام البعثي السابق القمعية والتسلطية حيال الناس، أقصى داعش من جهة أولى البعثيين، وطلب منهم تقديم فروض الطاعة والولاء، ومن جهة ثانية قام بتقليد أساليب النظام البعثي في الوحشية مع إلباسه اللباس الإسلامي([12]).
ويصل بعد ذلك المؤلف في تحليله إلى الفصل السادس (كيف عززت الحرب السورية قوة داعش) ويرى أن الحرب السورية الشاملة من الأسباب القوية لتمدد داعش واتساع رقعة الأرض التي استولى عليها، ولقد بدأت الانتفاضة الشعبية السورية في المناطق الريفية أولًا مثل درعا؛ لأن هذه المناطق كانت تعاني من الفقر والبطالة، وأنه تم توزيع السلطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في هذه المناطق، وفق خطوط طبقية وإثنية؛ ما أدى إلى مضاعفة المسافة الفاصلة بين الأغنياء والفقراء، لذا قامت انتفاضات ومظاهرات في هذه المناطق الريفية الفقيرة، هذه البيئة وفرت المناخ الملائم للجماعات المسلحة، كما أن هذه التطورات المتلاحقة كما يشير المؤلف كانت بمثابة الفرصة الذهبية لأبي بكر البغدادي وحلقته الداخلية لبناء شبكات اجتماعية ويحيي القديم منها([13]).
ويلفت المؤلف الأنظار إلى أن داعش لم يعلن لمدة سنة كاملة تورطه في الحرب السورية، ولجأ التنظيم بدلًا من ذلك إلى تزويد جيش النصرة بضباط سابقين أكفاء من الجيش العراقي، وبالمال والسلاح، وبينما كان التنظيم الجهادي ينفذ عملياته في العراق كانت أوراق اعتماده للجماعة السنية في سوريا أنه الطليعة المقاتلة للسنة الذين يشعرون بالمهانة والتهميش من النظام في دمشق، ويجب أن نأخذ في الاعتبار أهمية المرحلة الأولى من العلاقة بين الدولة الإسلامية في العراق والنصرة عام 2013 فقد كانت العلاقة حاسمة في تأسيس قاعدة جهادية مهمة ذات بنية مستدامة ومتينة، ثم يتوصل المؤلف إلى نتيجة مفادتها أن عودة داعش القوية للعراق مسبوقة بانتصاراته على النصرة في سوريا، ومع استيلاء التنظيم على أراضٍ سورية أصبح قادرًا على تحطيم الحدود الدولية التي تفصل بين البلدين، فجعل الدولة الإسلامية في العراق وسوريا حقيقة على الأرض([14]).
ثم يمضي المؤلف في تحليله حتى يصل إلى الفصل السابع (إخفاقات الربيع العربي والإحباط اللاحق) ويرى أن أحد الأسباب الهامة لبزوغ نجم داعش هو الإخفاقات المتراكمة للسلطوية العربية السياسية على مدى أربعة عقود في المجالين السياسي والاقتصادي، على المستوى الأول جلب طغيان الأنظمة السياسية الاختناق للمجتمع وزرع في المجتمعات بذور الحركات المتطرفة المدفوعة بهاجس الهوية، وعلى المستوى الثاني أخفقت الأنظمة العربية الاستبدادية في تطوير اقتصادياتها وتسببت بأزمة اجتماعية حادة تمثلت في الفقر المدقع والبطالة بين الشباب، وبناء على ذلك تحول هذا التطابق بين الاستبداد السياسي والفشل الاقتصادي التنموي إلى الوقود الذي كانت تحتاجه انتفاضة الربيع العربي، ويشير المؤلف إلى أن هذه الانتفاضات العربية كانت نعمة للمتطرفين الإسلاميين، فقد وصف بن لادن انتفاضات الربيع العربي (بالحدث الهائل) ويقول أبو يحيى الليبي الذراع اليمني للظواهري أن هذه الانتفاضات هي امتداد لكفاح القاعدة الطويل لطرد النفوذ الغربي من العالم الإسلامي([15]).
ويؤكد على حقيقة مهمة وهي أن عدم استجابة الحكومات العربية لمطالب الشعوب من حرية وعدالة وكرامة قد فوتوا فرصة ثمينة لهيكلة الإصلاحات المطلوبة، وإعادة بناء المؤسسات الفاشلة، وأدى القمع الوحشي للمتظاهرين إلى عسكرة الانتفاضات، واستغلال قادة القاعدة هذه الاضطرابات السياسية لنشر سرديتهم الأيديولوجية، ثم نصل إلى الفصل الأخير (إعادة تعريف الجهاد والتحول من العالمي إلى المحلي) يحاول المؤلف في هذا الفصل أن يلقي الضوء على أن تنظيم القاعدة وداعش ينتميان إلى نفس العائلة نفسها وهي السلفية الجهادية، وأنهما يتشاركان الأفكار الرئيسية نفسها وأولى هذه الأفكار يوتوبيا إسلامية هي في قلب الأيديولوجيا السلفية الجهادية، وتهدف إلى استبدال حكم الدولة بحكم الله، أما الفارق بين القاعدة كتنظيم سري عابر للحدود وخارج كل حدود، يتميز داعش بانغماسه في الجماعات السنية المحلية، ويرى أن استراتيجية داعش تقوم على عقيدة الجهاد بالإكراه، فقد روج التنظيم سمعة جهادية عالية؛ ما يجعله يستحق وفق دعايته أن يكون طليعة الأمة، كما أن استراتيجية داعش تقوم على عقيدة الحرب الشاملة ([16]).
ويستشهد المؤلف بكلام العدناني الرجل الثاني في داعش بقوله إن الأولوية للعمل الجهادي العنفي وليس للنظرية (الدين).
ثم يصل المؤلف إلى الخاتمة (مستقبل داعش) ويتساءل عن هذا المستقبل الذي يرى البعض أنه قريب من الانهيار والبعض الآخر يرى أن داعش سوف يستمر فترات طويلة، ويرى المؤلف أن الوسيلة الأكثر فاعلية للقضاء على داعش هي قدرة المجتمعات العربية مع القوى الإقليمية والدولية على توفير حل سلمي للنزاعات ولدعم إعادة بناء الدولة العربية ومؤسساتها، لذا لا حل قريب لأزمة داعش، والحل يكمن في تطوير استراتيجية سياسة مركبة وطويلة الأمد تتضمن الرهان على الزمن، والمصالحة والقيادة الرشيدة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، ويلفت الانتباه إلى حقيقة مهمة وهي وجود نزاعات وتشققات في جسد تنظيم داعش، وهذا يجعل مستقبله على المدى البعيد أمر غير مؤكد([17]).

[1]-فواز جرجس: داعش إلى أين؟ جهاديو ما بعد القاعدة، ترجمة. محمد شيتا، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2016، ص17.
[2]-فواز جرجس: القاعدة الصعود والأفول تفكيك نظرية الحرب على الإرهاب، ترجمة محمد شيتا، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ص 85.
[3]-فواز جرجس: داعش إلى أين، ص 21.
[4]-فواز جرجس: داعش إلى أين، ص 37.
[5] -المرجع السابق: ص 41.
[6] فواز جرجس: داعش إلى أين، ص 62.
[7]-فواز جرجس: داعش إلى أين، ص 89.
[8] -فواز جرجس: داعش إلى أين، ص 112.
[9] -عبد الباري عطوان: الدولة الإسلامية، الجذور، التوحش، المستقبل، دار الساقي، بيروت، 2015، ص 46.
[10]-فواز جرجس: داعش إلى أين: ص 134.
[11]-المرجع السابق: ص 143.
[12]-فواز جرجس: داعش إلى أين، ص 155.
[13]-المرج السابق: ص 159.
[14]-فواز جرجس: داعش إلى أين، ص 177.
[15]-المرجع السابق: ص 185.
[16] -المرجع السابق: ص 211.
[17] -فواز جرجس: داعش إلى أين، ص 256.

شارك