أنقرة تحت الضغط الدولي.. تداعيات الخيارات الأوروبية والقرارات الأمريكية على تركيا

الأحد 20/أكتوبر/2019 - 10:01 ص
طباعة أنقرة تحت الضغط الدولي.. مصطفى صلاح
 
على الرغم من تباين الموقف الأمريكي من العملية العسكرية التركية في منطقة الشمال السوري، قبل بدء العملية وبعدها، فإن الموقف الأوروبي من التدخل كان الأكثر وضوحًا فيما يتعلق بالوقوف ضد العملية، والضغط على تركيا لعدم استمرارها، وشهدت منطقة الشمال السوري في 9 أكتوبر 2019، عمليات عسكرية تركية استهدفت مواجهة المنطقة الشمالية التي يتمركز بداخلها الأكراد، والتي تقول أنقرة إنها لحماية أمنها القومي، وإنشاء المنطقة الآمنة لعودة اللاجئين.



على الجانب الأوروبي تزايدت المخاوف من أن تؤثر العملية على النجاحات التي تم تحقيقها من قبل المتعلقة بالقضاء على تنظيم داعش، خاصة أن الأكراد يمثلون القوى الميدانية التي حاربت التنظيم، وعلى خلفية هذه التخوفات دعت العديد من الدول الأوروبية تركيا بوقف هجومها على شمال شرق سوريا، معربين عن خشيتهم من أن تؤدي العملية العسكرية التركية إلى زيادة عدم الاستقرار في المنطقة.

أنقرة تحت الضغط الدولي..
ردود فعل أوروبية
يشكل الموقف الأوروبي تجاه التدخل العسكري التركي في سوريا أحد أهم المتغيرات المهمة التي أثرت بشكل كبير على مسار العملية، خاصة وأن هناك إجماعًا أوروبيًّا على إنهاء هذه العملية، ومنذ اللحظات الأولى من بداية العملية أعلنت الدول الأوروبية معارضتها للتحركات التركية والتي أعلنت عنها هولندا، وبريطانيا وفرنسا وألمانيا لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن؛ لمناقشة الأوضاع في سوريا يوم 10 أكتوبر 2019، تبع ذلك اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورج؛ لبحث أزمة التدخل التركي في شمال سوريا.

وقبل انعقاد الاجتماع، أكد وزير خارجية هولندا ستيف بلوك من لوكسمبورج، أن بلاده أوقفت مبيعات الأسلحة إلى تركيا، مشيرًا إلى أنها تتطلع إلى رسالة أوروبية واضحة تجاه أنقرة، وأن كلًا من فرنسا وألمانيا أبلغتا تركيا بوقف تزويدها بالسلاح، واعتبرت فرنسا العمليات العسكرية التركية في سوريا تهديدًا لأمن أوروبا، وأكد بيان مشترك من وزارتي الدفاع والخارجية الفرنسيتين التعليق الفوري لكل مبيعات السلاح إلى تركيا، والتي يمكن أن تستخدمها في عملياتها العسكرية في سوريا. (1)

الجدير بالذكر، أن الموقف الأوروبي الموحد منذ بداية العملية العسكرية التركية، دعمه بعد ذلك القرار الأمريكي بفرض عقوبات على تركيا؛ حيث أعلن وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوتشين، عن اجتماع لمجلس الأمن القومي لمناقشة فرض عقوبات على تركيا، وتعليق كل معاملات الدولار بين واشنطن وأنقرة بعد تدهور الأوضاع شمال شرقي سوريا، ومنذ بداية العدوان التركي على سوريا، اتخذت الدول الأوروبية موقفًا موحدًا مضادًا له، قادته كل من الدنمارك وفرنسا وألمانيا، تمثل في تخفيض التعامل الدبلوماسي والتنديد بالعملية العسكرية ورفضها، والتهديد بفرض عقوبات اقتصادية، ورفض إعطاء غطاء جوي من حلف الناتو في المنطقة.
أنقرة تحت الضغط الدولي..
ولعل هذه التصريحات من جانب دول الاتحاد الأوروبي، والتوافق والتنسيق المشترك بين دول الاتحاد يؤشر على عدة دلالات أهمها: (2)

1) الخوف من عودة التنظيمات المتطرفة: أبدت الدول الأوروبية تخوفاتها من احتمال أن يسهم الهجوم في إعادة الحياة مجددًا إلى تنظيم داعش مع انصراف المقاتلين الأكراد إلى مواجهة تركيا، كما أن دول أوروبا تعتبر قوات سوريا الديمقراطية ومنطقة الأكراد حصن الحماية الخاص بهم، وخط الحماية الأول من عودة عناصر داعش للمنطقة وانتشارهم نحو أوروبا، الأمر الذي يشير إلى أهمية الأكراد بالنسبة لأوروبا في الفترة الحالية، لذلك ستتخذ الدول الأوروبية أقصى ما يمكنها لإيقاف العملية التركية.

وفي سياق متصل، دعا وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى عقد اجتماع طارئ للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة لمناقشة الهجوم التركي على الشمال السوري؛ خاصة أن تنظيم داعش قد يستغل تغير الأوضاع على الأرض لإعادة الظهور مجددًا.

إن أكثر ما تتخوف منه أوروبا هو أن يسهم العدوان التركي في إعادة إنتاج داعش من خلال استهداف أكبر صمام أمان بالمنطقة ضد التنظيم الإرهابي، ألا وهي قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي تشكل ركيزة التحالف الدولي للقضاء على التنظيم، الأمر الذي أعلنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تحذيره من زعزعة استقرار للمنطقة قد يؤدي إلى ظهور التنظيم الإرهابي مرة أخرى.

2) ملف اللاجئين: يمثل ملف اللاجئين أحد القضايا المحورية التي يتم توظيفها من جانب أنقرة في تحقيق أهداف سياساتها الخارجية، خاصة فيما يتعلق بمحورين أساسيين؛ الأول يتمثل في ضمان التأثير بصورة مباشرة في مجريات ومخرجات الأزمة السورية، والثاني يتعلق بتوظيف الجهود الدولية في ضمان استمرار الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري لتركيا، خاصة من جانب الدول الأوروبية، وبالتالي فإن هناك العديد من الأهداف التي تسعى تركيا إلى تحقيقها بانتهاج سياسات الضغط بورقة اللاجئين.

وفي ظل اقتراب عملية التسوية السياسية الداخلية السورية فإن العملية العسكرية التركية ستؤدي إلى تعقيد الوضع الداخلي السوري، الأمر الذي سينعكس بصورة سلبية على العديد من الملفات، خاصة ملف اللاجئين وملف إعادة الإعمار، خاصة أن الرئيس التركي أردوغان دأب على استخدام ملف اللاجئين للضغط على دول الاتحاد الأوروبي، ولعل تصريحه الأخير يؤكد على ذلك؛ حيث حاول الضغط على الدول الأوروبية للتخلي عن موقفهم من العملية العسكرية وقرارات تجميد تصدير السلاح، مهددًا بفتح الحدود لـ3.5 مليون لاجئ، كما أن العمليات العسكرية التركية في الشمال السوري لن يقتصر تأثيرها على الشرق الأوسط فحسب، بل إن تداعياتها السلبية ستطالها، وهذا ما ترجمته المواقف الرسمية لكل من باريس وبرلين تجاه العدوان التركي، خاصة موجة النزوح واللجوء الجديدة الناجمة عن القصف والعمليات العسكرية، في وقت تبدو فيه القارة العجوز عاجزة عن استيعاب المزيد من الفارين من الحروب والأزمات.(3)
 مايك بنس
مايك بنس
دلالات التغيير
خلال زيارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس إلى تركيا، في 17 أكتوبر 2019، تم الاتفاق بين الجانبين على 13 بندًا يتضمن تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار في شمال شرق سوريا، وتعليق العملية العسكرية التركية خلال 5 أيام، مقابل اعتزام الولايات المتحدة إلغاء العقوبات التي كانت ستفرضها على تركيا على خلفية العملية العسكرية، اتفقا على إيجاد حل للمنطقة الآمنة وحماية السجون في شمال سوريا، ومواجهة داعش.

وفي هذا الإطار، يمكن الحديث عن التوجهات المتباينة من جانب واشنطن تجاه تركيا، وأنها لم تبد موقف موحد تجاه العملية العسكرية التركية، ولكنها أدركت بعد العملية العسكرية التركية أن هذه العملية أفرزت العديد من المخاوف الأمريكية، خاصة أن الجانب الأوروبي تبنى سياسة مناوئة للتحركات التركية على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية، وعلى الرغم من هذا الموقف إلا أن الولايات المتحدة تحركت بصورة منفصلة عن التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي، وإن كان الـ13 بند المتفق عليه بين الجانب الأمريكي والتركي، لا يخرج عن أهداف الدول الأوروبية التي حددتها من توجهاتها تجاه أنقرة.

وتأسيسًا على ذلك، فمن المؤكد أن هناك عدة مؤشرات حاكمة لهذا النمط من التوجهات الأوروبية تجاه تركيا على الرغم من تباين الموقف الأمريكي قبل العملية العسكرية، كما أنه لا يمكن فهم التوجهات الأوروبية تجاه العملية العسكرية في الشمال السوري دون النظر بصورة أشمل إلى مسار العلاقات الثنائية بينهما، خاصة أنها تشهد حالة من الخلافات والتذبذبات على خلفية عدة ملفات منها ملف الانضمام للاتحاد الأوروبي وملف المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين والتنقيب شرق المتوسط عن الغاز، لتتعقد العلاقات بشكل أكبر، خاصة مع إصرار أردوغان على شن العدوان رغم تحذيرات شركائه في حلف شمالي الأطلسي «الناتو».(4)

ومن المتوقع أن تستمر هذه الخيارات حتى بعد إعلان وقف العمليات العسكرية التركية بصورة نسبية، خاصة أن الوضع الميداني الداخلي في سوريا تتداخل فيه العديد من القوى الإقليمية والدولية، والتي ستؤثر على مسار العملية السياسية الداخلية السورية، خاصة المواقف الأوروبية.
التداعيات على الجانب التركي
في ظل تباين المواقف بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قبل انتهاء العملية العسكرية، تمكنت أنقرة من تنفيذ بعض أهدافها الميدانية والسيطرة على عدة مناطق كانت في السابق تخضع لسيطرة الإدارة الذاتية الكردية، من تل أبيض وحتى رأس العين، وأعلنت أنقرة أنها ستنهي العملية التي أطلقت عليها «نبع السلام» إذا أكمل المقاتلون الأكراد انسحابهم خلال خمسة أيام من منطقة بعمق 32 كيلومترًا داخل الحدود السورية.

من زاوية أخرى فإن الاتفاق بين النظام السوري وروسيا من جانب وقوات سوريا الديمقراطية من جانب آخر حول دخول القوات السورية إلى مدن عين العرب ومنبج سيحفظ وجود هذه القوات التي لم تدخلها منذ 5 سنوات، وبالتالي عدم القدرة التركية على تنفيذ المنطقة الآمنة التي تستهدفها بطول 480 كم، وبعمق 40 كم، إضافة لذلك فإن السيطرة التركية على بعض المناطق الجديدة في الشمال السوري غير قادرة على ضمان استمرار سيطرتها، خاصة أن هناك توجه من جانب روسيا نحو إحكام السيطرة الكاملة على هذه المناطق تمهيدًا لتحقيق التسوية السورية الشاملة.

على الجانب الأوروبي لم يكن الاتفاق الأمريكي – التركي، كافيًا للأهداف الأوروبية التي أعلنتها ووفق الإجراءات التي اتخذتها بوقف مبيعات الأسلحة إلى أنقرة على خلفية العملية العسكرية التركية شمالي سوريا، فإن دول الاتحاد الأوروبي تهدف إلى بتعليق العملية العسكرية بصورة كاملة، وتراجع تركيا عن المناطق التي سيطرت عليها، أي إنهاء نشاطها العسكري وسحب قواتها بصورة كاملة، واحترام القانون الإنساني الدولي؛ حيث ترى الدول الأوروبية إن هذه العملية تتسبب في معاناة إنسانية غير مقبولة مع تزايد أعمال النزوح والتهجير القسري، وتقوض الحرب ضد الجماعات المتشددة في المنطقة.

ختامًا: حاولت تركيا توظيف التناقضات في المواقف الأوروبية والأمريكية لتحقيق بعض المكاسب الميدانية التي يمكن لها أن تحفظ دورها في التسوية الشاملة للأزمة السورية مستقبلًا، ولعل تصريح الرئيس التركي بأنه بمجرد اكتمال أعمال صياغة الدستور وضمان وحدة أراضي سوريا ووحدتها السياسية ستنتقل جميع الأراضي إلى الحكومة السورية الشرعية المقبلة، دليل على تقليل فرص الحضور التركي في مناطق الشمال السوري، وذلك أنه وبالرغم من الاتفاق مع الجانب الأمريكي إلا أن واشنطن أعلنت أنها لن تتخلى عن الأكراد.
المراجع:
1) ميركل تدعو تركيا مجددًا للانسحاب من شمال سوريا، على الرابط
2) أوروبا وعدوان تركيا على سوريا.. شبح داعش يرعب القارة العجوز، على الرابط 
3) تفاصيل وبنود اتفاق وقف إطلاق النار في شمال سوريا، على الرابط
4) العملية التركية في سوريا: أنقرة تقرر تعليق الحملة «للسماح بانسحاب القوات الكردية»، على الرابط

شارك