خريطة انتشار التنظيمات الإرهابية في جنوب شرق أسيا

الخميس 16/أبريل/2020 - 12:47 ص
طباعة خريطة انتشار التنظيمات حسام الحداد
 
يناقش مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه «مكافحة داعش: نماذج من دول جنوب شرق آسيا» الصادر في نوفمبر 2019؛ خريطة انتشار التنظيمات الإرهابية في كل من: إندونيسيا وتايلاند وتيمور الشرقية وسنغافورة والفلبين وماليزيا وميانمار وبروناي، مركزاً على الخطط والبرامج المعتمدة من دول المنطقة لمكافحة التطرف؛ يأتي ذلك في إطار الاستجابة الحكومية للحد من احتمالات تمدد تنظيم «داعش» واستغلاله للفجوات الأمنية وبؤر التوتر الإثني والديني، لذا يحلل الكتاب الاستراتيجيات المتبناة لمواجهة الإرهاب على مستوى الاتفاقيات الثنائية والدولية التي أُبرمت أخيرًا.
تناولت الدراسات ثلاثة موضوعات أساسية مرتبطة بمكافحة تنظيم «داعش»، فبدأت بقراءة واقع العنف الحركي والإرهاب في جنوب شرق آسيا، وناقشت أنماط تعامل دولها مع مخاطر انتشار الأفكار المتطرفة، وأنشطة التنظيمات الإرهابية وسعيها للسيطرة على بعض الجمعيات الخيرية والإنسانية والتعليمية، وتهديدها للأمن عبر محاولات الاحتلال العسكري المسلح لمناطق محددة. طرح الكتاب تطور التعاون الدولي حول مكافحة الإرهاب في المنطقة، إثر ظهور تقارير تدعي بدء انتقال مركز قيادة «داعش» من الشرق الأوسط إلى جنوب شرق آسيا؛ إلى ذلك تم تقييم أجندة التنظيم الإرهابية وخلافات «القاعدة» و«داعش» حولها.
يعود اهتمام التنظيمات الإرهابية بجنوب شرق آسيا، لفترة طويلة، منذ تجنيد بعض مواطنيها في جماعة الإخوان المسلمين في أربعينيات القرن الماضي. لقد استغل المتطرفون توافر البيئات المجتمعية والاقتصادية المحفزة على انتشار الأفكار المتطرفة المعادية للدولة، والتي هي عوامل خطرة من شأنها تسهيل كسب مجندين جدد، يتقدمها تردي أحوال المواطنين المسلمين في هذه المنطقة، لا سيما في الفلبين وتايلاند وميانمار، بوصفهم أقلية دينية، تنتمي لطبقات اقتصادية فقيرة، مما يزيد من إمكان خلق الاحتقان السياسي والاجتماعي وتحويله إلى رصيد حركي يأخذ غطاءً أيديولوجياً بشعاراتٍ إسلاموية، من أجل جذب المناصرين لتنفيذ أجندة تنتهك السلامة والأمن المجتمعيين.
برزت التنظيمات الإرهابية في جنوب شرق آسيا ضمن حقل الاضطرابات السياسية والثقافية التي ترجع جذورها إلى الموروثات الاستعمارية وصراع الحقوق السياسية المتذبذب، فظلت الآليات المكافحة للتطرف والإرهاب رهينة سياقٍ سياسي داخلي منعزل، وتفسيرات متباينة للتمرد والإرهاب وغيرهما، ولكنها تطورت بعد الموجة الأخيرة من التطرف العنيف الذي نجم عن ظهور «داعش» وأذرعه الطويلة، بعد أن عزز التنظيم الإرهابي تواصله مع المتطرفين العابر للدولة الوطنية والحدود، وأضاف بعدًا خارجيًا يهدد تماسك دول المنطقة الآسيوية تحديدًا، فتضامنت الاستراتيجيات الوطنية والإقليمية والدولية لرد خطره، واستنفرت الحكومات المعنية لمواجهة التهديدات، فوضعت اتفاقيات ثنائية وإقليمية للحد من الإرهاب الداعشي، أخذت بالنمو بعد عام 2014، خصوصاً بعد أن وظّفت واستخدمت التنظيمات المتطرفة عناصر وطرائق جديدة في عملياتها ارتبطت بسياقات وتجارب شرق أوسطية، منها تجنيد الأطفال والنساء والأسر. انتقلت إلى دول جنوب شرق آسيا «البراغماتيّة الفقهية الداعشية»، حيال مواقف عديدة، منها مشاركة النساء في القتال أو العمليات العسكرية، واستخدام التكتيكات الحديثة أي «وسائل التواصل الاجتماعي» لاجتذاب الشباب نحو أجندتها المتطرفة.
اهتم العدد الأكبر من الدراسات المدرجة في الكتاب بسبل مكافحة الإرهاب بجنوب شرق آسيا -خصوصاً مع احتمال توسع تأثير داعش- قارئاً الأطر القانونية والوقائية الناظمة للاتفاقيات الموقع عليها، والتي اتخذت طابعاً ثنائياً وإقليمياً ودولياً، وأحياناً برعاية الولايات المتحدة الأمريكية التي نقلت خبرتها الاستراتيجية المتعددة الاتجاهات لمكافحة الإرهاب إلى دول المنطقة، فأطلقت المبادرات المتعددة الأطراف على المستويين الأمني والمناطقي، والحمائي والحدودي. علماً أن للصين والاتحاد الأوروبي وأستراليا وروسيا أدواراً مهمة في التصدي للإرهابيين بالتعاون مع جنوب شرق آسيا. 
على المستوى الروسي، جرى التعاون بين موسكو و«آسيان» (رابطة دول جنوب شرق آسيا) في مكافحة الإرهاب ضمن مبادرة استراتيجية متعدّدة الطبقات وطويلة الأجل. يتمّ التفاعل –كما يبين الكتاب- بصيغة تعاون ثنائي مع كل دولة على حدة، والأنشطة الرئيسة في هذا التعاون هي: توريد الأسلحة والمعدات المتطوّرة ذات الاستخدام المزدوج، وتدريب الأفراد من بلدان آسيان في روسيا، وتبادل قواعد البيانات والمعلومات التشغيلية، وخصوصاً فيما يتعلق بحركة المشتبه بصلاتهم بالتنظيمات الإرهابية، ومكافحة الدعاية المتطرّفة، بما في ذلك على شبكة الإنترنت، والمخابرات المالية التي تهدف إلى كشف الأموال المشبوهة ومنعها. بالإضافة إلى ذلك، هناك تبادل مستمر للخبرات، فضلاً عن الأنشطة الإنسانية والتعليمية والثقافية التي تساعد، وفقًا لطريقة القوة الناعمة، في تقوية الروابط بين الدول وتنمية المجتمعات المدنية في دول «آسيان».
في استشرافه لمستقبل «داعش» في جنوب شرق آسيا، يستبعد المحور الأخير من الكتاب فرضية إقامة «الخلافة» وتحققها، ويميل إلى احتمال تشكل مجموعات متشظية يختلف ولاؤها ما بين تنظيمي «داعش» و«القاعدة»، ومن ثم تختلف أهدافها، ما بين استهداف مصالح الدول الغربية في دول المنطقة، ومؤسسات ومنشآت الدول ذاتها والمدنيين من الديانات الأخرى، هذا بالإضافة إلى التهديدات النابعة من إعادة نشاط وتوسع التنظيمات الإسلاموية الأخرى، وفقاً للتقارير الأمنية المعنية بدول المنطقة.

شارك