داعش وأخواتها: الفكر- التكفير- النصوص

الأربعاء 27/مايو/2020 - 10:32 ص
طباعة داعش وأخواتها: الفكر- حسام الحداد
 

يعد كتاب  «داعش وأخواتها: الفكر- التكفير- النصوص»، واحد من الكتب المهمة التي تناولت بالنقد والتحليل أوجه الشبه والاختلاف بين أكبر تنظيمين إرهابيين ظهرا على مستوى العالم حيث تناول الكتاب الصادر عن مركز المسبار مارس 2017، الأيديولوجيا وتاريخ تنظيم «داعش» بالعلاقة بينه وبين تنظيم القاعدة، في ظل الخطابات التي حاولت تصوير القاعدة وكأنها جناح جهادي معتدل. وتدرس الأبحاث من خلال المنهج المُقارَن الأسس العقائدية والفكرية والفقهية لكلٍ من تنظيمي القاعدة و«داعش». كما لاحظ الكتاب كيف أنَّ السلفية الجهادية وظّفت إعلان ولائها لـ«داعش» في الصراع السلفي- الحمساوي على السلطة. وقد رافق هذا التوظيف خطاب سلفي جهادي يعمل على إضعاف الشرعيّة السنية لحماس بسبب العلاقة مع إيران ومع حزب الله، أكبر التنظيمات الشيعية. حاول الكتاب تقديم شهادات من داخل التنظيمات الجهادية، دارساً المؤثرات الفكرية والعقائدية التي أورثتها التنظيمات السابقة لـ«داعش» وذلك بهدف فهم «شيفرة داعش» التي تمثل خطراً غير مفهوم المعالم والحدود للكثيرين.

 التحولات السياسية والفكرية

يقدم الباحث والأكاديمي الجزائري بوزيدي يحيى،  كيف استطاعت التنظيمات الجهادية تجديد نفسها والعودة بقوة بعد كل ضربة تتلقاها -على الرغم من كثرة الضربات الأمنية بشكل خاص- مستندة في استمراريتها إلى ما تدعيه من أسس دينية وفكرية تمكنها من تجنيد المتعاطفين معها. وقد عرف مسار هذه التنظيمات العديد من الموجات التي اقترنت بتحولات سياسية شهدتها منطقة الشرق الأوسط، على غرار حرب أفغانستان، وحرب الخليج الثانية مروراً بأحداث الحادي عشر من سبتمبر والاحتلال الأمريكي للعراق، وصولاً إلى أحداث 2011. ويستشف من خلال تتبع هذه الموجات أن كلاً منها تميزت بجملة من الخصائص الفكرية، بالموازاة مع المستجدات السياسية التي أثرت بشكل كبير جداً على تطور تلك التنظيمات. فيجيب الباحث عن تأثير التحولات السياسية على فكر الجماعات الجهادية.

من القاعدة إلى داعش

كما يقارن أحمد الشوربجي، الباحث المصري في شؤون الحركات الإسلامية والقيادي السابق في الجماعة الإسلامية، قارن بين الأسس الفكرية والعقائدية والفقهية لكلا التنظيمين (تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية «داعش»)، وهل فعلاً أن تنظيم القاعدة غير تنظيم الدولة في أسسه الفكرية ومنطلقاته العقائدية واختياراته الفقهية كما يوحي كلام الظواهري تجاه هذا التنظيم بهذا الاختلاف الذي وصل إلى حد وصف أيمن الظواهري لهم بأنهم خوارج، وكأنه هو وتنظيمه –أي أيمن الظواهري- يمثل التنظيم المعتدل المتسامح العاقل المجاهد بحق، والمندمج مع أمته والمعبر عنها، مقابل هذا التنظيم المتطرف الطائش الخارج عن الأمة، المشتت لها، فهل هذا صحيح؟ هل هناك اختلاف حقيقي وفعلي بين التنظيمين؟ يحاول الباحث التوصل إلى حكم واضح مدلل عليه. 

جاء البحث في أربعة محاور: 

«داعش».. النشأة والتكوين.

الأسس العقائدية والفكرية والخيارات الفقهية لدى تنظيم القاعدة. 

الأسس العقائدية والفكرية والخيارات الفقهية لدى تنظيم «داعش».

المقارنة بين الأسس العقائدية والفكرية والخيارات الفقهية لدى التنظيمين، والنتيجة المتوصل إليها من خلال هذه المقارنة.

القاعدة و”داعش” 

ويقول الباحث والأكاديمي المصري عمرو عبدالمنعم: إنه كما ورث تنظيم القاعدة حركات الجهاد في العالم، ورث “داعش” حركات التكفير في العالم، وتلاقت هذه الأفكار مع ما تبقى من فكر البعث والذي يحمل قصة كبيرة. ويرى أنه من هنا كانت البداية، ويتساءل في دراسته: ما هي أفكار التنظيمات التي تكون منها هذا التنظيم المنغلق فكريًا وعقائديًا، والذي يمارس أقصى درجات الإرهاب حركيًا وعسكرياً؟ وما هي التيارات الفكرية التي شكلت روافد بالتكوين الداخلي لـ”داعش”، والتي بدأت من قاعدة الجهاد وانتهت بخلافة التكفير؟

لم يستقِ تنظيم داعش أفكاره –كما يلفت الباحث- من كيان واحد أو منبع فكري مستقل، فهي خلطة سحرية متكاملة المعاني والغايات، سيد قطب حاضر في بنيتها الفكرية، وابن لادن وعمر عبدالرحمن حاضران في بنائها التنظيمي والحركي، مما جعل المعتقد الفكري محفزاً في أي عملية حركية ودينامية تعمل على أرض الواقع، على المستوى الفكري وفي الساحات العسكرية على المستوى الحركي.

البعث الداعشي لتنظيم من خلال الإخوان  

كمت يرى يرى جهاد عودة، الأكاديمي المصري ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة حلوان بمصر، أن ظهور جماعة «الناجون من النار» من جديد بمنطقة شبين القناطر بمصر، أثار العديد من علامات الاستفهام، وبدأت التساؤلات تتردد عن علاقة ظهور هذا التنظيم القديم الآن بتنظيم «داعش» الإرهابي، وراهن البعض على وجود صفقة قديمة بينهم وبين الإخوان يعود تاريخها إلى مطلع عام 2012 حينما أصدر المعزول محمد مرسي قرارًا بالعفو الرئاسي عن مجموعة مساجين، من بينهم محمود إبراهيم مبروك، القيادي بتنظيم «الناجون من النار» -تولى المسؤولية عقب القبض على مؤسس التنظيم مجدي الصفتي عام 1993– وهو متهم باغتيال اللواء رؤوف خيرت. فتنظيم «الناجون من النار» ظهر في مصر في منتصف الثمانينيات، وعرف حينها باسم تنظيم «التوقف والتبين»، وبدأ نشاطه عندما تخلى مؤسسه الطبيب الشاب مجدي الصفتي عن فكر القطبيين المكتفي بتكفير المجتمع دون اتخاذ خطوات عنيفة لرده عما يظنونه الكفر، وأصبح الصفتي مؤمنًا بضرورة الجهاد المسلح ضد الجميع، وهي الأفكار التكفيرية نفسها التي أوصلت المنطقة إلى وجود تنظيم «داعش». ويشير الباحث إلى أن تنظيم «الناجون من النار» من أخطر الجماعات الإرهابية التي ظهرت في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك وأكثرها جرأة، حيث كفّرت المجتمع حكامًا ومحكومين، واستبعدت صفة أهل الكتاب عن المسيحيين، ودعت إلى استخدام العنف ضدهم. واعتبرت «الناجون من النار» أن أعضاء الحكومة والعاملين فيها محاربون لله ورسوله، ويتم إهدار دمهم واستباحة أعراضهم وأموالهم، واستباحة سرقة أموال الدولة لتعينهم على حرب الدولة الكافرة. وحرمت الجماعة العمل في أجهزة الدولة الكافرة، والصلاة في المساجد الحكومية فهي مملوكة للدولة الكافرة، وعدم الأكل من الذبائح المحلية لأنها ذبائح الكفار، وتكفير رجال الشرطة والجيش والقضاء وإهدار دمهم؛ لأنهم مساندون للنظام الكافر.

 الشيعة بين القاعدة و”داعش”

أما الباحث المصري صلاح الدين حسن، المتخصص في الجماعات والحركات الإسلامية، يقول في دراسته: إنه غالباً ما تنمو الفكرة الجهادية في وجدان أصحابها أولاً، ثم يقوم هؤلاء بتحديد عدوهم المركزي الذي يضمن بقاءها واستمرارها، عبر خطوط التجنيد والتمويل القادمة من المؤمنين بالفكرة وذات العدو، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة التنظير لقتال ذلك العدو -شرعياً وسياسياً وتاريخياً وفكرياً- والتبرير لوضعه في أولويات أجندته الصراعية. فقد يكون هذا العدو قريباً (الأنظمة الحاكمة) وقد يكون عدواً بعيداً (أمريكا) وقد يكون العدو طائفياً (الشيعة) وقد يكون من الطائفة نفسها التي ترفض منهج تلك الجماعة، فتقرر مواجهته فكرياً أو عسكرياً، فيأخذ ذلك العدو أولوية في القتال تصل في بعض الأوقات إلى أن يكون الأولى في القتال والمواجهة (الصحوات في العراق أنموذجاً). تنتج البيئة المحيطة بالجهاديين عدوها المفترض الذي يمنحها المبرر السائغ لقتاله، إلا أن ذلك العدو يمكن أن يتغير، فيتحول سلاحهم إلى عدو جديد. فتنظيم أنصار بيت المقدس في سيناء أعلن عن نفسه بعد الخامس والعشرين من يناير 2011 محددا إسرائيل كعدو أساسي أنشئ التنظيم من أجله، إلاّ أنه ما لبث أن ترك العدو الحقيقي وتحول في مواجهة الدولة المصرية، بحجة أن تلك الدولة هي من حالت بينه وبين استهداف عدوه المركزي، وهو الأمر الذي كذبه الواقع؛ حيث حول التنظيم وجهته نحو الدولة المصرية بمجرد أن لاح في الأفق سقوط نظام محمد مرسي، فرأى أن تحوله في اتجاه النظام الجديد سيمنح له دعماً كبيراً وتعاطفاً من جمهور الإسلاميين الحانقين من زوال حكم الإخوان المسلمين.

دوائر التكفير لدى داعش

كما يستعرض ماهر فرغلي، الباحث المصري المتخصص في الحركات الإسلامية، التحولات التي جرت على المعالم الفكرية التي رصدها الباحث لتنظيم الدولة (داعش) عقائدياً، ويضرب المثل، بالمسألة الكبرى، التي تم تفصيلها بين كل الجماعات وهي العذر بالجهل، حيث اختار بعض الجهاديين العذر على إطلاقه، وآخرون اختاروا عدم العذر لطوائف بعينها، ومنهم جماعة الجهاد المصرية، التي كانت لا تعذر رجال الشرطة، ولا الجيش، وتأثر بها تنظيم القاعدة، وسار على نهجها، حتى وصلنا في نهاية المسار إلى تنظيم الدولة، الذي ارتبك فقهياً في تلك المسألة، ثم تموضع في النهاية إلى عدم العذر، بل وكفّر من لم يكفّر العاذر. 

«داعش» والحركات الجهادية في غرب أفريقيا

أما عبير شليغم، أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية، خلصت في دراستها إلى أن الانتشار الجغرافي لتنظيم الدولة الإسلامية من دولة المنشئة (الشام والعراق) وصولاً لدول غرب أفريقيا، شهد مجموعة من المحددات يمكن اختزالها في ثلاثة عوامل أساسية: عامل أيديولوجي، يتمثل في انتشار أيديولوجيا السلفية الجهادية، بتوافرها على أيديولوجية دينية تتعلق بتمثيل الإسلام السني، وحرصه على بناء دولة تقوم على مفهوم الخلافة وتطبيق الشريعة. علاوة على العامل المؤسساتي، يرتبط التنظيم بهشاشة بنيات دول غرب أفريقيا وأجهزتها وضعف قدرتها على مراقبة مجالها، وكذا مظاهر التهميش والإقصاء التي تقوم بها الحكومات تجاه مواطنيها من تفضيل قبائل وجماعات معينة على غيرها من القبائل، وكذا انتشار الفقر والبطالة، والفساد واللامساواة وعدم وجود عدالة في توزيع ثروات القارة. فضلاً عن ذلك؛ هناك عامل آخر تنظيمي، يكمن في الجماعات المسلحة الموجودة أساساً في المنطقة، والتي تدفعها ظروف معينة إلى مبايعة تنظيم «داعش»، وهذا ما تعززه مصالح القوى الكبرى في المنطقة.

الحالة الجهادية في الجزائر  

فيما تطرق منتصر حمادة، مدير مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث، في هذه الدراسة إلى بعض القواسم والفوارق بين نموذجين بارزين في العمل الإسلامي الحركي؛ في شقه القتالي بالتحديد، أو قُل «الجهادي»، بين «الجماعة الإسلامية المسلحة» في الجزائر المعروفة إعلامياً بتنظيم «الجيا»، نسبة إلى مختصر اسم الجماعة بالفرنسية [GIA]، وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، المعروف إعلامياً بتنظيم «داعش»، وتكمن أهمية هذه الوقفة المقارنة، في مساعدة المتتبع على الظفر ببعض المفاتيح المفاهيمية التي تساعده على قراءة مُحددات ومآلات الظاهرة، خصوصاً في سياق إقليمي ودولي يتميز بما يُشبه اختلاطاً كبيراً لأوراق السياسة بالدين والأمن والاقتصاد.

تتوزع الدراسة على ثلاثة محاور، الأول: القواسم المشتركة بين الظاهرتين «الجهاديتين»، والثاني: الفوارق، والثالث: الخلاصات.

يعتبر الباحث أن ثمة خلاصة ضرورية بخصوص التفاعل العقائدي مع أدبيات المشروعات الإسلامية «الجهاديةّ»، والمرتبطة بتفاعل صناع القرار والباحثين والإعلاميين، أو الخاصة والعامة، مع الظاهرة، ومعها الظاهرة الإسلامية الحركية بشكل عام، في شتى تفرعاتها الدعوية والسياسية والقتالية، ومفادها أنه إذا سَلمنا بأن الظاهرة الإسلامية «الجهادية» تجسّد «صدمة» أو مفاجأة ، فإن العديد من المشروعات الإسلامية الحركية [الدعوية والسياسية أساساً] وجدت نفسها عاجزة عن نقد التيار، وارتأت إما ترويج خطاب المؤامرة، أو خطاب المُحدد السياسي/ السلطوي الذي يقف وراء صعود أسهم الظاهرة، وغيرها من القراءات البعيدة كلياً عن بيت القصيد «الجهادي» بشكل عام، وبيت القصيد «الداعشي» بشكل أخص، ومرد ذلك، التحايل أو الصمت عن الإحراج المباشر الذي يُجسده المشروع «الجهادي» لهذه المشروعات، وخصوصاً الإحراج العقدي والفقهي والمذهبي، وهذه مفارقة مؤرقة.

 ويخلص الباحث إلى أن أزمة العقل الإسلامي «الجهادي» من أزمة العقل الإسلامي الحركي بشكل عام، سواء كان عقلاً دعوياً أو سياسياً أو «جهادياً»، لأن «الدعوة الجامعة لكل تيارات وفصائل الإسلام السياسي؛ لا تتجاوز ما يُعلنه تنظيم «داعش» على رؤوس الأشهاد، ومن قبله «تنظيم الإخوان المسلمين»، بسعيهما لاستهداف إعادة نمط الدولة الدينية المسماة «دولة الخلافة».

حماس وعلاقتها بإيران وأنصار “داعش” في غزة  


ويعتقد محمد جمعة، الباحث المصري، رئيس وحدة الدراسات الفلسطينية بمركز الأهرام للدراسات، أن تطورات الأحداث، ومعطيات الواقع الميداني خلال العامين الأخيرين في قطاع غزة، تؤكد أن التوازن المعقد بين حماس (الحركة وسلطة الأمر الواقع) وتنظيمات السلفية الجهادية في غزة، يزداد هشاشةً ويصبح أقل استقراراً يوماً بعد يوم. فمنذ الإعلان الداعشي عن دولة الخلافة في العراق وسوريا، في يونيو (حزيران) 2014، وقطاع غزة يشهد تصعيداً في الصراع بين حركة حماس ومجموعات السلفية الجهادية المؤيدة لـ«داعش» هناك. شمل هذا التصعيد تبادلاً لإطلاق النار بأسلحة خفيفة، وزرع قنابل وعبوات ناسفة في منشآت عامة وأهداف تابعة لحماس، وإطلاق الصواريخ من قبل تلك المجموعات داخل غزة، باتجاه المدن الإسرائيلية، في تحدٍ واضح لـ«سلطة حماس» ورغبتها –في الوقت الراهن- في استمرار التهدئة مع إسرائيل. وشكل اندلاع الصراع بين عناصر «داعش» والفلسطينيين في مخيم اليرموك الفلسطيني في سوريا، والذي يضم عناصر تنفيذية لحماس، دليلاً على التوتر المتزايد بين الجانبين. ويخلص الباحث إلى أن مقاربة حماس بشأن مثل هذه الجماعات، والتي تجمع ما بين المواجهة التي تصل إلى حد العنف الدموي أحياناً، والاحتواء عبر المراجعات الثقافية والملاحقة الأمنية، وأحياناً إبرام الصفقات، لن تحقق لحكم حماس الاستقرار، ولا لحركتها دوام الهيمنة على المجال العام في قطاع غزة. ربما يكون العكس هو الصحيح تماماً، إذ ثبت أن المواجهة بالعنف في الماضي، لم تقض على هذه الحركات، بل أدت إلى انخفاض شعبية حماس وخروج بعض عناصرها وانضمامهم إلى جماعات سلفية جهادية أخرى. في المقابل، فإن مصالحة بين حماس ومثل هذه الجماعات، تسمح للأخيرة بتوسع في الأنشطة الثقافية والسياسية وربما العسكرية أيضا، يفرض على مرونة حماس الأيديولوجية تحديات، قد لا تكون لدى الحركة المناعة الكافية لمجابهتها، فتندفع حماس باتجاه المزيد من سياسات الأسلمة والعسكرة للقطاع. وهي الأمور التي ستزيد من عزلتها الإقليمية والدولية، وتستنفر إسرائيل باتجاه توجيه المزيد من الضربات للبنية التحتية للحركة والحكومة في غزة. ضربات سيكون من نتيجتها بالتبعية إضعاف الحركة، لصالح الجماعات السلفية الجهادية. وهكذا في سلسلة من التداعيات والتدهورات المستمرة، ستظهر نتائجها على المديين المتوسط والبعيد. 

الذئاب المنفردة: مدخل لتفسير الأيديولوجيا والظاهرة  

أما خالد عكاشة، باحث مصري، متخصص في الحركات الإسلامية، يتناول في دراسته ظاهرة «الخلايا الصغيرة، والذئاب المنفردة» التي كانت حاضرة منذ بدأ الفكر المتطرف ينتهج العنف المسلح. ليجيء تنظيم «داعش» ليدخل عليها من التطويرات، ويعتمدها كتكتيك عملياتي رئيس للتنظيم، ويحقق بممارستها قفزات هائلة في فضاء العنف والرعب اللذين صاحبا تلك الظاهرة، حيث تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن المدى الزمني لهذه الموجة الإرهابية لم يتجاوز عامين، مما يشير إلى قدرة الأنشطة الإرهابية على النفاذ السريع للساحات المستهدفة، بخلاف جاهزية المنفذين، مما يلقي بظلال تشاؤمية تجاه مستقبل لم يبرز منه أي مؤشرات لانحسار العمليات الإرهابية بشكل عام، المتوافق مع تكتيكات تلك الظاهرة أو غيرها. ووفقاً لهذا الطرح الضبابي والمعقد يطل بالضرورة سؤال حول الإخفاق الأمني للأجهزة المعنية بآليات المواجهة، وهل يمكن وصم المنظومات الأمنية بالسقوط في براثن تعقيدات هذا الخطر، من دون أسلحة فاعلة قادرة على تأمين الحماية للمواطن في المجتمع والدولة التي يعيش بها، فضلاً عن مهمة قطع الطريق على تمدد تلك الموجة؟. ما يزيد الأمر تعقيداً أن النمط المستحدث لصناعة تلك الموجة الإرهابية يتم بواسطة «خلايا محدودة عددياً أو إرهابي منفرد» مما يمكن اعتباره إرهاباً محدود الكلفة، في الوقت الذي نجح في الوصول إلى أهدافه بسرعة لافتة، وأسقط العديد من المعادلات الأمنية والضحايا، مما شكل قلقاً عميقاً وحقيقياً، فربما يكون «الصدمة والرعب» بتبعاتهما المختلفة هما المستهدف «الأقرب للواقع» من موجة النشاط الإرهابي بطبعته الجديدة، والأكثر إيلاماً وتأثيراً من أرقام الضحايا وحجم الخسائر.

شارك