مصير أبناء الإرهابيين الأجانب في مخيمات سوريا.. بين الاحتواء والترك (1)

الخميس 23/يونيو/2022 - 03:45 م
طباعة مصير أبناء الإرهابيين حسام الحداد
 
مخيم الهول في محافظة الحسكة وفق الأمم المتحدة يضم 65 ألف شخص، يتوزعون بين نازحين سوريين وعراقيين، بالإضافة إلى آلاف من عائلات المقاتلين الأجانب المتحدرين من أكثر من خمسين دولة، ويقيم هؤلاء في قسم خاص ويخضعون لحراسة أمنية مشددة.
ومنذ إعلانهم القضاء على "خلافة" تنظيم الدولة "داعش" في مارس 2019، يطالب الأكراد الدول المعنية باستعادة مواطنيها المحتجزين لديهم أو إنشاء محكمة دولية لمحاكمة الجهاديين. إلا أن غالبية الدول، وخصوصاً الأوروبية، تصر على عدم استعادة مواطنيها.
ويقع مخيم الهول في منطقة يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق سورية. وتتحدث الحكومة الألمانية عن الوضع العام في المخيم، الذي تم تأسيسه عقب استيلاء على المعقل السوري الأخير لتنظيم داعش في منطقة الباغوز في مارس 2020، استنادا إلى تقارير صحفية ومعلومات خاصة.
واكتفت دول أوروبية عدة، بينها فرنسا، باستعادة عدد محدود من الأطفال اليتامى من أبناء الجهاديين الفرنسيين.
وفي يوليو 2020، قدرت الحكومة الألمانية أن مخيم الهول للاجئين في سورية يتطور إلى مدرسة إرهاب خطيرة.
في هذا التقرير نرصد لأهم الدول التي لديها مقاتلين محتجزين في المخيمات السورية وكيف تعاملت معهم هذه الدول
قنابل موقوتة:
أكّد باحثان بلجيكيان في دراسة نشرت في 28 أكتوبر 2020،  أنّ أكثر من 600 طفل من أبناء إرهابيين أوروبيين، ثلثهم تقريباً فرنسيون، محتجزون حالياً في مخيّمين يخضعان لسيطرة الأكراد في شمال شرق سوريا، مندّدَين بـ"تقاعس" دولهم.
وقال توما رينار وريك كولسايت، الخبيران بشؤون الجهاديين في معهد إيغمونت في بروكسل، في دراستهما إنّ "ما بين 610 و680" طفلاً من مواطني الاتّحاد الأوروبي محتجزون حالياً مع أمهاتهم في مخيّمي روج والهول في شمال شرق سوريا.
وأضافت الدراسة أنّ هؤلاء الأطفال احتجزوا اعتباراً من 2019 مع أمّهاتهم اللواتي كنّ، في قسمهن الأكبر، يقاتلن في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية.
وإذا ما أضيف هؤلاء الأطفال إلى حوالى 400 بالغ - بينهم جهاديون معتقلون على وجه الخصوص في مدينة الحسكة السورية - يصبح هناك في المجموع حوالى ألف أوروبي محتجزين في المنطقة العراقية-السورية، وفقاً للدراسة التي استندت إلى بيانات رسمية وتقديرات خبراء وإحصاءات لمنظمات غير حكومية ميدانية.
ويتصدّر الفرنسيون قائمة هؤلاء المحتجزين الأوروبيين إذ هناك ما بين "150 إلى 200" بالغ و"200 إلى 250" طفلاً، غالبيتهم العظمى في سوريا.
ويلي الفرنسيين من حيث العدد الألمان ثم الهولنديون ثم السويديون ثم البلجيكيون فالبريطانيون، وفقاً للدراسة التي لفتت إلى أنّ هناك ما لا يقلّ عن 38 طفلاً بلجيكياً محتجزاً و35 قاصراً بريطانياً.
واعتبر الباحثان أنّه في ما يخصّ الجهاديين البالغين الذين قاتلوا في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية والذين استبعدت دولهم إمكانية استعادتهم، فإنّ احتجاز هؤلاء "خارج أي إطار قانوني دولي" والغموض الذي يكتنف إمكان حصولهم على محاكمة حيث هم، يُذكّر بقضية المعتقلين في معسكر غوانتانامو الأميركي.
وقال توما رينار لوكالة فرانس برس "نشهد اليوم مع هؤلاء المعتقلين الأوروبيين وضعاً مماثلاً" لوضع معتقلي غوانتانامو، داعياً إلى النظر في إمكانية محاكمة هؤلاء أمام محاكم تابعة للإدارة الكردية.
أما الأطفال، كما يقول الباحث، "فهُم ضحايا خيارات آبائهم وضحايا الحرب والظروف الصعبة للغاية في هذه المخيمات، وكذلك ضحايا تقاعس الحكومات الأوروبية".
وشدّد رينار على أن الحكومات الأوروبية "تدرك تماماً وضعهم ولكنّها اختارت عدم إعادتهم إلى أوطانهم، غالباً خلافاً لتوصيات إداراتهم وأجهزتهم المتخصّصة بمكافحة الإرهاب".
ورفض الباحث الفكرة القائلة بأنّ هؤلاء الأطفال سيكونون بمثابة "قنابل موقوتة" إذا ما أعيدوا إلى بلدانهم.
وقال "60 إلى 70% منهم هم دون الخامسة من العمر، وجميع الآخرين تقريباً تقلّ أعمارهم عن 12 عاماً، وليست هناك سوى حفنة من المراهقين".
بلجيكا:
أعادت بلجيكا  16 طفلا وست أمّهات هم أفراد عائلات إرهابيون جميعهم بلجيكيون كانوا محتجزين في مخيم روج، في أكبر عملية من هذا النوع تنظمها بروكسل منذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا في العام 2019.
ونظمت العملية بالتعاون بين الشرطة ووزارتي الدفاع والخارجية وكشفت عنها النيابة العامة صباح الثلاثاء 21 يونيو 2022، ما أن حطت الطائرة العسكرية البلجيكية التي حملت المجموعة في قاعدة ملسبروك قرب بروكسل ونقل أفرادها إلى مكان آمن.
وأكدت الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا أنها سلمت الأحد 19 يونيو الجاري وفدا بلجيكيا 16 طفلا وست نساء كلهم من أفراد عائلات إرهابيين.
وأوضح مصدر مطلع على الملف إن المجموعة صعدت إلى طائرة في اربيل في العراق بعدما عبر أفرادها الحدود السورية-العراقية.
وكان الجميع يقيمون في مخيم روج الذي أخرج منه في يوليو 2021 عشرة أطفال وأمهاتهم الست خلال عملية أولى واسعة النطاق نظمتها الحكومة البلجيكية.
وقال المدعي العام الفدرالي فريدريك فان لوف خلال مؤتمر صحافي إن القصر الستة عشر هم دون الثانية عشرة "وقد ولدوا بين العامين 2010 و2019". ولدى وصولهم نقلوا إلى المستشفى للخضوع لفحوصات قبل أن يسلموا إلى دائرة حماية الأحداث.
أما الأمهات الست وهن مقاتلات سبق وحكم عليهن في بلجيكا "بعقوبات تصل إلى خمس سنوات" فقد تم ايداعهن السجن. وأوضح المدعي العام أن هذه العملية أتت "بقرار سياسي... يغلب مصلحة الأطفال على أي اعتبار آخر".
وفي الرابع من مارس 2021، غداة إعطاء أجهزة مكافحة الإرهاب الضوء الأخضر، وعد رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دو كرو "ببذل كل ما في وسعه" لإعادة الأطفال دون 12 عاما الذي يتمّ إثبات أنهم بلجيكيون.
وكان ينبغي للأمهات إلى جانب إثبات جنسيتهن للعودة إلى البلاد التعبير عن "التوبة" والتخلي عن النهج الإرهابي على ما أوضحت السلطات البلجيكية الثلاثاء.
وإلى جانب المقاتلين البلجيكيين الذين لا يزالون معتقلين في المنطقة وعددهم "10 إلى 15 بحسب النيابة الفدرالية، "يبقى بعض النساء والأطفال". وأوضح المندوب العام لحقوق الطفل برنار دو فوس ان عدد الأطفال البلجيكيين "يصل إلى خمسة".
وتُعدّ بلجيكا إلى جانب فرنسا من بين الدول الأوروبية التي شهدت مغادرة أكبر عدد من مواطنيها للانضمام إلى صفوف المقاتلين الأجانب، بعد اندلاع النزاع في سوريا عام 2011. واعتبارا من 2012، غادر أكثر من 400 بلجيكي إلى سوريا للقتال في صفوف التنظيمات الإرهابية.
ومنذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في معقلها الأخير في باغوز في شرق سوريا في مارس 2019 اقتيدت مئات النساء والأطفال من جنسيات مختلفة إلى مخيمات كردية في حين أودع الرجال السجن.
فرنسا:
وتعد فرنسا واحدة من أكثر الدول التي لديها مواطنين حاربوا في صفوف داعش، ومحتجزين في المخيمات السورية، ولا تزال فرنسا تعتمد سياسة إعادة بطيئة تتعرض لانتقادات في حين أن ظروف العيش في المخيمات "مزرية"بحسب الأمم المتحدة.
ويدعو تجمع العائلات الموحدة بانتظام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إعادة الأطفال "السجناء في سوريا" باسم "الالتزامات الدولية" للدولة الفرنسية ولا سيما الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي وقعتها.
ويضم هذا التجمع جزءا كبيرا من عائلات نحو 80 زوجة إرهابي و200 طفل فرنسي لا يزالون عالقين في مخيم روج. ومنذ العام 2016، أعيد 126 طفلا من سوريا والعراق غالبيتهم صغار السن. وفي 14 ديسمبر 2021 توفيت فرنسية تبلغ الثامنة والعشرين وتعاني من مرض السكري..
وفي أواخر فبراير 2022، أعلنت لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة أنّ باريس انتهكت حقوق الأطفال الفرنسيين المحتجزين في سوريا في معسكرات مخصّصة لاحتجاز ذويهم الإرهابيين وذلك بعدما نظرت في مراجعات تتعلّق بـ49 طفلا فرنسيا.
وقالت اللجنة في بيان إنّ "رفض فرنسا استعادة أطفال فرنسيين محتجزين منذ سنوات في معسكرات سورية في ظروف تعرّض حياتهم للخطر، ينتهك حقّهم في الحياة فضلا عن حقهم في عدم تلقّي معاملة غير إنسانية وتحطّ الكرامة".
وأضافت أنّ "فرنسا تتحمّل مسؤولية ولديها القدرة على حماية الأطفال الفرنسيين في المخيّمات السورية من خطر وشيك يتهدّد حياتهم وذلك من خلال اتخاذ إجراءات لإعادتهم إلى وطنهم".
وتتكوّن هذه اللجنة من 18 خبيرا مستقلا مهمّتهم مراقبة تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل من قبل الدول الأطراف فيها.
ونشرت اللجنة النتائج التي خلصت إليها بعدما نظرت في ثلاث مراجعات قدمّتها إليها مجموعة من المواطنين الفرنسيين لديهم أحفاد أو أبناء إخوة أو أبناء أخوات محتجزون حاليا في معسكرات روج وعين عيسى والهول المخصصة لاعتقال الإرهابيين والخاضعة لسيطرة القوات الكردية.
وتتعلّق المراجعات الثلاث بـ49 طفلا فرنسيا هم أبناء جهاديين مفترضين. ووُلد بعض هؤلاء الأطفال في سوريا، في حين سافر البعض الآخر إلى هذا البلد مع آبائهم أو أمهاتهم الفرنسيين في سنّ مبكرة جدا.
ومنذ أن قدّم الأقارب هذه المراجعات إلى اللجنة في 2019، أعادت الحكومة الفرنسية 11 من هؤلاء الأطفال. أما الأطفال الـ38 الآخرون وبعضهم لا تتجاوز أعمارهم خمس سنوات، فلا يزالون محتجزين في معسكرات مغلقة في مناطق حرب.
واعتبرت اللجنة في بيانها أنّ الاحتجاز الطويل للأطفال الضحايا في ظروف تهدّد حياتهم هو بمثابة "معاملة أو عقوبة لا إنسانية ومحطّة للكرامة".
وخلص الخبراء أيضا إلى أنّ فرنسا لم تثبت "أنها راعت على النحو الواجب المصالح الفضلى للأطفال الضحايا عندما درست الطلبات التي قدّمتها أقاربهم لإعادتهم إلى وطنهم".
وحضّت اللجنة الحكومة الفرنسية على اتخاذ تدابير عاجلة لإعادة الأطفال الباقين وعددهم 38. وطلبت من السلطات "اتّخاذ إجراءات إضافية لتخفيف المخاطر التي تتهدد حياة الأطفال الضحايا وبقاءهم ونماءهم أثناء إقامتهم في شمال شرق سوريا".

شارك