"مواطنو الرايخ".. اليمين المتطرف يهز عرش ألمانيا

السبت 10/ديسمبر/2022 - 11:51 ص
طباعة مواطنو الرايخ.. اليمين أميرة الشريف
 
شهدت ألمانيا على مدار اليومين الماضيين حالة من الهرج والمرج لم يسبق حدوثها من قبل، حيث أظهرت محاولة الانقلاب التي قامت بها حركة "مواطني الرايخ" التي تنتمي لليمين المتطرف في ألمانيا مخاطر أمنية، أبرزها استغلال جماعات غير شرعية للأزمات الاقتصادية الحالية في تهديد كيان الدولة ومحاولة تفكيكها.
وشارك الأربعاء 7 ديسمبر 2022 أكثر من ثلاثة آلاف عنصر من بينهم وحدات النخبة لمكافحة الإرهاب في عمليات الدهم التي نفذتها الشرطة، فتشوا خلالها أكثر من 130 عقاراً في 11 ولاية من أصل 16 ولاية ألمانية، في ما وصفته وسائل إعلام محلية بأنها واحدة من أكبر عمليات الشرطة التي شهدتها البلاد.
وشن آلاف ضباط الشرطة الألمانية مداهمات في أنحاء عدة من البلاد واعتقلوا 25 شخصاً ينتمون إلى مجموعة يمينية متطرفة، يزعم أنهم خططوا لإطاحة الحكومة عبر انقلاب مسلح يستهدف البرلمان الألماني "بوندستاغ".
واستهدفت العمليات أعضاء في حركة "مواطني الرايخ" يشتبه في "قيامهم باستعدادات لاقتحام البرلمان الألماني بعنف مع مجموعة صغيرة مسلحة"، وفق ما جاء في بيان لمدعين فيدراليين.
وأفادت مجلة "دير شبيغل" الألمانية بأن المواقع التي جرت مداهمتها شملت ثكنات وحدة القوات الخاصة الألمانية "كيه أس كيه"  في بلدة كالو الجنوبية الغربية، وهي الوحدة التي خضعت للتدقيق في الماضي على خلفية تورط بعض جنودها في صلات باليمين المتطرف في حين رفض المدعون الفيدراليون تأكيد أو نفي أن الثكنات جرى تفتيشها، بحسب المجلة.
وإلى جانب الاعتقالات في ألمانيا، قال ممثلو الادعاء إن شخصاً أوقف في بلدة كيتزبويهيل النمسوية وآخر في مدينة بيروجيا الإيطالية.
وقالت متحدثة باسم الادعاء العام في كارلسروه، إن قوات الشرطة نفذت هجمات متفرقة لملاحقة المتهمين في 11 ولاية.
ووفق البيان الصادر عن الادعاء العام، أسست الحركة ذراعا عسكرية للقضاء على دولة القانون على مستوى البلديات والمقاطعات، وبعض أعضاء هذا الذراع المشتبه بهم خدموا في الجيش.
ووفق تقارير إعلامية فإن المشتبه بهم كانوا يريدون تنصيب الأمير هاينريش الثالث عشر، 71 عاما، الذي ينحدر من إحدى أسر النبلاء الألمانية القديمة، كزعيم جديد للبلاد.
 وقال المدعون العامون ومسؤولو المخابرات الألمان إن الشبكة الإرهابية اليمينية المتطرفة صنعت قائمة سوداء لـ 18 اسم من السياسين الذين تعتبرهم أعداء، وكانت تستهدف نفى بعضهم خارج البلاد وسجن البعض وإعدام البعض الآخر، من بينهم المستشار أولاف شولتز .
و"مواطنو الرايخ "، حركة تنتمي لليمين المتطرف تأسست في العام 1949، وبدأت في التطور منذ ثمانينيات القرن الماضي، ويتبنى بعض منتسبيها أفكار "النازيين الجدد"، الذين يسعوا إلى إحياء الأيديولوجيا النازية.
كما يتبنى البعض نظرية المؤامرة، حيث يُجمع أعضاؤها على أن "ألمانيا الحديثة" هي مستعمرة أمريكية، أو مجرد منطقة إدارية تابعة لقوى غربية هي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، إضافةً إلى المتحمسين للسلاح الذين يرفضون شرعية الجمهورية الألمانية الحديثة.
وأعضاء حركة "مواطني الرايخ" يجمعون على فكرة أن حدود الإمبراطورية الألمانية المقررة عام 1871 لا تزال هي حدود البلاد الشرعية، وأن قوات الحلفاء التي هزمت النازيين في الحرب العالمية الثانية تحتل أجزاء من ألمانيا، حيث لا يعترف أعضاء الحركة بوجود جمهورية المانيا الاتحادية التي ابصرت النور في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ولا يعترفون بأي حكومة في البلاد منذ انتهاء الحكم النازي.
وتتشكل الحركة من جماعات صغيرة وأفراد، وتنشط بالأساس في ولايات براندنبورغ، وميكلينبورغ فوربومرن، وبافاريا، فضلا عن عدم اعتراف أعضاء الحركة بشرعية سلطات الحكومة الفدرالية الألمانية، فإنهم يرفضون كذلك دفع الضرائب.
ويقوم بعض أعضاء الحركة بطبع جوازات سفر ورخص قيادة خاصة بهم، مكتوب عليها "الرايخ الألماني"، غير مكترثين بأن السلطات الألمانية لا تعترف بها وتعتبر هذا الفعل مخالفا للقانون، كما انهم أعلنوا بكل فخر نيتهم "مواصلة المعركة ضد جمهورية ألمانيا الاتحادية".
ووفق تقرير للمخابرات الداخلية نشر في يونيو الماضي، تم تقدير عدد أفراد هذه الحركة بنحو 21 ألف شخص فيما جرى تصنيف 5 بالمائة منهم على أنهم متطرفون من أقصى اليمين.
وأفادت التقارير بأن معظم أعضاء الحركة من الذكور ممن تزيد أعمارهم في المتوسط عن 50 عاماً فيما ينتسب معظمهم إلى الأيديولوجيات اليمينية المتطرفة والنازية والمعادية للساميةوينتشرون في مختلف أنحاء البلاد.
وقد وصف قاضي في محكمة بولاية سكسونيا أنهالت أعضاء حركة "مواطني الرايخ" بأنهم عناصر من "أصحاب نظرية المؤامرة والساخطين".
وذكرت التقارير بأنه خلال جائحة كورونا، ازدادت وتيرة التطرف بين أعضاء الحركة خاصة عندما جذبوا اهتمام حركة "التفكير الجانبي" التي تروج لنظريات مؤامرة حول كورونا، حيث رفضوا الالتزام بأي قيود تفرضها السلطات للوقاية من تفشي الفيروس تحت مزاعم عدم الاعتراف بهذه السلطات.
ورغم عدم اعترافهم بالحكومة الفيدرالية، إلأ أن أعضاء الحركة يعملون على تقديم الكثير من الاقتراحات والاعتراضات إلى المحاكم الألمانية ضد تنفيذ أوامر قضائية ومطالب دفع أصدرتها السلطات المحلية، فيما يتعين على السلطات النظر في كل طلب رسمي يتم تقديمه.
وتعرب السلطات الألمانية عن قلقها البالغ إزاء حيازة كثير من أعضاء الحركة على أسلحة نارية ، حيث ذكر تقرير المخابرات الداخلية الأخير أن أعضاء الحركة لديهم الاستعداد والرغبة في ارتكاب "أعمال عنف خطيرة"، فيما قامت السلطات المختصة في السنوات القليلة الماضية بإلغاء تصاريح الأسلحة لمئات من أعضاء الحركة.
وبحسب وكالة الأنباء الألمانية فقد قام أعضاء حركة "مواطني الرايخ" في السنوات الأخيرة بمهاجمة عناصر من الشرطة كانت تنفذ عمليات مداهمة، فيما زعم البعض أنهم يمتلكون الحق في الدفاع عن "ممتلكاتهم".
ويري مراقبون أوروبيون أن أحزاب اليمين المتطرّف باتت تشكل تهديداً للبلاد وديمقراطيتها، وتتصاعد بأجنحته الفاشية والنازية المتغلغلة في أكثر من بلد أوروبي، كما أفرزت الانتخابات الأخيرة.

شارك