سيناريوهات مستقبل ليبيا .. هل تشهد المرحلة المقبلة واقعًا جديدًا؟

الخميس 02/فبراير/2023 - 12:13 م
طباعة سيناريوهات مستقبل أميرة الشريف
 
يترقب الليبيون إنفراجة سياسية عام 2023، فضلا عن عودة الاستقرار والهدوء لأنحاء البلاد وهو الأمر الذي لم يحدث قط إلا بإجراء انتخابات رئاسية تنهي هذه الحالة البائسة التي يعيشها الشعب الليبي منذ سنوات عجاف عانت فيها من الحرب والدمار والسرقة والنهب لثراوتها من الداخل والخارج، فهل ستصحو نخبها وقياداتها ويجتمعوا على كلمة سواء نصرة للبلد؟ أم أنهم سيغوصون كما هى عادتهم لعقد آخر من الزمان في داء الشخصنة وتغليب المصالح الشخصية وتذكية النعرات القبلية التي زجت بها في أتون حروب مستعرة و لا تزال.
رغم أن كافة المعطيات تشير إلي أن الوضع في ليبيا سيظل معقدًا، لعرقلة  الوصول إلي صيغة حل سياسية مقبولة، ولذلك فاستمرار دوامة الانتقال غير التام وعدم الذهاب للانتخابات ستكون نتيجة حتمية، حيث عاد ملف التعيينات القيادية في المناصب السيادية إلى واجهة الأحداث في ليبيا، في ظل جدل واسع بشأن ظروف وتوقيت الإعلان عن التعيينات، ولا سيما بعد مرور عامين على توقيع اتفاق بهذا الخصوص بين مجلسي النواب والدولة إثر سلسلة اللقاءات التي شهدتها مدينة بوزنيقة المغربية.
وينتظر الليبيون الموقف الرسمي لمجلس النواب بعد أن أعلن مجلس الدولة الاستشاري انتهاءه من فرز ملفات المترشحين لتولي المناصب القيادية، بالتزامن مع خروج خلافات بين رئيسي المجلسين إلى العلن في الأيام الماضية، تتمحور في الأساس في القاعدة الدستورية للانتخابات المقبلة.
ويرى مراقبون أن الصراعات بين الفرقاء تلقي بظلالها على ملف المناصب القيادية في المؤسسات السيادية التي تنشط من العاصمة طرابلس مثل مصرف ليبيا المركزي وهيئة الانتخابات، وديوان المحاسبة.0
وكانت بداية عام 2022 مُبشرة لإحداث تغيرات جذرية وتصعد بليبيا إلي مرحلة استقرار لم تشهدها منذ 13 عامًا، ولكن دائما تجري الرياح بما لا تشتهي السفن وبدأت الصراعات تتفاقم وتتصاعد مجددًا، فبعد قرار مجلسي الدولة والنواب، في فبراير 2022 بتكليف وزير الداخلية السابق في حكومة الوفاق الوطني فتحي باشاغا بتشكيل حكومة جديدة تحمل اسم حكومة الاستقرار الوطني تحل محل حكومة عبد الحميد الدبيبة، احتدم الصراع على السلطة التنفيذية في ليبيا حيث بلغت التنافسية بين حكومتي باشاغا والدبيبة، ذروتها بصورة كاشفة لتمسك كل منهما بالإنفراد بالسلطة التنفيذية وإزاحة الآخر من المشهد بصورة تامة، وعدم إبداء مرونة لإعادة إنتاج نموذج "الحكومات المتوازية" التي شهدتها ليبيا في فترات سابقة.
 وظهر ذلك واضحًا من التربص المُتبادل بين الحكومتين فبينما حاول باشاغا دخول العاصمة الليبية، تارة بالتفاهمات وأخرى بالمواجهة، سعى الدبيبة لإضعاف وإقصاء المجموعات المُسلحة والشخصيات النافذة التي تحمل ولاءً لباشاغا، عن طرابلس.
واستمرت محاولات باشاغا، حيث شهد شهر مايو الماضي أول اشتباكات دامية في قلب العاصمة انتهت بخروجه من طرابلس، وإقالة شخصيات عسكرية أعلنت تأييدها له على رأسها اللواء أسامة جويلي، غير أن الأمور استمرت في التوتر حتى اندلاع اشتباكات سوق الثلاثاء بين قوتي "النواصي" و"الردع" في يونيو 2022.
كما أن التشكيلات المسلحة في المنطقة الغربية استشعرت خطر الإطاحة بها من المشهد، فبعدما انحازت بشكل مُعلن أو ضمني لأحد المتنازعين على رئاسة الحكومة، وجدت أنها لابد من أن تُضاعف مكتسباتها أو تخرج منها خالية الوفاض، فضلا عن استمرار التأثيرات الخارجية في ليبيا، حيث كشفت اشتباكات طرابلس أن الخارج مازال محتفظاً بتأثير كبير على مجريات الأحداث الليبية، وبدأت الكتائب المسلحة في استغلال الفرصة لتغيير قواعد الاشتباك، حيث نشر الدبيبة قوات عسكرية جنوب العاصمة بعد تلويح باشاغا مجدداً بدخولها، وأعقب ذلك بأقل من 48 ساعة إطلاق الرصاصة الأولى في المواجهات.
وبحسب تقارير إعلامية نشرت في 22 أغسطس 2022 فإن القوات التركية ساهمت في صد الهجوم الذي وقع ضد القوات الموالية لحكومة الدبيبة، وأضافت أن الطيران المُسيّر التركي قام بعمليات مسح وتأمين في ضواحي طرابلس، وهذا ما يؤكد استمرار التأثيرات الخارجية كعامل حاسم في تطورات المشهد الليبي.
وفي شهر أغسطس، انتقل الصراع السياسي والعسكري إلى ساحة القضاء حينما عين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح 45 مستشارا بالمحكمة العليا، ورفض رئيسها آنذاك القرار وأعلن بعدها تفعيل الدائرة الدستورية التي حلت البرلمان عام 2014.
وفي سياق الإلمام بزمام الأمور، سعى الجيش الوطني لإظهار حياده عن التوترات الجارية في الغرب الليبي، حيث أعلنت القيادة العامة أنها لا تنحاز لأي من أطراف المواجهات، بالرغم من الإشارات السابقة المُتصلة بأن الجيش الوطني داعم لتولي حكومة باشاغا المدعومة من مجلس النواب زمام إدارة الدولة في المرحلة الراهنة.
ويشير ذلك الموقف بأن الجيش الوطني الليبي، منذ اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر 2020، يتبنى اتجاهاً لتعزيز سيطرته ودوره في المنطقتين الشرقية والجنوبية، بالإضافة إلى دعم أنشطة اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) لتوحيد الجيش.
ويتحدث خبراء في الشأن الليبي بأن هناك 4 سيناريوهات محتملة للفترة المقبلة في ليبيا, الأول يتمثل في الوصول إلى حل توافقي وحل الأزمات في المسارات الأربع، وسيقوم عمليا على أن تجرى الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 2023.
السيناريو الثاني ينبني ربما على أحداث وتطورات فُجائية خلال الأيام القادمة، إذ قد يتم استهداف الحقول من طرف كتائب وقوى اجتماعية وعسكرية بحثا منها على طرد قوات الفاغنر الروسية هناك، ثم يتم لاحقا ترتيب السيناريو السابق نفسه تقريبا أي انتخابات برلمانية ثم رئاسية.
السيناريو الثالث يتمثل في إقناع الدبيبة بأن ولايته انتهت يوم 22 فبراير2022 وتتم دعوته للترشح مقابل إيجاد حل لمباشرة حكومة باشاغا مع تعديلها كميا وكيفيا ثم تشرف بنفسها على مسار انتخابي مضبوط بخارطة طريق واضحة المعالم.
السيناريو الرابع يتمثل في أن تتطور الأحداث نحو مزيد من التأزيم، ولكن قد لا تتوسّع الاشتباكات ويتم الحرص على أن تبقى محدودة، ومن ثم تتم المبادرة بدعم خطة إعادة الملكية لليبيا والاعتماد على دستور 51 جزئيا أو كليا.
وتشير كافة المعطيات إلي أن تصاعد الصراع بين الحكومات والمجموعات المسلحة، قد يؤدي بليبيا لتجدد المواجهات المسلحة بعد فترة من الهدوء النسبي.
أما فيما يخص مستقبل وحجم إنتاج النفط في ليبيا تطرق تقريران تحليليان إلى أبرز السيناريوهات المتوقعة لهما وفقا لتطورات الأوضاع السياسية والأمنية والمتغيرات على الأرض، حيث وصف تقرير نشرته "غرفة الطاقة الإفريقية" التي تتحذ من جنوب إفريقيا مقرا لها، السيطرة على عائدات الصادرات النفطية بأكبر جائزة لجميع الفصائل السياسية والعسكرية الرئيسية.
وبين التقرير بأن هذه الفصائل أوقفت الإنتاج النفطي مرارا وتكرارا في تكتيك يهدف بوضوح إلى الضغط على حكومة تصريف الأعمال مشيران إلى أن التشابك السياسي البعيد عن الحل حتي الآن يجعل احتمالية بقاء صادرات النفط من دون تغيير لفترة طويلة جدا صعبة التحقق.
وأضاف التقرير إن هذا كله يجعل الإنتاجية النفطية في ليبيا هدفا متحركا خلال العام 2022 فالتدفق الثابت للنفط قصير الأجل متوقعان أن يكون الإنتاج في حدود نحو 985 ألف برميل يوميا لما تبقى من هذا العام وربما مليونا و150 ألفا في العام 2023.
وتابع التقرير أن الاستقرار السياسي طويل الأجل في ليبيا يعني بلوغ الإنتاج في العام 2024 قرابة المليون و800 ألف برميل يوميا ما يعني فوائد اجتماعية واقتصادية لعائدات النفط الثابتة لخلق المزيد من فرص العمل وريادة الأعمال إلا أن هذا غير مؤكد فالانتخابات لم تجرى والانقسام الحكومي لا زال قائما.
وتشير كافة السيناريوهات المحتملة في المرحلة المقبلة إلي تعقد المسار السياسي فهناك احتمالية كبيرة لتصاعد الاستقطاب والانقسام، ما يعني تلاشي فرصة الوصول إلى صيغة حل مقبولة، وبالتالي، فإن استمرار دوامة الانتقال غير التام وعدم الذهاب للانتخابات ستكون نتيجة حتمية، في حالة استمرار ذات النسق التنافسي بين أطراف الأزمة.
كما يري مراقبون بأن الوضع سيبقى غامضاً بشأن ما سيحدث في2023 خصوصا مع عدم وضوح مستقبل الانتخابات المؤجلة منذ ديسمبر 2021، ووسط خلاف حكومي كبير بين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، الذي رفض تسليم السلطة إلا لسلطةٍ منتخبة، وحكومة كلفها مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا وتتخذ من مدينة سرت مقراً مؤقتاً لها، بعد فشلها في دخول العاصمة طرابلس في مناسبتين.

شارك