في ضوء ما تشهده الأزمة من حالة عدم يقين.. أبرز التطورات على الساحة اليمنية وقراءة دلالاتها

الثلاثاء 22/أغسطس/2023 - 11:21 ص
طباعة في ضوء ما تشهده الأزمة فاطمة عبدالغني- أميرة الشريف
 
في سياق سلسلة التطورات التي تشهدها الساحة اليمنية مؤخراً والتي يأتي في مقدمتها تهديد ميليشيا الحوثي على مدار الأشهر الماضية، باستئناف المعارك المسلحة في الجبهات الداخلية في اليمن كما كثّفوا تحركاتهم على أكثر من محور، وإعلامياً تبنى الحوثيون خطاباً تصعيدياً لوّحوا من خلاله باستهداف الداخل السعودي والممرات البحرية اليمنية في البحر الأحمر.
وخلال شهر أغسطس الجاري (2023)، بلغت التصريحات الحوثية ذروتها مع تهديد زعيم الجماعة باستهداف مشروع “نيوم” السعودي في حال لم يتم الاستجابة لمطالب الجماعة التفاوضية، ويأتي ذلك بعد أن أعلنت قيادات الجماعة عن أن محادثاتها مع الرياض قد توقفت عند ملف المرتبات.
ويأتي هذا بالتزامن مع ما تشهده الأزمة اليمنية من استئناف للحراك الدبلوماسي الرامي إلى كبح أي تصعيد محتمل وتطوير اتفاق شامل لوقف إطلاق النار؛ وهو ما تجلى في تحركات العمانيين بين الرياض وصنعاء، وكذلك المبعوث الأممي الى اليمن هانس غروندبرغ والمبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينج اللذين أجريا جولة شملت اليمن وعدداً من العواصم الخليجية.
وفي هذا السياق، أصدر مركز اليمن والخليج للدراسات ورقة بحثية تهدف إلى رصد أبرز التطورات الجارية على الساحة اليمنية وقراءة دلالاتها في ضوء ما تشهده الأزمة من حالة عدم يقين.
وأوضح المركز أن شهر أغسطس الحالي شهد تصعيداً حوثياً متدرجاً على المستويين الميداني والإعلامي. إذ توعد قائد الجماعة عبد الملك الحوثي، خلال كلمة له بثها تلفزيون “المسيرة”، التحالف العربي بقيادة السعودية، باستهداف مشروع “نيوم” في حال عدم حدوث تطورات إيجابية في جهود الوساطة التي تقودها سلطنة عُمان بين الجماعة والمملكة. كما أكد على الاستمرار بتطوير القدرات الردعية لميليشياته. وكان المتحدث باسم الجماعة محمد عبد السلام قد أدلى بتصريحات قال فيها: “إن فرص تمديد الهدنة قد تكون الأخيرة في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق حول آلية لصرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الجماعة وإنهاء القيود المفروضة على المنافذ الخاضعة لها”.
وقد صعّد الإعلام التابع للجماعة من نبرة الخطاب العدائي الموجه ضد الحكومة والسعودية، كما دشن الحوثيون العديد من برامج التعبئة في صفوف المليشيات والتشكيلات القتالية التابعة لهم، بهدف رفع الجاهزية القتالية، حيث أعلن وزير دفاعهم اللواء العاطفي، في ١٤ أغسطس الجاري، أن “هناك أراضٍ محتلة في مياهنا الإقليمية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي والمياه الإقليمية المتاخمة للمحيط الهندي، وجزر يمنية، ولكن سنحررها”. كما تعهد بإدخال أسلحة جديدة للمعركة.
وبالتزامن مع التصعيد الخطابي لقيادات الحوثيين، صعَّد الحوثيون ميدانياً عبر تبني استراتيجية “القضم البطيء”، حيث تضاعف عدد عملياتهم العسكرية الموجهة ضد القوات المنضوية في الشرعية في محافظات تعز والحديدة ولحج والضالع وشبوه ومأرب. وتسعى تلك الاستراتيجية إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:
أولها، إرهاق القوات الحكومية وحرمانها من تحسين وتعزيز قدراتها القتالية. وثانيها، الإبقاء على عنصر المبادرة في أيديهم، وما ينطوي على ذلك من اختيار ميدان وتوقيت المواجهة فيما ينحصر دور القوات الحكومية في ردة الفعل. وثالثها، الاستمرار في مهاجمة مواقع صغيرة تتسم بالأهمية ومن ثم يجري مراكمة الإنجازات وصولاً لتحقيق اختراق نوعي في إحدى الجبهات الرئيسية.
وتشير المعلومات إلى أن الحوثيين قاموا بتكديس الصواريخ والطيران المسير في المناطق المتاخمة لباب المندب وسواحل البحر الأحمر، وكذلك في مناطق الجوف المحاذية للسعودية. ويهدف الحوثيون من خلال اعتمادهم لتكتيكات رفع نسق التصعيد للضغط من أجل الحصول على مكاسب اقتصادية وسياسية، حيث جرت العادة على ممارسة ذلك النوع من الابتزاز في جميع مراحل التفاهمات والاتفاقيات السابقة، وقد نجحوا في الحصول على الكثير من الامتيازات، كان آخرها السماح بفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة بدون تقديم أي تنازلات، وهو ما أدخل إلى خزائنهم -بحسب الحكومة- قرابة تريليون و٦٠٠ مليار ريال منذ إعلان الهدنة في أبريل 2022.
وفي الوقت ذاته، يُخشى من أن ينتهي ذلك التصعيد بالانزلاق نحو استئناف المواجهات، إذ من المرجح أن السعودية تتعاطى مع تلك التهديدات بجدية، ويشمل ذلك الاستعداد للتصدي لأي مغامرات غير محسوبة تستهدف منشآت عسكرية واقتصادية سعودية حساسة، أو لجوء السعودية والتحالف العربي لشن عملية وقائية تحد من قدرة الحوثيين على إلحاق أضرار بالمملكة، وتجبرهم على العودة للمفاوضات.
وبحسب المركز انتهجت جماعة الحوثي سياستها التصعيدية خلال أغسطس الجاري مدفوعة بجملة من العوامل، التي يتمثل أهمها في:
1- الرغبة في استئناف المسار التفاوضي مع السعودية، والذي انقطع بشكل تام خلال شهر يوليو الفائت، نظراً لمطالب الحوثيين المتعنتة، ورغبتهم في انتزاع مكاسب مالية واقتصادية دون تقديم أي التزامات سياسية وأمنية بخصوص عملية السلام. وبحسب معلومات خاصة، فإن الحوثيين طلبوا خلال الشهر الماضي من بعض القوى الدولية والإقليمية من بينها بريطانيا- التي يمتلك سفيرها اتصالاً مباشراً مع الحوثيين- إضافة إلى سلطنة عُمان، التوسط لتجنب أن يصل المشهد التفاوضي بينهم وبين الرياض إلى نقطة اللاعودة.
2- تقديم الرياض دعماً مالياً كبيراً للحكومة اليمنية الشرعية، وهو ما جعلها قادرة على التعامل مع الضغوط الاقتصادية، بعد أن توقف تصدير النفط اليمني بسبب هجمات الحوثيين في العام الماضي. وفي الوقت نفسه، فإن معسكر الشرعية اليمنية وكذلك التحالف العربي قد شهد تراجعاً في منسوب التوترات الداخلية والصراعات البينية. وفي المحصلة، فإن الدعم المالي والتهدئة السياسية يساهم في تحسين الموقف التفاوضي للمعسكر اليمني المناهض للحوثي ويسلب الأخير أفضلية الوقت التي كان يحظى بها.
3- تنامي الضغوط الداخلية على الحوثيين، لا سيما بعد أن تحسن الوضع المالي عقب فتح ميناء الحديدة وتهرب سلطاتهم من تقديم أي التزامات مالية للمواطنين؛ لذا يصر الحوثيون على تصعيد لغتهم الإعلامية لتحميل الحكومة اليمنية وحلفائها الإقليميين قضية الرواتب، ومحاولة تأكيد الاستقلالية الذاتية للجماعة عن طهران التي تنتهج حالياً سياسة حسن الجوار.
وأوضح المركز أن المبعوث الدولي إلى اليمن هانس غروندبرغ أجرى زيارات مكثفة للرياض وعُمان وعدن، عقد خلالها لقاءات رفيعة المستوى مع مسؤولين سعوديين وعمانيين ويمنيين وحوثيين، كان من بينها لقاءه برئيس الوزراء معين عبد الملك، ورئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي. وبحسب تصريح له خلال إحاطته في الجلسة الخاصة باليمن في مجلس الأمن الدولي، في ١٦ أغسطس الجاري، أكد المبعوث الدولي أن مكتبه مستمر في عقد اللقاءات والتشاورات مع كافة الأطراف، وأشار إلى أن الأطراف منفتحة على إيجاد تسوية، لكنهم يحتاجون لاتخاذ المزيد من الخطوات، وفي السياق ذاته، نبّه إلى أن التصعيد قد يفضي لاستئناف المواجهات .
ولفت المركز إلى أنه قبل ذلك بيومين، أعلنت الخارجية الأمريكية توجه تيم ليندركينج لزيارة ثلاث عواصم خليجية هى: الرياض، ومسقط، وأبوظبي، وذلك لدفع الجهود التي تقودها الأمم المتحدة لتوسيع نطاق الهدنة وإطلاق عملية سلام شاملة. وفي وقت لاحق، التقى ليندركينج مع المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات أنور قرقاش، ووكيل وزارة الخارجية العماني خليفة بن علي الحارثي.
وأشار المركز إلى أنه المبعوث الأمريكي دعا خلال مقابلة له مع قناة “العربية”، إلى دعم المساعي للوصول إلى وقف الحرب والدخول في حوار يمني، ورفض التهديدات الحوثية بالعودة إلى التصعيد العسكري واستهداف دول الجوار ومنشآتها الحيوية، وفي مقدمتها السعودية، إلى جانب التهديدات الشديدة باستهداف قوات البحرية الأمريكية.
وقال ريتشارد أوبنهايم السفير البريطاني لدى اليمن، في مقابلة أجرتها معه صحيفة “الشرق الأوسط”، في ١٣ أغسطس الحالي، إن بلاده مستعدة للعب دورها في مجلس الأمن الدولي لإضفاء الشرعية على أي قرار جديد للمصادقة على أي تسوية سياسية شاملة تتوصل إليها الأطراف اليمنية. ولمّح السفير إلى أن لدى مجلس الأمن مجموعة من الخطوات يمكن الاتفاق عليها لدعم جهود السلام في اليمن، من أبرزها موافقة المجلس على رفع العقوبات.
واعتبر المركز أن هذا التصريح إشارة واضحة لاستعداد بريطانيا- التي تقود عملية التفاوض وصياغة القرارات في مجلس الأمن بصفتها حاملة القلم للملف اليمني- للعب دور رئيسي في المفاوضات. وفي ١٧ من الشهر نفسه، وصل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى الرياض في أول زيارة لمسئول إيراني رفيع منذ إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في بداية عام ٢٠١٦. وعلى الرغم من أن الزيارة تأتي في ظل التقارب السعودي-الإيراني، إلا أن توقيتها قد يسهم بشكل غير مباشر في كبح جماح الحوثيين، إذ من غير المرجح أن يتجرأ الحوثيون بإطلاق الرصاصة الأولى وإشعال المواجهات بدون الحصول على ضوء أخضر إيراني.
وبعد ذلك بيوم واحد، وصل وفد عماني إلى صنعاء بصحبة رئيس الوفد التفاوضي والمتحدث باسم الجماعة محمد عبد السلام، في محاولة عمانية جديدة لإنعاش المفاوضات بين الأطراف.
وأوضح المركز أنه على الرغم من التصعيد الحوثي أحادي الجانب تجاه الحكومة ودول التحالف العربي، إلا أن الدور الحكومي ظل شبه غائب، إذا ما استثنينا تصريحات وزير الإعلام معمر الإرياني التي ندد فيها بتلويح الحوثيين بالعودة لمسار الحرب، داعياً في الوقت ذاته المجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤولياته. أضف إلى ذلك، الانعقاد الطارئ للجنة الأمنية العليا برئاسة وزير الدفاع الفريق الركن محسن الداعري في عدن، والتي ناقشت- بحسب وكالة الأنباء الرسمية “سبأ”- عدداً من الموضوعات الملحة من بينها التصعيد الحوثي!، أي أن التصعيد الحوثي يندرج ضمن المهددات الأمنية للحكومة لكنه ليس على رأسها!.
وأوضح المركز أن رئيس مجلس الرئاسة رشاد العليمي أثناء اجتماعه بالمبعوث الدولي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أكد تمسك الشرعية بالمرجعيات الثلاث. وخلال جلسة مجلس الأمن، في ١٦ أغسطس الحالي، لوّحت الحكومة بإعادة النظر في فتح ميناء الحديدة، فيما يبدو استفاقة متأخرة، ولو على الصعيد الخطابي، فيما يبقى انخفاض الاستجابة على المسرح العملياتي هو السمة الأبرز حتى اللحظة.
واختتم المركز الورقة البحثية بالإشارة إلى أن تصعيد الحوثيين يتخذ مسارين متباينين: أولهما، المسار الاستراتيجي المتعلق بتطوير القدرات العسكرية والتحضير الميداني الدائم بنقل السلاح والأفراد إلى جبهات القتال، وهذا المسار يرتبط بطموحات الجماعة الدائمة إلى فرض سيطرتها العسكرية على كامل اليمن، وهى طموحات لن تتوقف بأي حال من الأحوال حتى لو تم التوصل إلى اتفاق سلام.
وثانيهما، المسار المرتبط بتصريحات الحوثيين بخصوص تفجير الحرب الشاملة في اليمن، أو نقل المواجهة إلى دول الإقليم وتهديد أمن الملاحة الدولية؛ وهذا المسار لا يعدو حتى الآن كونه جزءً من التكتيكات التفاوضية التي تنتهجها الجماعة بهدف استئناف التفاوض مع الرياض، وانتزاع امتيازات اقتصادية أكبر وتهدئة المجتمع المحلي المحتقن في مناطق سيطرتها.
والأرجح أن قيادات الجماعة الحوثية تدرك أن المجازفة بإشعال المواجهات قد تؤدي لنتائج عكسية، إذ قد تدفع إلى توحد أطراف الشرعية من جهة، وتُعجِّل بردم الهوة بين الحلفاء المتنافسين من جهة أخرى، وهو ما قد يساهم في قلب موازين القوى على الأرض.
إلى جانب ذلك، فإن المسار الإقليمي التصالحي بين إيران وبعض دول مجلس التعاون يمكن أن يكبح الحوثيين عن الإقدام على أي مغامرة عسكرية غير محسوبة، خصوصاً ما يتعلق بالأمن الإقليمي، حتى وإن حاول زعيم الجماعة إثبات عكس ذلك إعلامياً.
في المقابل، فإن الحراك الدبلوماسي الذي تشهده الأزمة اليمنية قد يتمكن من الحفاظ على حالة التهدئة مع احتمال طفيف جداً بأن تثمر هذه الجهود عن تجديد إعلان هدنة رسمية برعاية أممية واستئناف المحادثات الدبلوماسية بخصوص السلام. لكن المؤكد هو أن هذا الحراك لن يستطيع أن يطرح مساراً سياسياً شاملاً باتجاه تسوية على الأقل خلال المديين القريب والمتوسط.

شارك