"الفرقة 84": تحول أمريكي لافت يفتح الباب أمام تجنيد المقاتلين الأجانب في سوريا

الثلاثاء 03/يونيو/2025 - 05:51 م
طباعة الفرقة 84: تحول أمريكي علي رجب
 
تطور مفاجئ يعكس تحولا جذريا في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، أعلنت الولايات المتحدة موافقتها على خطة القيادة السورية الجديدة لدمج آلاف المقاتلين الأجانب في الجيش الوطني السوري. تتضمن الخطة تشكيل "الفرقة 84" كوحدة عسكرية جديدة تضم حوالي 3500 مقاتل أجنبي، معظمهم من الأويغور الصينيين، بعد أن كانت واشنطن تطالب بإقصائهم تماما من المنظومة الأمنية السورية.

التحول في الموقف الأمريكي
شهدت السياسة الأمريكية تجاه ملف المقاتلين الأجانب في سوريا تحولا دراماتيكيا خلال الأسابيع الماضية. فبينما كانت إدارة ترامب تطالب حتى شهر مايو الماضي بضرورة إبعاد جميع المقاتلين الأجانب من قوات الأمن السورية، جاءت الموافقة الأمريكية الجديدة لتمثل انعطافة كبيرة في هذا الموقف.

أكد توماس باراك، السفير الأمريكي لدى تركيا والمبعوث الخاص للرئيس دونالد ترامب إلى سوريا، أن هناك "تفهما" أمريكيا للخطة السورية، شريطة أن تتم بشفافية كاملة. وأضاف باراك في تصريحات لوكالة رويترز من دمشق: "من الأفضل الاحتفاظ بهؤلاء المقاتلين، الذين يتمتع الكثير منهم بولاء كبير للإدارة السورية الجديدة، ضمن مشروع الدولة بدلا من استبعادهم".

تفاصيل الخطة السورية
كشفت ثلاثة مصادر في وزارة الدفاع السورية لوكالة رويترز عن تفاصيل الخطة التي تهدف إلى دمج حوالي 3500 مقاتل أجنبي، معظمهم من الأويغور من الصين وبينهم بضع عشرات من الفرنسيين ، في وحدة عسكرية جديدة تعرف باسم "الفرقة 84" التي ستضم أيضا جنودا سوريين.

يبلغ عددهم عدة آلاف، بينهم بضع عشرات من الفرنسيين، وأكبر فصيل منهم ينتمي إلى الحزب الإسلامي التركستاني. تأسس الحزب في باكستان على يد أفراد من جماعة الأويغور العرقية عام 1997، وكان قد أقام علاقات مع طالبان والقاعدة. انتقل العديد من هؤلاء الرجال لاحقا إلى الجبهة السورية، لا سيما بعد أن شنت باكستان حملة عسكرية ضد الجماعات المسلحة في مناطقها القبلية بين عامي 2014 و2016.

يأتي هذا القرار في إطار جهود القيادة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع لإعادة هيكلة القوات المسلحة وإدماج المقاتلين السابقين في هيئة تحرير الشام والجماعات المتحالفة معها. وقد دافعت القيادة السورية عن هذا التوجه أمام نظرائها الغربيين، مؤكدة أن دمج المقاتلين الأجانب في الجيش يشكل خطرا أمنيا أقل من تركهم خارج المؤسسة العسكرية، مما قد يدفعهم للانضمام إلى تنظيمات متطرفة مثل القاعدة أو داعش.

الدور التاريخي للمقاتلين الأجانب
لعب المقاتلون الأجانب، وخاصة من الحزب الإسلامي التركستاني، دورا مهما في الصراع السوري على مدى السنوات الماضية. تشير التقديرات إلى أن ما بين 2000 إلى 2500 مقاتل من الحزب الإسلامي التركستاني قاتلوا في شمال سوريا. هؤلاء المقاتلون، المعروفون بولائهم وانضباطهم وخبرتهم القتالية، شكلوا جوهر ما يعرف بوحدات النخبة "الانتحارية" في هيئة تحرير الشام.

شارك هؤلاء المقاتلون في معارك حاسمة ضد تنظيم الدولة الإسلامية وفصائل القاعدة الأخرى منذ عام 2016، عندما انفصلت هيئة تحرير الشام عن التنظيم الذي أسسه أسامة بن لادن. كما لعبوا دورا بارزا في معركة جسر الشغور عام 2015، حيث شارك حوالي 700 مقاتل أويغوري في العملية العسكرية لاستعادة المدينة من قوات النظام السوري.

إذا قارنا هذه الأرقام بأرقام المسح السابق حول الموضوع نفسه، والذي يعود تاريخه إلى ربيع عام 2014، فسيكون عدد الجهاديين الأجانب الذين يقاتلون في سوريا والعراق اليوم أكثر من ضعف عددهم الحالي. إلا أن معظم حشد هؤلاء الجهاديين حدث في الواقع بعد تأسيس خلافة داعش المزعومة (29 يونيو 2014)، أي خلال صيف وخريف عام 2014. وتظهر هذه الأرقام والتقديرات ثلاث نتائج رئيسية:
وتأتي الغالبية العظمى من هؤلاء المقاتلين الأجانب (حوالي 60%) من بلدان المغرب العربي والشرق الأوسط، وتتصدر تونس القائمة: 6000 مقاتل ، تليها المملكة العربية السعودية وتركيا والقوقاز الروسي والأردن، حيث يتراوح عدد الجهاديين في كل منها بين 2000 و2500 جهادي.

ثم تأتي المقاتلون من الدول الأوروبية: يقال إن هناك ما لا يقل عن 5000 أوروبي في سوريا والعراق، في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية ولكن أيضا في صفوف الجماعات الجهادية الأخرى مثل جبهة النصرة، يأتون بشكل رئيسي من أربع دول: فرنسا أولا، والتي يقال إنها توفر أكبر فرقة، ما لا يقل عن 1700 جهادي؛ تليها إنجلترا وألمانيا : 760 مقاتلا من كل من هذه الدول، وبلجيكا مع 470 بلجيكيا ذهبوا للجهاد.

وأخيرا، ثالث أكبر مصدر للجهاديين: جمهوريات القوقاز وآسيا الوسطى، التابعة للاتحاد السوفيتي سابقا، بإجمالي 4700 مقاتل. ويمثل هذا أكبر زيادة خلال عام ونصف، مقارنة بالدراسة السابقة لمجموعة صوفان.

الضغوط الصينية والاعتبارات الدولية
يعتبر المقاتلون الأويغور من الصين وآسيا الوسطى منتمين إلى الحزب الإسلامي التركستاني، وهي جماعة مصنفة كتنظيم إرهابي. أشار مسؤول ودبلوماسي أجنبي إلى أن الصين سعت للحد من نفوذ هذه الجماعة في سوريا. هذا الأمر يضيف بعدا جيوسياسيا معقدا للقرار الأمريكي، حيث قد يؤثر على العلاقات الأمريكية-الصينية في المنطقة.

التحديات الأمنية المستمرة
رغم الموافقة الأمريكية على دمج المقاتلين الأجانب، تواجه سوريا تحديات أمنية جديدة. أعلن تنظيم داعش مؤخرا مسؤوليته عن هجوم على القوات العسكرية السورية، مما يمثل أول عملية للتنظيم ضد الحكومة الجديدة منذ سقوط بشار الأسد. وقع الانفجار في منطقة الصفا الصحراوية في محافظة السويداء في 22 مايو، مما أسفر عن مقتل أو إصابة سبعة جنود سوريين.

التداعيات السياسية والدبلوماسية
يأتي هذا التطور في أعقاب لقاء الرئيس ترامب مع الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع في الرياض، حيث وافق ترامب على رفع العقوبات عن سوريا وعين باراك مبعوثا خاصا للبلاد. هذا التحول في السياسة الأمريكية يعكس نهجا براغماتيا جديدا تجاه الأزمة السورية، يركز على الاستقرار الأمني أكثر من الاعتبارات الأيديولوجية.

مصير الأجانب الذين انضموا إلى هيئة تحرير الشام خلال الحرب الأهلية السورية التي استمرت 13 عاما كان واحدا من أكثر القضايا إثارة للجدل في عملية المصالحة مع الغرب منذ أن أطاحت الجماعة، التي كانت في السابق فرعا للقاعدة، بالأسد واستولت على السلطة العام الماضي.

تمثل الموافقة الأمريكية على دمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري منعطفا مهما في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، وتعكس تحولا من نهج الإقصاء إلى نهج الدمج المنضبط.

شارك