الحدود تنزف مع أفغانستان.. تصاعد الإرهاب يعيد باكستان إلى نقطة الصفر
الجمعة 04/يوليو/2025 - 12:56 م
طباعة

شهدت باكستان في الآونة الأخيرة تصعيدًا خطيرًا في مستوى العنف على حدودها الشمالية الغربية، حيث أقدمت جماعات مسلحة تنتمي إلى حركة طالبان باكستان وتنظيمات متفرعة عنها بمحاولة التسلل عبر الحدود من أفغانستان، ما أدى إلى اندلاع مواجهات عنيفة مع القوات المسلحة الباكستانية.
وأعلن الجيش الباكستاني مقتل ثلاثين مسلحًا خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، في عمليات تصدٍ لتلك المحاولات، مشيرًا إلى أن هذه التحركات جاءت عقب هجوم انتحاري دموي استهدف قافلة عسكرية في إقليم خيبر بختونخوا، أسفر عن مقتل ستة عشر جنديًا وإصابة ما يقرب من ثلاثين آخرين، بينهم مدنيون.
العملية الانتحارية التي هزّت المنطقة جرت في منطقة شمال وزيرستان، وهي واحدة من أكثر المناطق توترًا في الإقليم، وتقع بمحاذاة الحدود الأفغانية، ما يجعلها عرضة دائمة لاختراق المسلحين عبر ممرات جبلية وعرة تستخدمها الجماعات المتشددة منذ سنوات طويلة كملاذات آمنة.
هذا التصعيد لم يكن معزولًا، بل جاء كحلقة في سلسلة طويلة من الهجمات التي طالت القوات الأمنية الباكستانية في الأشهر الماضية، ما يعكس عودة قوية لتنظيم طالبان باكستان بعد فترة من الخمود النسبي.
وأشارت التقارير الصادرة عن الجيش إلى أن المسلحين كانوا مجهزين تجهيزًا عسكريًا متقدمًا، حيث تم ضبط كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات والذخيرة خلال المواجهات، مما يثير تساؤلات حول مصادر دعم هذه الجماعات. وفي هذا السياق، وجهت باكستان اتهامات مباشرة إلى الهند بدعم هذه التنظيمات المسلحة، وهو ما يمثل تصعيدًا دبلوماسيًا خطيرًا بين الخصمين النوويين.
وقد أعاد هذا الاتهام إلى الأذهان سنوات من الشكوك المتبادلة بين البلدين، حيث تتهم كل دولة الأخرى باستخدام جماعات مسلحة لتحقيق أهداف سياسية وأمنية داخل أراضيها.
رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف أعرب عن دعمه الكامل للقوات المسلحة، مشيدًا بجهودها في إحباط ما وصفه بمحاولة تسلل إرهابية كان من الممكن أن تؤدي إلى كارثة أمنية كبيرة، مؤكدًا في بيان رسمي أن الحكومة "عازمة على القضاء على الإرهاب بكافة أشكاله".
كما كرر شريف الاتهامات الموجهة إلى الهند بدعم التمرد المسلح في البلاد، مؤكدًا أن باكستان لن تسمح لأي جهة خارجية بزعزعة استقرارها.
الأوضاع في خيبر بختونخوا باتت تمثل تحديًا متزايدًا للأمن القومي الباكستاني، نظرًا لطبيعة الإقليم المعقدة جغرافيًا وقبليًا، وقربه من مناطق نفوذ طالبان داخل أفغانستان. فالإقليم، الذي يضم العديد من المناطق القبلية غير الخاضعة بالكامل لسلطة الحكومة المركزية، شكّل منذ عقود بيئة حاضنة للجماعات المتشددة.
ورغم الحملات العسكرية التي أطلقتها الحكومة في السنوات الأخيرة، لا تزال تلك الجماعات قادرة على تنفيذ عمليات نوعية مميتة.
وتعاني باكستان من صعوبة في احتواء هذه التهديدات رغم استخدامها القوة العسكرية المكثفة، خاصة في مناطق مثل وزيرستان وبلوشستان وخيبر بختونخوا، حيث تنشط الجماعات المتطرفة بكثافة.
وتواجه القوات الأمنية انتقادات من جهات داخلية تتهمها بعدم التنسيق الكافي بين مختلف الأجهزة المعنية بمكافحة الإرهاب، إضافة إلى الثغرات الأمنية التي تسمح بوقوع هجمات متكررة.
هذا الضعف في التنسيق والاستجابة يزيد من حدة التحديات الأمنية، خصوصًا في ظل الانقسامات السياسية الداخلية والتوترات الإقليمية.
الاشتباكات الأخيرة تشير أيضًا إلى تنامي قدرة الجماعات المسلحة على تنظيم عمليات معقدة تتضمن تفجيرات انتحارية وهجمات متزامنة على مواقع عسكرية، ما يعكس مستوى عاليًا من التنظيم والتخطيط، قد يكون مرتبطًا بوجود دعم خارجي لوجستي أو استخباراتي.
باكستان لم تتردد في الإشارة إلى مسؤولية الهند، معتبرة أن هناك أدلة على قيام نيودلهي بتقديم الدعم المالي والعسكري لبعض هذه الجماعات عبر شبكات تعمل من داخل الأراضي الأفغانية، مستغلة هشاشة الوضع الأمني بعد انسحاب القوات الغربية من أفغانستان.
في المقابل، ترفض الهند بشكل قاطع هذه الاتهامات، وتؤكد أن باكستان تحاول صرف الأنظار عن إخفاقاتها الداخلية في السيطرة على التطرف والعنف.
وتتهم نيودلهي إسلام آباد بدعم جماعات إرهابية تعمل في إقليم كشمير المتنازع عليه، ما يعمّق الخلاف بين الطرفين ويزيد من مخاطر الانزلاق نحو صراع أوسع.
في خضم هذه التطورات، يعيش سكان المناطق الحدودية حالة من الذعر وعدم الاستقرار، حيث تتكرر الاشتباكات والتفجيرات، مما يدفع العديد من العائلات إلى النزوح باتجاه مناطق أكثر أمانًا.
المدارس تغلق، والمحال التجارية تتوقف عن العمل، بينما تفرض السلطات حظرًا للتجول بشكل دوري للحد من تحركات العناصر المشبوهة. هذه الأوضاع الإنسانية المتدهورة تزيد من تعقيد المشهد الأمني، حيث تجد الحكومة نفسها مجبرة على التعامل مع تهديدات متعددة الجبهات: أمنية، وسياسية، وإنسانية.
الوضع مرشح لمزيد من التدهور إذا لم تُتخذ إجراءات جذرية وشاملة لمعالجة جذور التمرد، بما في ذلك تحسين التنسيق بين الأجهزة الأمنية، وتكثيف التعاون مع الجانب الأفغاني لمنع تسلل المسلحين، فضلًا عن معالجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تسهم في تجنيد الشباب في صفوف الجماعات المتطرفة.
ويبدو أن الاستراتيجية الحالية التي تركز على الحل العسكري وحده لم تثبت فاعليتها، مما يستدعي إعادة نظر شاملة في آليات مكافحة الإرهاب في باكستان.
ورغم أن الحكومة تحاول إظهار سيطرتها على الأوضاع، فإن تكرار الهجمات واتساع نطاقها يطرح تساؤلات جدية حول قدرة الدولة على استعادة الاستقرار في المناطق المضطربة.
ويري مراقبون أن استمرار هذا الوضع يؤدي إلى زعزعة الثقة العامة في قدرة المؤسسات الأمنية والسياسية على حماية البلاد، خصوصًا مع تصاعد الغضب الشعبي في المناطق المتأثرة، التي ترى أن الدولة لم تفعل ما يكفي لضمان أمنهم وسلامتهم.
ويشير مراقبون إلي أن التطورات الأخيرة تؤكد أن باكستان تقف أمام تحدٍ استراتيجي كبير لا يهدد أمنها فحسب، بل استقرارها السياسي والاقتصادي أيضًا، خاصة في ظل بيئة إقليمية مضطربة وصراعات دولية متشابكة تلقي بظلالها على الوضع الداخلي في البلاد.