الملالي يمنعون طباعة الترجمة الفارسية لكتاب التداوي بالفلسفة لسعيد ناشيد

الإثنين 10/مايو/2021 - 12:03 ص
طباعة الملالي يمنعون طباعة روبير الفارس
 

 اكد الباحث الإيراني محمد جواهر كلام، مترجم كتاب  "التداوي بالفلسفة" للمفكر والباحث المغربي سعيد ناشيد إلى اللغة الفارسية، بأن دائرة الرقابة في إيران طلبت منه حذف ثلاثة فصول كاملة قبل الموافقة النهائية على طبع واصدر الكتاب .الامر الذى يعد تشويها للكتاب وافكاره الامر الذى جعله  يرفض، و يبحث عن بدائل ممكنة لطبع الكتاب خارج إيران..وكان سعيد ناشيد قد كتب تقديما خاصة للطباعة الفارسية من الكتاب جاء فيها 
إنه لمن دواعي الفخر أن أرى أحد كتبي مترجما إلى اللغة الفارسية، لغة أهل الإشراق والعرفان منذ غابر الزمان، وإنه لمن دواعي السرور كذلك أن يقع الاختيار على "التداوي بالفلسفة"، والذي أَعتبرُه كتابا مفصليا في حياتي الفكرية؛ له ما قبله، وله ما بعده، ولا بأس بالكلام عنهما إجمالا لأجل الفائدة:
قبل هذا الكتاب، اشتغلتُ على الإصلاح الديني ردحا من الزمن، وحاولت المساهمة في تفكيك البنية الذهنية المنتجة لما بات يعرف بالإرهاب العالمي، سواء من حيث الجهاز المفاهيمي، منظومة القيم، أم بنية الخطاب إجمالا، ثم أدركت في النهاية أن حضارتنا مريضة، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولعل المرض عضال هذه المرة. وكما قلت ذات مرة: الداء فينا والإنكار داء آخر. 
غير أن أصل الداء لا يعود حصراً إلى لحظة الهزيمة، أو النكسة، أو الاستعمار، أو عقدة النقص أمام صدمة الحداثة، أو ما ترتب عن ذلك كله من جرح نرجسي في الذات المسلمة، بل يعود إلى عهود قديمة، عندما استبدّت بحضارتنا خطابات تنمي مشاعر الخوف، والحزن، والكراهية، وعقدة الذنب، وسائر المشاعر السلبية التي دمرت قدرة الإنسان المسلم على الفرح، والإبداع، والحياة. 
إن الفتنة النائمة دوما على أرصفة شوارعنا مثل الألغام المبثوثة، والغلو الكامن دوما في النفوس والنصوص مثل القنابل الموقوتة، والإرهاب الذي يخبط بلا قضية تُذكر سوى التشفي والغدر، والتفجير الانتحاري الذي لا يبقي ولا يذر، ولا يترك حجرا على حجر، تلك الأهوال كلها هي محصلة مفاهيم، قيم، وخطابات، تنمي ما يسميه سبينوزا بالأهواء الحزينة، وما يسميه نيتشه بغرائز الانحطاط، وما يسميه فرويد بدوافع الموت (الثاناتوس)، وتنتهي بالتالي إلى ترسيخ ما يسميه إيريك فروم بنمط التدين التسلطي. 
يقتضي علاج حضارتنا المريضة -ضمن ما يقتضيه- إحداث انقلاب في اللغة والأخلاق، في المفاهيم والقيم، بحيث ينتقل الخطاب الديني من دعم الأهواء الحزينة، وغرائز الانحطاط، ودوافع الموت، إلى دعم الأهواء المبهجة، وغرائز السمو، ودوافع الحب والحياة (الإيروس). هذه هي الخلاصة التي دنوت منها في كتابي "دليل التدين العاقل"، ولم يكن بإمكاني إدراكها إلا بعد العودة إلى تاريخ الفلسفة مجددا، لكن برؤية جديدة هذه المرة.
بعد هذا الكتاب، انكببتُ على مشروع يتغيّى المساهمة في استرجاع الطابع العملي للفلسفة، وهو الطابع الذي اتسمت به الفلسفة الرومانية من قبل، وكذلك التصوف الفلسفي في الإسلام، قبل أن يتعرض للتهميش من طرف التاريخ الرسمي للفلسفة، والذي طغى عليه الطابع النظري، واستبدت به أسئلة المعرفة، واللغة، والفيزياء، وما إلى ذلك من مسائل لها أهميتها بكل تأكيد، غير أن تهميش الجوانب العملية والتطبيقية، المتعلقة بفن العيش، قد حرم الفلسفة من إحدى وظائفها الأساسية، المتعلقة بتنمية القدرة على الحياة. ولقد آن أوان الاستدراك والاستذكار، لا سيما اليوم في عصر انهيار الإيديولوجيات الخلاصية سواء في أبعادها الوضعية أم الدينية. وهذا ما عبرتُ عنه في كل من كتاب "الطمأنينة الفلسفية"، وكتاب "الوجود والعزاء".
"التداوي بالفلسفة"، عنوان يعني ما يقول بلا لف أو دوران. ذلك أن الفلسفة تمثل علاجا لأمراض الحضارة وأمراض الوجدان. 
أن تكون الفلسفة علاجا لأمراض الحضارة، فهذا ما صرح به نيتشه حين وصف الفيلسوف بأنه طبيب الحضارة؛ وأن تكون الفلسفة علاجا لأمراض الوجدان، فهذا ما اتفق عليه الفلاسفة الرواقيون. 
الفلسفة علاج روحي للإنسان الذي قدر له أن يواجه الحياة في أشد ظروفها قسوة وقساوة، ظروف الألم، والفقد، والفراق، والملل، والطلاق، والكوارث، والأوبئة، والشيخوخة، والموت، والتي تمثل الشرط الدراماتيكي للوجود، بحيث لا يمكن إنكاره، كما لا يمكن التعويل فيه على الأوهام. لذلك تكون تنمية الحس النقدي هي الاستراتيجية الأساسية لأجل الوقاية، والعلاج، وعم فقدان القدرة على الفرح والحياة، ولقد اقترح الرواقيون تمارين كثيرة في هذا المضمار.
غير أن الأوهام مهما استطاعت أن تُسكن من آلام الإنسان، إلا أنها لا تقدم أي شفاء فعلي، بل غالبا ما تنتهي إلى مفاقمة ظروف الشقاء الإنساني؛ ذلك لأنها تحاول أن تخدع العقل، والعقل لا يتحمل الخداع.   
في هذا الكتاب، "التداوي بالفلسفة"، حاولت مقاربة دور الفلسفة انطلاقا من استراتيجيتين للإصلاح:
أولا، إصلاح الحضارة، ذلك أن الحضارات بدورها تولد وتموت، تمرض وتشفى، تنمو وتتدهور، وأن حضارتنا صارت مريضة بالفعل؛ ذلك أن أهوال الإرهاب والفتن واسترخاص الدماء، وأدعية اللعن والويل والثبور وعظائم الأمور، والتوجس الوسواسي من العقل، والإبداع، والسؤال، والجسد، والعين، والفنون، والفلسفة، والمرأة، والأقليات، إلخ، ليست سوى أعراض لأمراض الحضارة.
ثانيا، أصلاح الوجدان، وذلك لغاية أن يتمكن الإنسان من التحكم في انفعالاته ورغباته، حيث أن العلة الأولى لشقاء الإنسان هي الفشل في تدبير الانفعالات والرغبات. 
فإذا كان أفلاطون قد قرّر بأن يكون الحاكم حكيما بالضرورة، فذلك لأن الحكيم من يحكم نفسه، ولا يمكن أن يحكم الآخرين من لا يحكم نفسه، وإلا سيغدو مجرد طاغية في السياسة، وتعيس في الحياة.
ما هو مآل هذا الرهان الأفلاطوني اليوم؟ 
في عصر الديمقراطيات حيث أصبح المواطنون كافة شركاء في تدبير الشأن العام، بمعنى أنهم يحكمون أنفسهم بأنفسهم، أو هكذا يفترض، فقد صارت الحكمة ضالة المواطنين كافة.
الحكمة هي التعبير الشرقي عن الفلسفة العملية.
وإذا كان الطب والحكمة مترابطان في الثقافات الشرقية، فلأن الحكمة هي طب الروح. 
معادلة منسية، نحاول العمل على استرجاعها.
ويقدم سعيد ناشيد في كتاب التداوي بالفلسفة دفاعا عن الحياة البسيطة، وفق بوح سبق إليه نيتشه بتواضع الكبار حين قال: "إن نمط الحياة البسيطة هدف بعيد للغاية بالنسبة لي، وسأنتظر حتى يأتي أناس أكثر حكمة مني ليعثروا لنا عليه"، فما الحياة البسيطة؟ يقول في مقدمته ...
إنها حياة أعيشها بأقل ما يمكن من الأوهام، حياة أتصالح فيها مع قدري الخاص، ولا أقارن نفسي بأي قدر لأي إنسان آخر، حياة أكون فيها كما أنا لا كما يريدني الآخرون أن أكون.
حياة أبسط فيها سلطاني على نفسي، بحيث تكون أنفعالاتي ومشاعري صادقة في التعبير عن القيم التي أعبر عنها وأدعو إليها.
حياة أصنع فيها المتعة بأقل الأشياء، وأبدع السعادة والفرح بأبسط السبل، حيث تكون البهجة الحقيقية هي بهجة الشعور بالنمو والإرتقاء.
لكن العودة إلى الحياة البسيطة هي الرحلة الأصعب بعد أن ضيعنا الطريق إليها من غمرة الأوهام الكبرى.
قد يظن البعط أن من أيسر الأمور أن نعيش حياة بسيطة! هذا غير صحيح، هذا يحتاج إلى التخلي عن الطمع في تحصيل الأشياء غير الضرورية للعيش، ويحتاج إلى قيم رفيعة تجاه الطبيعة والبشر، وتجاه النفس.
هذا الكتاب قبل أن يكون موجه لكم ، موجه لي، كتبته لنفسي أولآ.
إنه محاولة لتبيان دور الفلسفة في صنع الحياة، وذلك حتى تمارس دورها الذي هو الدور الأكثر حيوية: فليس دور الفلسفة أن تمنحنا القدرة على فهم النصوص وحسب، بل دورها بالأساس أن تجعلنا قادرين على فهم الحياة.

شارك