"علي مبروك" ومشروعه الفكري في مؤسسة نصر أبو زيد

السبت 30/أبريل/2016 - 11:46 ص
طباعة علي مبروك ومشروعه
 
بمناسبة "اليوم الأربعين" على وفاة المفكر المصري علي مبروك أقامت مؤسسة نصر حامد أبو زيد للدراسات الإسلامية حفل تأبين للمفكر الراحل بمقر المؤسسة بمساكن هيئة تدريس جامعة القاهرة، وكان من بين المشاركين الدكتور أحمد زايد عالم الاجتماع المعروف وعميد كلية الآداب السابق بجامعة القاهرة، والدكتورة هدى الخولي والدكتور هاني المرعشلي والدكتورة هالة هالة ابو الفتوح والباحثون إسلام سعد وحسام الحداد وخالد عبده، بحضور كل من السيدة الفاضلة عبير خطاب زوجة الدكتور علي مبروك وأبنائه الثلاثة إياد ومازن ومروان، وجمع من محبي الدكتور علي مبروك وتلامذته بقسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة.
علي مبروك ومشروعه
وافتتحت اللقاء الدكتورة ابتهال يونس بتقديم نبذة عن الدكتور علي مبروك ومشواره الفكري وعلاقته بالدكتور نصر حامد أبو زيد وما يميزها؛ كونها ليست علاقة طالب بأستاذ، بينما كانت أكثر حميمية من ذلك، فكانت علاقة أب بابنه، وكيف أن الراحل الدكتور نصر حامد أبو زيد كان فخورًا بتقدم وتميز الدكتور علي مبروك، خصوصًا مع إنتاجه كتابه عن الإمام الشافعي.
وقام بتقديم اليوم الصحفي والشاعر محمد حربي، وقد ألقى بهذه المناسبة قصيدة كتبت عن علي مبروك، ورغم أن اليوم كان مليئًا بالمشاعر الطيبة التي عبر عنها المشاركون إلا أن تلك المشاعر لم تُنسهم الجانب الفكري لدى على مبروك، الذي كان مسكونًا بالأسئلة والهمّ العام، وجاءت كلمات المتحدثين في مناقشة ما قدمه على مبروك في إطار نقد العقل العربي ورؤيته في التنوير، وكيف تناول قضايا التخلف والاستبداد والحداثة.
فللدكتور علي مبروك الكثير من الآراء الجديرة بالالتفات والمناقشة؛ حيث يرى أن العقل العربي الراهن يعيش أزمات اقتصادية وسياسية وثقافية لكونه عقلاً غير فاعل، وعاجزًا عن إبداع حلول لمشكلات واقعه‏، كما أن الفكر العربي صار ناقلًا مقلدًا مكررًا بغير فهم لأفكار السلف‏،‏ فلم يأت بحلول جديدة لمشاكل واقعنا العصري‏،‏ وهو ما يتطلب تغيير البنية العقلية لثقافة المجتمع من خلال وسائل إعلامية وتعليمية جديدة‏.
علي مبروك ومشروعه
كما تميز مبروك بما يعرف بـ«نقد النقد»، إذ قدم مراجعات وملاحظات على مشروعات نظرائه على طريق الفكر، ورؤيتها في إطار نقدي، اجتهد خلاله في كشف التناقضات والتباينات الفكرية في التراث والمشروعات الفكرية التي تناولته بالنقد والتحليل.
في كتابه «ثورات العرب»، قال إنه "من الضروري ترسيخ خطاب التأسيس للحداثة العربية الذي يبدأ بقراءة وإدراك الواقع وتجنب التعميم والتلفيق ومعالجة الانقسام الذي تعيشه الدول العربية وخاصة مصر، وضرورة التحرر ليس برفض الدين أو الحداثة بل بتجاوز «خطاب القوة» الذي استبد بهما والانتقال إلى «خطاب الحق» الذي جرى تغييبه عنهما".
وأكد أن تجديد الخطاب الديني هو إصلاح الفكر الديني، أي المنتج البشري لفهم الدين والنصوص، الذي قد يكون صحيحًا أو تشوبه أخطاء‏.
وعن كتابه "الخطاب السياسي الأشعري" والذي طرح فيه الكثير من الأسئلة على العقل العربي يقول: "كيف يتحكم فينا التراث لهذا المدى العميق؟ كيف يحتل، وبقوة، الوعي الجمعي العربي/المسلم للدرجة التي يبدو معها وكأن هذا التراث هو أمر "طبيعي"، أمر كوني لا نملك سوى أن نسير وفقاً لصيرورته، لا نملك سوى الانقياد خلفه، فلا شيء وراء هذا التراث المهيمن ولا ثقافة غيره.. إن ما نفعله حتى الآن ليس إلا العيش على محض الأماني، أملاً في تجاوز ما نحن فيه من استبداد دون أن ندرك أن بنية الاستبداد عندنا تتجاوز المستبدين كأشخاص لتصل للاستبداد كأساس في الثقافة التي هيمنت ورسخت طوال قرون من التاريخ العربي الإسلامي؛ فـ "إذ هو الانتقال - ابتداءً من أن كل ممارسة تكون مشروطة بخطابٍ يؤسس ويوجه - من عالم الممارسة إلى نظام المعنى والخطاب، فإن التعاطي مع ظاهرة الاستبداد لا بد أن يتجاوز مجرد السعي إلى إزاحة سلالة المستبدين، رغم الأهمية القصوى لذلك، إلى إزاحة الثقافة التي تنتج الاستبداد، فتنتجهم. وهنا يلزم التنويه بأن إزاحة ثقافة ما، لا يعني أكثر من أن تصبح موضوعاً لهيمنة الوعي، على نحو يقدر معه على تجاوزها، وذلك بدل أن يكون هذا الوعي هو الموضوع لهيمنتها، فتبقى مؤبدة التأثير والحضور".
ومن هنا فالاستبداد "راسخ" في تراثنا الذي هيمن، وبالتالي فهو راسخ في وعينا الذي يبدو أنه قد اكتفى بالنقل والترديد والافتخار بالمقدرة على الحفظ دون أي محاولة لإعمال العقل أو للفهم.
والحق أن "تفكيكاً لظاهرة الاستبداد العربي لا يمكن أن يتحقق خارج فضاء الأشعرية، كخطاب وثقافة، وليس كمذهب وعقيدة" 
ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب، وهو كتاب قليل في عدد صفحاته - 132 ورقة تقريباً - لكنه يجعل أعصابك ملتهبة من فرط الغضب حينما تدرك - بطريق معرفي - أن الاستبداد يستقر في الخطابات التي كُتبَ لها أن تتسيد فضاء الثقافة الإسلامية/ العربية .. عن الكيفية التي تم التعامل بها مع السياسة المستبدة على أنها شأن "طبيعي" لا راد لها ولا أمل ولا نجاة حينما تثور ضدها ... عن مسار العلاقة بين الديني والسياسي في الإسلام والمقارنة بينه وبين الوضع في المسيحية ... عن الكيفية التي صار بها الديني قناعاً للسياسي أو عن الكيفية التي أصبح الله بها (قناعاً) للسلطان المستبد ... عن الكيفية التي تم بها ترسيخ فكرة أن الحاكم/الإمام/الخليفة لا يأتي إلا بأمر من الله ولا راد لقضاء الله، فبالتالي لا راد لحكم هذا الحاكم مهما طغى واستبد.
ولعلك تندهش - بعض الشيء أو كله - إن علمت - مثلاً - أن عالم السياسة الأشعري مبني بالكامل على قاعدة الانفلات من التقيد بقانون، وإذا أدركت كذلك أن خطاب الأشعرية العقائدي هو الخطاب الذي هيمن في فضاء الثقافة الإسلامية، فلعلك تدرك أن جوهر الأزمة، التي نعاصرها الآن، تراثي بالأساس، ولا سبيل ولا مخرج إلا بنقد هذا التراث ومحاولة فهمه واستيعابه.
محاججات الكتاب كثيرة، والبحث المعرفي مكثف لمن أراد أن يفهم أو أن يقترب ولو بمقدارٍ ضئيل من الحقيقة، فهل من قارئ يرغب في الفهم؟
عن أزمة تراثية ما زالت تحيا فينا، أو نحياها ... أو لعل الوصفين صحيحان، فنحيا فيها "تاريخاً" وتحيا فينا "وعياً وثقافة وممارسة"؛ سواء كنا ندري أو لا ندري.

للمزيد عن علي مبروك

شارك